المتابع للشأن اللبناني، حيث يكتب ويتحدث ويحلل ما يحدث فيه، يكشف عن هويته السياسية بامتياز، فاما أن يكون عروبيًا بامتياز، وإما أن يكون إقليميًا يعمل فى خدمة المحاور والطائفية وما على شاكلتها من تأدية خدمات للصهيونية والاستعمار الأمريكى ووكلائه فى المنطقة. بعبارة أخرى فإن التعاطى مع الشأن اللبنانى يؤكد إما أن تكون مع لبنان وعروبته واستقلاله ووحدته وقدرته على الممانعة، وإما أن تكون فى الجانب الآخر وتسعى ضد هذا البلد الصغير من حيث الحجم سكانًا ومساحة، والكبير من حيث المكانة، وتظل المسئولية التى يحملها على عاتقه كبيرة، وسط الفراغ السياسى الذى يعيشه الإقليم، بل تتعاظم هذه المسئولية، وهو الحاضن لكل مؤسسات العمل العربى غير الرسمية (الشعبية والمدنية) على وجه الخصوص ومنها الجمعية العربية للعلوم السياسية. إلا أننا نجد هذا البلد فى مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيونى ومن يدعمه. ولذلك حرصت قوى دولية وإقليمية بالأصالة أو بالوكالة، على أن تكون الساحة اللبنانية أرضًا للنزاعات العربية والدولية، فتدس هذه الدولة وتلك أنفها فى الشأن اللبنانى لمحاولة نشر عدم الاستقرار فى هذا البلد، ومنع محاولات القفز على الواقع وحل المشكلات لمصلحة المواطن اللبنانى الصبور الذى تحمل فوق طاقته سنوات، منذ أن عبث البعض بلبنان وكانت الحرب على لبنان عام 1976م خرابًا ودمارًا، وتكرر المشهد بصور مختلفة حالت دون استقرار هذا البلد. وكلما اقترب البلد من التكامل القومى وبدء عمل مؤسساته (رئاسة برلمان حكومة) وما يتفرع عنها؛ نجد من يشعل النار ليحول دون الاكتمال. وأصبح واضحًا هذه المرة أن العقلانية والرشد السياسى تسيطران على الموقف وغالبية الأطراف اللبنانية لتجاوز المشكلات والعقبات حتى لا تتحول إلى أزمات يصعب حلها ان لم يستحل. وبمتابعة دقيقة ومعرفة تفصيلية بأهداف ووسائل كل طرف سياسى لبناني، تلاحظ أن هناك إصرارا من جميع الأطراف على استيعاب ما يحدث والقفز عليه وصولاً إلى نتائج مرضية توافقية. فالمتابع لنشاط الرئيس ميشال عون، وإصراره من البداية على ضرورة اكتمال النظام الانتخابى وانتخاب البرلمان واستكمال مؤسسات الدولة بتشكيل الحكومة، يعرف أن إرادة التغيير والاستقرار قد دارت عجلتها ولن تعود للوراء. ومنذ أن التقيت الرئيس عون مع وفد التجمع العربى لدعم خيار المقاومة برئاسة د. يحيى غدار (الأمين العام) فى فبراير 2017م، واستمعت له مباشرة فى كلمة شارحة لجميع المستويات داخل وخارج لبنان، أدركت على الفور أن لبنان أضحى فى الطريق السليم، ولن تعود عقارب الساعة إلى الوراء.. أى إلى عدم استقرار مرة أخرى. ويشير الواقع الحالى إلى مضيّ أكثر من سبعة أشهر، على التكليف الرئاسى بتشكيل الحكومة برئاسة سعد الحريري، ويكاد تدخل حيز التشكيل النهائى بعد التغلب على الصعاب الخاصة بمقعد وزارى للمستقلين الستة فى البرلمان اللبناني، خلال الأيام المقبلة. وقد تشرفت بزيارة لبنان خلال العامين الأخيرين مرات عديدة التقيت بفعاليات ورموز لبنانية من مختلف الاتجاهات السياسية، وعايشت الأحداث بشكل تفصيلى منذ الفراغ الرئاسى حتى تم التوافق على الرئيس المقاوم ميشال عون، إلا أننى أدرك شكاوى بعض الاتجاهات المعبرة عن كتل شعبية لها وزنها، أصبحت ضجرة جدًا من طول الفترة الانتقالية وتأخر تشكيل الحكومة الذى يسبب أضرارًا شعبية كبيرة، وتأجيل البت والحسم فى ملفات عديدة لمصلحة المواطن فى لبنان. وأكاد أجزم أن القول الحاسم، أن ما يجرى وراءه عقول رشيدة وناضجة من كل الأطراف بعدما تبين للجميع الأوزان الحقيقية على الأرض دون افتعال أو مبالغة، وأنها سوف تسهم فى تجاوز المشكلات الصغيرة لكى نرى حكومة لبنانية قوية قادرة على قيادة الفعل المقاوم، وراءها كل الأطراف وفى مقدمتها حزب الله والتيارات السياسية المختلفة. إن الجميع يدرك من يسعى للعبث فى الأرض اللبنانية، ويدركون أيضًا ويعملون بجد واجتهاد على تفادى التدخل المنبوذ من كل الأطراف التى تتحمل مسئولية تاريخية سعيًا نحو استقرار لبنان بأقل تكلفة سياسية قد تكون صفرًا، لمزيد من مقالات ◀ د. جمال زهران