تمثل الخلافات السياسية والأزمات المادية وقرارات الانسحاب من اتفاقية باريس لمكافحة تغير المناخ، فى مجملها، تهديدات على مستقبل البيئة وكوكب الأرض. وتكشف ضحكات وعناق وزراء الدول المشاركة فى اتفاقية المناخ COP 24, التى عقدت مؤخرا فى مدينة «كاتوفيتسه» البولندية، بعد الإعلان عن التوصل لاتفاق بشأن إطار أكثر تفصيلا لاتفاقية باريس 2015، عن مدى الصعوبات التى تغلبت عليها نحو200 دولة مشاركة من أجل إعداد مؤلف من 156 صفحة يضم القواعد المنظمة لكيفية مراقبة تعهدات الدول بالحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحرارى وتحديث خطط مواجهتها. وتهدف الاتفاقية فى الأساس إلى الحد من ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بحقبة ما قبل الثورة الصناعية, . وعلى الرغم من الترحيب من قبل البعض بما تم التوصل إليه، فإن عددا من الدول وجماعات الخضر انتقدت ما توصلت إليه الاتفاقية، واعتبرتها ليست طموحة بما يكفى لمنع الآثار الخطيرة لظاهرة ارتفاع درجة حرارة الأرض. ففى حالة استمرار انبعاثات غاز ثانى أوكسيد الكربون على ما هى عليه، أكد الباحثون أن مناخ الأرض فى عام 2030 سيشبه ما كان عليه قبل ثلاثة ملايين سنة، حيث كان الطقس جافا ومنسوب المياه أعلى مما هو عليه الآن بنحو 18 مترا ودرجات الحرارة أعلى بما يتراوح ين 1٫8و3٫6 درجة. وتعد مشكلة التمويل من أهم المعوقات التى تثقل كاهل الاتفاقيات، وفى محاولة لتيسير الأمور، أعلن البنك الدولى عن تخصيص حوالى 200 مليار دولار بين عامى 2021و 2025 لاستثمارات تهدف إلى مساعدة الدول النامية على مواجهة التغير المناخي، ليضاعف بذلك المبلغ المخصص فى الأعوام السابقة، كما أعلنت ألمانيا عن عزمها إنفاق 68 مليون يورو إضافية لدعم الدول الفقيرة فى تحقيق خططها بشأن حماية المناخ. واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش أن عدم اتفاق الدول وإظهارها الإرادة السياسية لتقديم تنازلات صعبة وتضحيات وإيجاد أرضية مشتركة من أجل هذه الاتفاقية سيبعث برسالة كارثية لمن يقفون على أهبة الاستعداد للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، وسيهدر آخر أفضل فرصة لإيقاف التغير السريع للمناخ، مشيرا إلى أن ذلك لن يكون غير أخلاقى فقط، بل سيكون انتحارا. وعلى الرغم من الأعاصير المهلكة وحرائق الغابات المستعرة فى كاليفورنيا والتى تعد الأسوأ فى تاريخ الولاية – إذ دمرت ما يزيد على 7100 منزل ومبنى - والظواهر الجوية المتطرفة وتكلفتها الباهظة إنسانيا واقتصاديا، فلايزال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يرفض قبول ما جاء فى التقارير الحكومية حول تغير المناخ وتأثيره على اقتصاد أمريكا. ويؤكد المراقبون أن موقف أمريكا من الاتفاقية يجعل آثار تغير المناخ أكثر سوءا، لأنها مسئولة عن أكثر من 15%من إجمالى انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وكلفها تلوث الهواء الناتج عن الوقود الأحفورى 240 مليار دولار سنويا فى السنوات العشر الأخيرة. ويبقى السؤال مطروحا : «هل ستحقق الاتفاقيات تعهداتها بالحفاظ على كوكب الأرض؟ أم ستتغلب عليها مصالح الدول لتحقيق أمجاد زائفة لرؤسائها»؟!