يعرض مهرجان القاهرة السينمائى فى دورته الأربعين، التى انطلقت فى الفترة من 20 إلى 29 نوفمبر الحالى فيلم «ورد مسموم» للمخرج فوزى صالح، حيث ينافس الفيلم بقوة على جوائز المهرجان، وهو إنتاج إماراتى فرنسى مصرى مشترك، مأخوذ بتصرف عن رواية «أحمد زغلول الشيطى» وعنوانها «ورود سامة لصقر» والبطولة للوجوه الجديدة كوكى وإبراهيم النجارى مع صفاء الطوخى ومحمود حميدة الذى يشارك فى الإنتاج أيضا. ..................................... يهتم الفيلم بالحياة اليومية لامرأة عاملة فى القاهرة، دون الحديث عن المعتاد والشائع من تحرش أو فقر وظروف اجتماعية سيئة، حيث يشير المخرج فوزى صالح إلى أن الفيلم لا يعتمد على «البكائيات الطللية» أو يدعو إلى «اليأس» قائلا: «فى ظنى هكذا تسير الحياة، حياة الناس اليومية، بلا بطولات خارقة، لأن الاستمرار فى هذه الحياة بطولة فى حد ذاته، وأريد تمجيد ذلك، بكل بساطة، حياة عادية بلا يأس وبلا أمل». قصة الفيلم تبدو بسيطة، فهناك «تحية» منظفة المراحيض والشخصية الرئيسية فى منزلها، فهى التى تهتم بشقيقها «صقر» الذى يعمل فى ورشة دباغة، كل يوم، تمشى تحية فى الطرق غير الممهدة للمدابغ، لإحضار الطعام لأخيها فى وقت الغداء، وفى كل ليلة، تقطع رحلة قصيرة إلى مركز تجارى راق، حيث تعمل عاملة نظافة، حتى الفجر، وتحتمل الكثير من النظرات البغيضة لزبائن المركز التجارى. يزداد التوتر فى الفيلم عندما يعبر صقر عن نيته الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا، فى حين أن له علاقة ناشئة لكن متقلبة مع طبيب برجوازى شاب، وكلاهما يرعب «تحية» ويحفزها على القيام بكل شىء لإبقاء صقر إلى جانبها. الشخصيات الرئيسية تتحدث قليلا، لكن صمتها تطغى عليه الضوضاء الصناعية من المدابغ، من خلال الموسيقى التى تصرخ من مكبرات الصوت والميكروباص، وأصوات التليفزيون التى تعد بجائزة كبرى خادعة للمتصلين اليائسين، ومن خلال الثرثرة اللامتناهية للعمال فى ورش الدباغة أو فى حمامات المركز التجارى، حيث تعمل تحية. تصبح منطقة الدباغة شخصية من شخصيات الفيلم، ليس فقط من خلال فضائها المادى، وصورها، وألوانها، لكن أيضاً ضوضائها، وإيقاعاتها الصوتية، وروائحها التى يمكن مشاهدتها تقريباً. الفيلم تجربة سينمائية جديدة تخلط التسجيلى بالروائى، حيث يتم التصوير فى المواقع الحقيقية بمناطق مصر القديمة، وبشخصيات حقيقية من عمال المدابغ، عن واقع مهنتهم القاسية وأحلامهم البسيطة، كذلك فإن مجموعة العمل خلف الكاميرا أغلبهم يخوض تجربته الأولى بعد التخرج فى معهد السينما: ماجد نادر مديرا للتصوير فى أولى تجاربه كمصور، بعد مشاركة فيلمه القصير الثانى كمخرج فى مهرجان برلين السينمائى، وعلى شريط الصوت يعمل بسام فرحات فى أولى تجاربه، وتصمم شريط الصوت المغربية سارة قدورى، بعد تجاربها على «أخضر يابس» و«شيخ جاكسون» والمونتاج بتوقيع «منة الشيشينى» خريجة الجامعة الأمريكيةبالقاهرة فى عملها الأول، وتتشارك فيه مع المونتير الفرنسى قتيبة براهمجى، وقد تم المونتاج وأعمال ما بعد التصوير ما بين القاهرةوفرنسا، وشارك فيها تقنيون مصريون إلى جانب آخرين من فرنسا. هذه الجرأة فى اختيار طاقم العمل، والتجريب فى السرد وصنع الصورة مكنت المشروع من الحصول على عدة منح وجوائز لاستكمال الفيلم، ذلك الفيلم الذى كان ينمو بخطى متمهلة، وقد سبق أن تم اختياره ضمن مشاريع من دول الجنوب «أفلام لم تنته بعد» فى برنامج «فاينال كت» بمهرجان فنيسيا الدولى العام الماضى، بما يعنى قوة وجدية المشروع. لذا يبدو من الطبيعى اختيار هذا الفيلم مطلع العام الحالى للمشاركة فى مهرجان روتردام الذى تأسس عام 1972، ومنذ هذا التاريخ أصبح واحدا من أهم الأحداث فى عالم السينما، بتركيزه على صناعة الأفلام المستقلة والتجريبية من قبل المواهب الناشئة. وكان هذا المهرجان بوابة المرور لمخرجين كبار، مثل الأمريكى كرستوفر نولان صاحب «دونكيرك» والايرانى «محمد روسلوف» والتايلاندى «أبيشاتبونج» المتوج بسعفة كان الذهبية لاحقا، والكورى الجنوبى «سونج سو كونج» والبريطانى «دانى بويل» بفيلمه الشهير «المليونير المتشرد» كما انطلق منه فيلم «مون لايت» المتوج لاحقا بجائزة الأوسكار، المهرجان يفتتح موسم المهرجانات الشتوية الأوربية، لذا تتطلع إليه المهرجانات اللاحقة لتكتشف الأفلام الجديدة بخاصة القادمة من دول الجنوب، كما هو الحال مع «ورد مسموم» الذى حصل فى مايو الماضى على جائزة أفضل فيلم من Festival de Cine Africano - FCAT، وقد سبق للشركة منتجة الفيلم أن قدمت فيلمى «نوارة» و«فوتو كوبى».