صامت، يجيد الإنصات واحتواء الحديث، طبيعى وعصبى يعمل بجد ومتعنت، شخصية مركبة تجمع المتناقضات كافة مما جعلها موضع اهتمام فى الدراسات النفسية،شخصية مثيرة للجدل، ورغم اختلاف القراءات لشخصية الزعيم أنور السادات فإن الاجماع على إصابته بجنون العظمة كان على رأس القائمة ..................................... فقد كتب عنه بعد وفاته الكاتب أحمد بهاء الدين أنه (صار مبعوث العناية الإلهية، عملاقا والآخرون أقزاماً، أو هو خارق المواهب والآخرون هباء) بينما شهدت زوجته السيدة جيهان السادات فى حديث لها بأنه(شخص صموت وهادئ، ويجيد الإنصات والاحتواء فى الكلام). وكثر الحديث عن إصابته ببعض التشوهات النفسية و الأزمات العصبية نتيجة المعاناة التى تعرض لها فى حياته، وهذا خلاصة ما ورد فى مذكراته، فقال حرفيا فى أثناء روايته لمعاناته وقت القبض عليه فى الساعة الثانية صباحا عام 1946 حينما اتهم فى جريمة اغتيال أمين عثمان ذاكرا (هذا ما كان له الأثر فى تعكير سلامى الروحى). دكتور محمد المهدى استاذ الأمراض النفسية بجامعة الأزهر يرى أن السادات على الرغم من الأخطاء التى وقع فيها يعتبر واحدا من أذكى حكام مصر, وكان يجيد فن المناورة, ولديه دهاء سياسى كبير, وهذا يفسر أنه الوحيد الذى بقى بجوار عبدالناصر حتى آخر حياته, فقد كانت شخصية عبدالناصر لا تسمح بوجود أحد بارز بجواره، لذلك أطاح بغالبية أعضاء مجلس قيادة الثورة ليتفرد هو بالزعامة والكاريزما والقرار. وكان السادات بذكائه الفطرى ودهائه الريفى يعلم ذلك جيدا ولهذا لم يقترب من هذه المساحة وتجنب مواجهتها, وهذا يفسر تهربه من بعض المواقف بادعاء المرض أو غيره, وهذا التهرب هو نوع من المراوغة السياسية, وقد فعل ذلك ليلة الثورة حين ذهب هو وزوجته إلى السينما وافتعل مشاجرة مع أحد الأشخاص هناك وحرر محضرا بذلك, حتى إذا لم تنجح الثورة وقدم للمحاكمة يقدم لهم الدليل على أنه كان فى السينما ولم يشارك فى الثورة. وعلى الرغم من اعتزازه بذاته فإن دهاءه السياسى كان يدفعه لسنوات طويلة إبان حكم عبدالناصر أن يتوارى بهذه الذات, وأن يكتفى بتمجيد ذات عبدالناصر ومدح أقواله وأفكاره وأفعاله لكى يكتب له البقاء، ولا نستطيع أن نقول إن هذا كان جبنا فى شخصية السادات, إذ أثبتت الأحداث بعد ذلك أنه يمتلك شجاعة اتخاذ قرارات صعبة وشديدة الخطورة مثل قرار الإطاحة بمراكز القوي, وقرار طرد الخبراء الروس, وقرار حرب أكتوبر, وقرار السفر إلى إسرائيل, وغيرها. وقد وضع كتابه: «ياولدى هذا عمك جمال» وفيه يتحدث إلى ولده عن عظمة شخصية جمال عبدالناصر ويمجد فيه فى حياته, ويتوارى تماما بشخصيته عن المشهد, ولكن بعد أن مات عبدالناصر سمح لذاته المختبئة أن تخرج فوضع كتابه: «البحث عن الذات», يتحدث فيه عن ذاته بكل فخر, وقد سمح لهذه الذات فى هذه المرحلة أن تتمدد وتتضخم إلى درجة كبيرة جعلت بعض الكتّاب والمفكرين يصفونه بالنرجسية. وسواء