واحدة من أوتاد العمل الوطنى المصرى بامتياز، بقدر زخم التعبير عن معنى العمل الوطنى المصري، من دلالات تقتضي، الصدق والإخلاص والشفافية وثبات الأقدام. حين أطلت مع الزميل الإعلامى محمد الباز فى برنامجه تسعين دقيقة، لم يكن الأمر مجرد اجترار أو شهادة عابرة فى برنامج لكنها أحيت نموذجا، لمعادلة نادرة فى تجاوز الخاص والخروج إلى أفق السعى الدءوب للإضافة إلى الدولة المصرية فى أى مكان وأى موضع تولته. عن الأستاذة الدكتورة مرفت التلاوى أتحدث، رائدة دخول المرأة المصرية إلى واحدة من أعرق مؤسسات الدولة المصرية، وزارة الخارجية، وزيرة التضامن الاجتماعى الشجاعة، التى لم تتوان لحظة عن إبراز حقيقة ما آلت إليه، أموال التأمينات والمعاشات، التى استباحتها حكومات سابقة فى مشروعات على اعتبارها أموالا عامة، بينما كان رأى رأس المؤسسة القضائية أنها أموال خاصة . قالت: (كانوا عاوزين يضاربوا بها فى البورصة), وظلت وهى فى اجتماع مع رموز قضائية، تتواصل تليفونيا، مع الاستاذ البدرى فرغلي، لإحكام صياغة مادة قانونية تحمى ما تبقى من فلوس كد المعاشات. مدخلها الشجاع، حين سئلت عن أوضاع الشارع المصري، وجاءت وجهة نظرها مصوبة نحو ما رأته جذرا للمشكلة، وكيف أننا نعانى ضعف الاستجابة من المؤسسات المعنية بالثقافة والدين . قالت إننا لن نؤمن مؤسسة الزواج، إلا بتأمين عقد الزواج نفسه، بأن يعقده قاض، أو موظف فى الدولة، كاشفة عن بيزنس فئة المأذونين. (المأذون يستقطع عشرة بالمائة من مؤخر كل صداق، يورد للدولة اثنين بالمائة، ويحتفظ لنفسه بثمانية. قيمة الاثنين بالمائة التى وردها 700 ألف مأذون فى 2010 كانت 600 مليون جنيه، فكم تبلغ الثمانية فى المائة!). من أكثر ما يستوقفك فى إطلالة دكتورة مرفت التلاوي، قوتها وقدرتها على الفصل بين نشأة اجتماعية، صنفت على أنها إقطاعية، فصلت بسببها لعام من الخارجية بقرار وقعه عبد الناصر، وبين وجهة نظرها فى عبد الناصر كحاكم وزعيم احتفظت له بأحقيته فيما رأته إيجابيا وانتقدت ما هو سلبي، وفعلت نفس الأمر بالنسبة للسادات ومبارك، ولو كان حيز المساحة يسمح، كنت أفردت لشهادتها، ليس لإعجاب أو تطابق مع ما أراه، ولكن اعتراف لها وبقيمة استقلالية الرأى عن الأهواء. حديث دكتورة مرفت التلاوى عن قيمة القوى الناعمة، ليس كتلك النوعيات التى تلوك وتبتذل المعني، حتى يضيع. تجارب مصر العفية من خلال مسيرتها الدبلوماسية وتجارب من اعتبرتهم أساتذة وكيف شكلت وتركت بصمات فى الوثائق الدولية، ثم كيف وهى سكرتير ثان أوقفت قرارا يتعلق بإدماج أو بدخول اسرائيل منظمة اقليمية، بذكاء وحنكة وثقافة، فلم يكن الوقت يسمح بعودة إلى رؤسائها. سألها المحاور: هل مازالت هناك عينات شابة من هذه النوعية المؤثرة القادرة على التصرف، واتخاذ الموقف؟ ردت: موجودون، ولكن: كنا نرى سبلا واضحة، وأعتقد أن فتح الطريق أمام تلك العناصر، ايامها وعدم الخوف من قوتها كان عاملا مهما. توقفت دكتورة التلاوى عن حالة الوله الاستهلاكى واستيراد نموذج خليجى فى الحياة، وانتقدته بوضوح، وتداعيات مثل هذا التبنى قيميا، وأثره الحقيقي.تقييمها فكرة استيراد رؤية دون مراعاة أبعاد التنمية الاجتماعية، كان من أخطر ما نبهت له.. لا نجاح لرؤية تفتقد الوعى الاجتماعي. رؤيتها للخصخصة، أقرب لكونها خطيئة، قالت إنها تمنت لو تحولت الى ملكية أوسع، أسهم حقيقية للمصريين. لكن الأهم والذى ينبغى أن نعيه، هو ما قالته، عندما سألها الزميل الباز، عن التجربة الحالية لشراكة الدولة والقطاع الخاص؟ قالت: لا نريد استيراد رأسمالية متوحشة ..لم تنجح أى تجارب جاهزة فى تاريخنا، لم تراع المجتمع. تحية للقيمة الوطنية، للدبلوماسية النموذج التى أدخلت الحق فى التنمية، ضمن حقوق الانسان، وأجبرت أمريكا على الاعتراف بهذا الحق بعد عشر سنوات.. الدبلوماسية التى جاءت لإفريقيا بحقها فى اتفاقية نووية وربطت التوازن السكانى بالنمو الاقتصادي.. الدكتورة الوزيرة المواطنة التى لم تخش، ولا لحظة الدفاع عن قضية استباحة الحكومات أموال المعاشات.. لا حرمنا الله من إطلالتك القوية باستقلالها. لمزيد من مقالات ◀ ماجدة الجندى