حاولت ألا أكتب عن هذه القصة، ولكني في النهاية لم أستطع أن أمنع نفسي كي نتعرف على طريقة تفكير فئة رقيقة الحال في المجتمع. حكايتي بطلتها سامية، عاملة نظافة تساعدني في أعمال المنزل منذ أكثر من 15 عاما، وتعمل حاليا في حضانة ولديها ابنة هي الكبيرة وولد، حالها لا يختلف عن كثير من نساء مصر الكادحات جدا. كنت إذا طلبت منها أن تحضر لي خبزا مثلا وهي في طريقها إلى منزلي تجيبني بكل استحياء "اسفة يا مدام همر عليكي الأول أصل معييش فلوس..."، بهذا الرد أوفر شرح الكثير عن حالتها المادية. ابتلاها الله بزوج عاطل يؤثر البقاء في البيت، إلا في بعض الأيام يخرج وفقا لمزاجه يعمل كمساعد بناء، بينما زوجته وابنته التى أخرجها من المدرسة في السابعة من عمرها لتعمل في مشغل وتساعد أمها هما من يصرفان عليه. ففي مطلع كل شهر يكون راتب الأم وابنتها بالكامل من نصيبه، ويتولى هو الإنفاق على نفسه "وكيفه" أولا، وما يتبقى تشترى به زوجته الحد الأدنى من احتياجاتهم، لذلك تضطر للعمل بعد الحضانة ساعة أو ساعتين في بيوت مختلفة دون أن يعلم لتنفق على أولادها. كبرت ابنتها وجاءت ذات يوم لتخبرني أن شابا من البلد تقدم لخطبتها، وطبعا تحتاج لمصاريف والحمدلله ربنا سهل لها كل شيئ، واستطاعت أن تدبر جهاز العروسة وفقا لطقوس أهل الريف، ولكن الفرحة لم تكتمل بوجود أب البنت الذي جبل على الاستغلال والطمع، فأخذ يضغط عليه بالطلبات، ولما لا والشاب يحب الفتاة مما تسبب في فسخ خطبة ابنته مرتين. وعندما تجرأت وسألته ابنته عن سبب تصرفاته مع خطيبها قال لها: كلما تعب في تلبية طلباتنا كنت غالية عنده. بالطبع لم تقتنع الصغيرة بهذا الكلام فعارضت أبوها لأول مرة وقالت له "حرام عليك اللي عامله فيا ده جاب لك كل طلباتك بتعجزه ليه؟" بالطبع لم يسمح لها هذا الأب بالنقاش أصلا وقام بضربها، كما اعتاد أن يفعل معها هي وأمها وكسر قلبها، ووأد فرحتها، والسبب حكته لي أمها المسكينة وهي تبكي بحرقة: هذه المرة هو مصمم لن يكون هناك فرح إذا لم يشترى العريس شاشة. كذبت أذنى وسألتها: شاشة إيه؟، ردت "الشاشة بتاعة التلفزيون". لا أصدق ما سمعته، هذا الأب الذي يعيش عالة عليهما كما يقول المثل "ولا منه ولا كفاية شره" يشترط على عريس ابنته شراء شاشة تليفزيون لا يقل ثمنها الآن عن خمسة آلاف جنيه، ويعتبرها من أساسيات الزواج وإلا فلا.. وقال لها حرفيا: "الشاشة قبل العريس"!. لمزيد من مقالات جيلان الجمل