على مدى سنوات طويلة شاهدت هذه الظاهرة ربما الفريدة فى شخص زميل عزيز هو الراحل أحمد بهجت. ظاهرةربما لا يحملها غيره وبالصدفة البحتة كنت أنا شاهدة عليها نظرا لوجودنا فى مكتب واحد بجريدة الأهرام وأتاح لى الوجود فى هذا المكتب أن ألمس ما سأقوله عن العزيز الراحل أحمد بهجت. فى البداية كنت أستمع إلى ضحكات عالية تخرج من مكتب أو مكان آخر هو موجود به لأعرف أنه لا يلقى نكاتا ولكنه فقط يتحدث. هذا الحديث كان هو مصدر هذه الضحكات لأتعرف على هذا الجانب من شخصيته، وهو خفة الظل مع الذكاء الذى يتولد لديه من أى حديث أو تعليق. ثم بعد استمرار هذه الحالة لهذا الزميل العزيز بدأ فى مرحلة جديدة وهى الميل إلى الكتابة الإسلامية وليست الكتابة الساخرة التى اشتهر بها. تعجبت خلال متابعة هذه المرحلة، والتى أحسست فيها بمدى الصدق والهدوء النفسى وكانت الغرابة بالطبع لأننى كنت من قرائه لسنوات طويلة، وكيف كنت أستمتع بكتابته العميقة والساخرة فى نفس الوقت، خاصة كان هو من أوائل الكتاب الذين تابعت كتاباته تحت عنوان «وجه فى الزحام» خاصة أنها عبارة عن سطور قليلة، ولكنها يمكن أن أصفها بأنها ممتعة. الرحلة الثانية تابعتها مستغربة كيف لهذا الكاتب الساخر «الرايق» أن يتحول إلى هذه الكتابات التى تدل على إيمان أقوى من كل من كانوا يكتبون فى هذا المجال ولأكتشف أيضا أن هناك أشياء كثيرة مشتركة بيننا فهو يحب الحيوانات بدرجة غير عادية وبالضبط هذا هو أنا مع الحيوانات.. حتى وصل عدد القطط لدى إلى 9 قطط، أما أحمد بهجت فكانت كلاب الشارع كلها أصدقاء له، وحينما يصل الجريدة يلتفون حول عربته لأنهم يعرفون أنهم سيحصلون على أكلة بديعة، وكان ما يجمعنا أيضا هو تقدير وحب العربة الفولكس وعدم تغييرها. لم أستشعر فى يوم من الأيام تطلعه أو حبه للمناصب فهو كاتب وفقط وإحساسه بأنه كاتب كان أهم عنده من أى منصب يسعى إليه الكثيرون مثل مساعد رئيس تحرير أو مدير تحرير أو أى من هذه المناصب، وكنت أنا بدورى مثله فى هذا التفكير، فلم أتطلع طوال 60 سنة فى الأهرام لأى منصب من تلك المناصب التى يسعى بل ويفرح بها الزملاء. كان الراحل العظيم مترفعا تقريبا عن كل شىء.. مكتبنا بسيط للغاية ليس به من الكماليات ما تزخر به المكاتب الأخرى. ولأتحول معه من خلال كتاباته إلى المرحلة الثالثة وهى التصوف، شعرت بأشياء غريبة تقتحم ذهنى وأنا أتتبع مرحلته الأخيرة وهى التصوف، وإن كنت شاركته فى عدم الاهتمام ببعض المظاهر إلا أننى لم أشاركه فى التصوف ولا فى الكتابة الإسلامية فقط فى الأمور الأخرى التى ذكرتها. وأخيرا أقول إننى سعدت بمعرفتى بهذه الشخصية الفريدة تقريبا فى كل شىء، والآن أدعو له بالرحمة التى يستحقها بإذن الله، وأدعو لأولاده أن يحافظوا على ذكراه التى حلت منذ أسبوع، فقد كان نعم الأب والأخ والصديق لكل من عرفه.