نحن أمام دول وقوى تعانى الفشل والعجز على عدة أصعدة، تستميت فى افتعال واختلاق ما من شأنه إخفاء خيباتها الكبرى، وعرقلة القوى العربية الرائدة التى ستقزم نجاحاتُها وانتصاراتها عربيًا وإقليميًا أدوارَ وأحجام الفشلة والعاجزين ممن استمرءوا لعبة مناكفة العرب واستنزاف ثرواتهم ومواردهم واستهداف أمنهم واستقلالهم. وراء المشاريع التوسعية وأوهام الإمبراطورية لقطروتركيا وإيران هناك حكومات وأنظمة غارقة فى الإهمال والفساد، مآلها صفر فى الإنجازات لدولها ومجتمعاتها, فديكتاتورية أردوغان وقمعه لشعبه دفعت لهروب الاستثمارات وتهريب رجال الأعمال الأتراك لأموالهم، وتراجعت السياحة بعد الاضطرابات الاقتصادية والأمنية والفشل السياسى. ليست هذه الأنظمة الثلاثة عامل إفقار وإضعاف لدولها فحسب، إنما أينما ولت وجهها وحطت ميليشياتُها ودفعت بعملائها الخونة حل الخراب والدمار والفقر حتى لو كانت تلك الدولة المستهدفة تعوم على كنوز الذهب والنفط والغاز, فالعراق الذى يحوى أضخم احتياطات النفط يعانى أهله فى غذائهم وصحتهم وتعليمهم، وسوريا واليمن تحولتا إلى حطام شامل علاوة على المجاعة والأوبئة، ليصبح مشروع الخلافة المزعوم للإسلام السياسى السنى والشيعى أداة تخريب وتدمير وإفقار وتجويع وتشريد للشعوب والمجتمعات التى مر بها أو انطلق منها. تفشل ثلاثتها لأنها تتبنى مناهج وأدبيات وممارسات جماعات لا دول وتنظيمات لا نظم, فأردوغان كمثال أتى كنسخة تركية معاصرة من حسن البنا المصرى الذى طمع فى الخلافة المزعومة متجاوزًا الحدود المصرية والعربية ووضحت بصمة جماعة الإخوان على تحولاته الداعمة لهدفهما المشترك وهو إسقاط الأنظمة العربية القائمة، وصولًا لهيمنة جماعة الإخوان -التى تلعب أدوار الخيانة التى لعبها قديمًا خاير بك وغيره- على العواصم العربية مرتبطة باسطنبول على طريقة الولايات القديمة للاحتلال العثمانى. سعى أردوغان عبر خدمات جماعة الإخوان لبناء إمبراطورية مؤسسة على نفس معادلة الاحتلال العثمانى القديم ومؤداها ارتهان ثروات ومقدرات وطاقات العرب ودولهم فى مشروع بناء قوة تركية كبرى إقليميًا ودوليًا، ولذا وظف مختلف التنظيمات السنية التكفيرية المسلحة فى سياق حاجته لقوى ميدانية مناوئة للأنظمة والجيوش والأجهزة الأمنية بالداخل العربى. علاوة على توطيد علاقته بجماعة الإخوان التى سمته كخليفة، واعتبرته قائدًا لمشروعها الوهمى، وهى التحالفات والتحولات التى أوصلت تركيا لما هى عليه الآن من حكم شمولى ديكتاتورى، وما فشل أردوغان فى تحقيقه بالدول العربية عبر وكلائه أثناء توليهم السلطة سعى لتطبيقه فى تركيا بكسر هيبة المؤسسة العسكرية، وتفريغ الفضاء الاجتماعى التركى وشحنه بالأيديولوجيا التكفيرية المتطرفة، الأمر الذى جعله يفرغ أجهزة ومؤسسات الدولة من كوادرها وخبراتها وعقولها المفكرة ويستبدلها بعدماء المواهب وفقراء العقول الذين لا يجيدون سوى تقديس الزعيم وتمجيده لتبرير القمع والفساد وتصفية المعارضين والفشل الإدارى والسياسى والاقتصادى. تنطبق هذه الحالة على النماذج الثلاثة وعلى كل حكومة ثيوقراطية وكل من يزعم القداسة والحكم باسم الرب قديمًا وحديثًا، وهى مخالفة لجوهر ما رسخه نبى الإسلام عليه الصلاة والسلام. الهوس الذى تابعناه على وسائل إعلام هذه القوى الثلاث طيلة الأسابيع الماضية وسمعناه على ألسنة قادتها والذى بلغ ذروته مع انطلاق فعاليات قمة العشرين التى تشارك فيها المملكة ضمن أكبر اقتصاديات العالم، لا يتعلق من قريب أو بعيد بمقتل الصحفى جمال خاشقجى، فمن يتباكون عليه ويلطمون هم من مولوا وأرسلوا أعتى الميليشيات التكفيرية لقتل الشعوب العربية وتشريدها، إنما مرده شعور الفاشلين أصحاب مشاريع الموت والتخلف والجمود والرجعية، حيال مشاريع العروبة والنور والنهضة واعتدال الرؤية والتسامح والتجديد التى تقودها المملكة الآن مع شقيقاتها. حرمت المملكة السعودية وشقيقاتها العربيات تركيا وإيران وقطر من فرص تدمير مرتكزات النظام العربى وإضعاف مؤسسات الدول وجيوشها ومن ترسيخ الاستقطاب والاحتقان الطائفى وهى البيئة المثلى لتوالد التنظيمات الإرهابية وتمكين حكومات الفشل، وأوقفوا طموحات تركيا فى السيطرة على القرار العربى من خلال شبه خلافة يديرها الإسلام السياسى من مركز الاحتلال القديم للدول العربية، ولذلك قال القرضاوى شعرًا فى مديح وتقديس أردوغان خلال مؤتمر الإعلان عن تقاعده، وبعدها مباشرة تطاول على المملكة السعودية وتجاوز فى حق قادتها. المستهدف من وراء التطاول على القادة والرموز العربية هو الدول القادرة على منافسة وتحدى تلك القوى الإقليمية حضاريًا وعسكريًا، ويتوهم الطامعون الإقليميون ومعهم قطر ما داموا قد فقدوا الأمل وضربهم اليأس. لمزيد من مقالات هشام النجار