لم ينس الصديق الدبلوماسى المصرى وأنا أبادر بسؤاله حول جدول أعمال زيارة مايك بومبيو وزير الخارجية الأمريكيةالقاهرة بعد غد والنتائج والحراك المتوقع فى العديد من قضايا الإقليم أن يبلغنى أن هذه الزيارة لمصر والمنطقة يتم الإعداد لها منذ شهرين، حيث جرت اتصالات ومشاورات عديدة وجهد مكثف لإقناع الجانب الأمريكى بألا تكون زيارة روتينية، حيث فات أوان مثل هذه الزيارات وانتهى إلى غير رجعة، حيث قضايا المنطقة ملتهبة وبراميل البارود فيها قابلة للانفجار فى أى لحظة، حيث الوقت يدهم الجميع، وعاد ليبلغنى أننا من جانبنا فى القاهرة قد أعددنا وحضرنا أنفسنا جيدا لهذه الزيارة، سواء عبر تجهيز العديد من الإجابات لاستفسارات يمكن أن يتحرى عنها الوزير الأمريكي، وفى الوقت نفسه أعددنا له قائمة تساؤلات مشروعة حول الموقف الأمريكى من كيفية التعاطى مع قضايا المنطقة، فى ضوء تغييرات جوهرية فجائية نجمت عن قرار الانسحاب الأمريكى من سوريا وترك الساحة هناك لبعض القوى المنفلتة المارقة مثل إيران وتركيا وحتى حقيقة «صفقة القرن»، وهل هو مشروع قائم وجاهز بالفعل وما هو مضمونه وجوهره، خاصة أن الفلسطينيين والمصريين ومعهم العرب بالإجماع لن يقبلوا هذه المرة تمرير الوهم أو الانتقاص من الحد الأدنى من المطالب والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وربما تكون مفاجأة الدبلوماسى المصرى لى دون شفونية أو تمجيد فى قوة الموقع والدور والحضور المصرى حاليا فى الإقليم وقوة تأثيره عندما اختتم حديثه معى بالقول إن قرار الإدارة الأمريكية ووزير الخارجية بومبيو اختيار القاهرة لإلقاء كلمة إلى العالم والشرق الأوسط عن فحوى تطلعات ومستقبل الدور الأمريكى فى المنطقة والنهج الجديد الذى تتبعه الإدارة الأمريكية فى التعاطى مع قضايا الإقليم برسم حلول واقعية لقضايا متأزمة ومواجهة مرتقبة لقضايا ساخنة ملتهبة فى الإقليم لم يكن سهلا أو تم اختياره هكذا عشوائيا. وللعلم فإن اختيار مصر ومنصة الجامعة الأمريكيةبالقاهرة لتوجيه هذه الكلمة لتكون مضمون رسالة أمريكية جديدة لأصدقائهم وحلفائهم فى المنطقة والعالم استغرق أيضا أكثر من شهرين. حيث جلسوا ودرسوا كثيرا عبر اجتماعات داخلية فى الإدارة الأمريكية والخارجية الأمريكية لاختيار البلد الذى يمكن أن توجه منه مثل هذه الكلمة، وبالفعل وجدوا، بعد جهد جهيد، أنه لا بديل عن القاهرة بوصفها واعتبارها المكان المناسب لإلقاء وتوجيه هذه الكلمة مثلما فعل الرئيس الأمريكى السابق أوباما فى بداية عهده فى 2009 بجامعة القاهرة، حيث إنها، أى القاهرة، بلد صاحب موقع ودور إستراتيجي، ناهيك عن أنه فى أقل من ثلاث سنوات فقط وفى عهد القيادة الجديدة للرئيس عبد الفتاح السيسى استطاعت مصر استعادة دورها المحورى والمركزى فى قضايا الإقليم وأصبحت رقما صعبا وثقيلا فى المعادلة الإقليمية وأن أى فرص للحل والتسوية لقضايا الإقليم لابد أن تبدأ وتنتهى من القاهرة، خاصة أنها تقف على مسافة قريبة، إن لم تكن واحدة، من كل قضايا وأطراف الأزمات فى المنطقة، وليس