اتفقنا مع هذا الوصف أو اختلفنا فإنه من الواضح أن السادات كان ينطبق عليه نمط «الرئيس المعجبانى». و الرئيس المعجبانى لديه ميول نرجسية عالية فهو شديد الإحساس بذاته وربما يدفعه ذلك للعمل على أن يكون فى موضع الصدارة لتتحقق له فرضية أنه الأقوى والأجمل والأجدر،وهو يمشى كالطاووس مهتما جدا بأناقته وصورته, ويجرى توحدا بينه وبين زعماء التاريخ, وربما يتقمصهم فى مشيته أو طريقة كلامه أو بروفيلات صوره وتماثيله أو فى عصا يحملها فى يده. والمعجبانى لايرى إلا نفسه, ويتحدث كثيرا عن ماضيه وعن طفولته وعن نشأته وتطور شخصيته وكفاحه وبطولاته وتضحياته، يسجل كل لحظة بالصوت والصورة, ويهتم اهتماما خاصا بالاحتفال بعيد ميلاده أو عيد توليه وأعياد انتصاراته (وهى كثيرة ) ويعتبرها أياما تاريخية، وهولا يحتمل النقد أبدا لأنه يعتبر نفسه الأب المقدس, وإذا تجرأ الناس على نقده سعى فى تأديبهم وربما استصدر قوانين تحرم وتجرم العيب فى ذاته. والمعجبانى يسعى دائما للانبهار فيتخذ من القرارات ما يجعل الجميع فى حالة دهشة وانبهار, وربما يميل إلى المفاجآت والصدمات والتحولات المسرحية, وكل هذا يجعل المتابعين له يحبسون أنفاسهم دهشة أو إعجابا أو خوفا أو انبهارا, كما انه مولع بالشعارات ويطلق على نفسه أوصافا تاريخية أو دينية تلحقه بالخالدين. أما الدكتور «وائل يوسف» استاذ علم النفس بأكاديمية الفنون الذى أفرد دراسة خاصة بعنوان «القادة السيكوباتون» وكان من بينهم الرئيس السادات ولعله أقلهم نسبة فى الاصابة بجنون العظمة. حيث أشار إلى أنه كان رجلا طبيعيا عصاميا يشعر بالانسان الفقير ويعيش حلمه حتى أنه لقب بالصعلوك السياسى، إلا أنه عانى كثيرا فى حياته وتعرض للظلم والمذله وخاصة ما ذكره فى مذكراته عن معاناته فى زنزانة 54، هذه الواقعه التى أضافت إليه اعتلالا نفسيا قد يظهر احيانا فى العصبية أو الضعف والهروب. وهو ما أقره الكاتب انيس منصور فى أحد مقالاته عندما سأل السادات لماذا تتمارض عند كل اجتماع للرئيس جمال عبد الناصر فأجابه (أن هذه الثورة هى ثورة جمال عبد الناصر وأن كل من يحاول أن يرفع رأسه فسوف يطيح به ولذلك قررت أن أبتعد). ورغم هذا الخنوع فإنه تحول كلية بعد أن تولى نائب رئيس جمهورية وبدأ تدريجيا فى تأكيد الذات على حد قول دكتور وائل يوسف. ولم يبرز جنون العظمة لديه إلا بعد انتصاره فى حرب أكتوبر. فالأبحاث السيكولوجية أثبتت أن تولى المناصب وطول فترة الحكم بها.والانتصارات تعمل على تغيير كيمياء المخ الداخلية بشكل ملحوظ لدى الحكام فيتبدل سلوكهم تدريجيا، ويتملكهم الزهو بأن لديهم قوة خارقة. ومن ثم بدأ السادات بإبادة كل القوى حوله ماعدا الإخوان الذين احتفظ بهم كسلاح لمحاربة القوى الاشتراكية والقضاء على بقايا اسطورة عبد الناصر،وتضخم جنون العظمة لديه وقتئذ بسبب علاقته مع القوى العربية فأصبح الصوت الأوحد ورجل الحرب والسلام والزعيم.