لها أجندات إقليمية أوتورطت فى قضايا عصية أو أشعلت حرائق فى الإقليم، بل على العكس عادت مصر لتكون البلد الإطفائى الأقوى فى الإقليم حاليا بفضل تعادلية وحكمة ونهج دبلوماسيتها، ليس فقط بين دول الإقليم، بل بفضل علاقاتها المتشعبة والمنفتحة مع كل دول العالم. وأخبرنى الدبلوماسى المصرى الرفيع أنه لكل هذا كان اختيارهم فى واشنطنالقاهرة لتكون العاصمة الإقليمية والعالمية التى يوجه من خلالها بومبيو بوصلة محددات السياسة الخارجية الأمريكية الجديدة وللدلالة على حديثه أشار عليّ بتوسيع دائرة الرؤية فى دول الإقليم ليؤكد أنه لا توجد عاصمة فى المنطقة أحق من القاهرة لتكون البوصلة والحاضنة للأمريكان لتوجيه رسائلهم الجديدة إلى المنطقة، وبالفعل عندما نظرت وقارنت بين واقعنا الجديد فى مصر وكفاءة دورنا وحضورنا والاشتباك السياسى والدبلوماسى المصرى مع قضايا الإقليم وجدت أننا الدولة الوحيدة فى المنطقة حتى الآن التى تتمتع بحضور وسمعة حسنة ولم تتورط فى أى قضايا أو تتدخل فى أزمات دول الإقليم وتفجر الصواعق وتشعل الحرائق فى دهاليز الأمن القومى العربى أو الإقليمى مثلما تفعل دول عديدة فى الإقليم جرائمهم وتاريخهم وشواهد أفعالهم تفضحهم كل يوم وكل ساعة. أعلم تماما أن زيارة بومبيو القاهرة، وبالرغم من أنها الأولى له منذ تسلم منصبه وزيرا للخارجية الأمريكية منذ إقالة نظيره السابق تيلرسون فى مارس من العام الماضي، فإنها لن تكون زيارة مجاملة أو تعارف، حيث سبق أن التقى أكثر من مرة الرئيس السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى فى الأممالمتحدة فى سبتمبر الماضي، إلا أن هذه الزيارة وهذه المرة سيجد نفسه فيها أمام طوفان من القضايا والتساؤلات والاستفسارات العديدة أبرزها سيكون بالفعل حول محور تحريك وديناميكية العلاقات المصرية الثنائية، وضرورة ترقية لجان الحوار الإستراتيجى بين البلدين. إلا أن أصعب الإجابات التى سيتعذر على بومبيو الحصول عليها ستتعلق بإمكان إحداث الانفراجة الأمريكية المطلوبة فى قضية العقوبات من قبل الرباعى العربى (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) تجاه قطر، حيث إن القاهرة تعلم أن هذه قضية جوهرية ضمن ملفات بومبيو للمنطقة، وبالتالى ما لم يقدم بومبيو ضمانات وتطمينات قطرية وأمريكية بتخلى الدوحة عن ممارساتها الشيطانية والوفاء بالشروط الثلاثة عشر للرباعى العربي، باعتبار أننا فى مصر أكثر أطراف الرباعى الذى ناله الأذى والفجور القطري، سيبقى الموقف المصرى على ما هو عليه. وكذلك الحال لقضايا عديدة وموسعة كعملية السلام وصفقة القرن والانسحاب الأمريكى من سوريا وقصة الفراغ الأمريكى فى الشرق الأوسط، والأوضاع فى ليبيا، وحتى علاقات التهديد والوعيد الأمريكى الإيراني.. كل هذه قضايا ستخضع لنقاش معمق فى القاهرة مع الرئيس السيسى ووزير الخارجية سامح شكرى وكل الإجابات النهائية ستكون رهنا بحقيقة المواقف الأمريكية الجديدة وماذا سيقدمون فى هذه الملفات.. فلننتظر ونر..! لمزيد من مقالات أشرف العشرى