في كتابه «في خطى محمد»، يشيد الكاتب والدبلوماسي المسيحي نصري سلهب بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، ويتغنى بالتعاليم والمُثُل المحمدية الرفيعة، التي يرى فيها أمن العالم وأمانه وسلامه وعدله وحريته. ففيها تبرز الدعوة إلى تعايش أهل الأديان في مودة ووئام، كما يهتف باستمرار، وهو يخاطب نبي الرحمة قائلاً: «تراثك يا ابنَ عبد الله ينبغي أن يحيا، لا في النفوس والقلوب فحسب، بل في واقع الحياة، فيما يعاني البشر من أزمات، وما يعترضهم من عقبات. تراثك مدرسة، يلقي على منابرها كل يوم عِظة ودرس، كل سؤال له عندك جواب، وكل مشكلة مهما استعصت وتعقدت؛ نجد لها في مأثوراتك حلاً». ويبدي سلهب إعجابه بالنبي محمد، لأنه فخر السماء إلى أهل الأرض، وينبه إلى ضرورة الإيمان برسالته الخاتمة «رسالة الخير»؛ لأن تعاليمه هي تعاليم السيد المسيح؛ فقد خرجتا من مشكاة واحدة، فيقول: «لن نخسر السماء؛ إذا آمنا بأن القرآن كلام الله أنزله على نبي كريم، اختاره رحمة للناس وهدى. ولن نُحرَم جزاء الآخرة؛ إذا اعتبرنا محمداً رسول الله، بل على العكس من ذلك، إننا بانفتاحنا على الإسلام، وبإيماننا به ديناً مُنَزَّلاً، وبمحمد نبياً مُرسلاً، نعيش مسيحيتنا كما أرادها المسيح واحة محبة في دنيا يريد لها أعداء الله أن تموت». ولم يكتف سلهب بذلك، وإنما أشاد بالقرآن الكريم كمصدر للهداية، والروحانية بين الناس، فقال: «والقرآن مَعين روحي وخلقي لا ينضب، ومن يرده لن يعرف العطش إلى روحه سبيلاً؛ فإلى وروده أدعو قارئي؛ لأنه كلام الله، ومن كان كلام الله زاده في الحياة والمعاد؛ فلن تكون نهاية مطافه إلا ملكوت السماء». ويفيض سلهب في الثناء والإشادة بالشمائل المحمدية، ودورها العظيم في الحث على العلم والمعرفة، فيقول: «أجل؛ لقد أعطي لك أنت، الأمي الذي جهل القراءة والكتابة؛ أن تقدر العلم حق قدره، وأن تدرك أنه حجر الأساس في صرح الحضارة والتطور نحو الأفضل والأمثل، أعطي لك، وأنت ابن الجاهلية، أن تنهض بأمتك نحو الله، روحاً وخلقاً فحسب، بل أن تفتح لها باب العلم على مصراعيه؛ لتدخله مؤمنة بأنه سيرقى بها إلى قمة المجد، ذلك أن ثروة العلم لا تفنى، بل تضفي على البشر مجداً وخلودا». ويزيد سلهب في تقديم أدلة الحب المحمدي؛ فيقول: «ولا ريب، في أنك بوحي من الله، فعلت ما فعلت؛ فأنت رسول الله، رسول أمين، بلغت البلاغ المبين. قال ربك يخاطبك: (وقل رب زدني علما) فأذعنت لأمره؛ فزادك علماً، بل زادك رغبة في العلم، بل عطشاً إليه، فنقلت تلك الرغبة، بل ذاك العطش إلى المؤمنين، حتى راحوا يضَّرعون إلى الله، على غرارك، وينادون من الأعماق: اللهم زدنا علمًا، واستجاب الله لرغبتهم، ولبى نداءهم، فإذا هم في دنيا العلم، نار على علم يستضىء بها البشر زمنًا طويلًا، ذلك لأنهم اتخذوك قدوة ومثلًا». ويناجي نصري سلهب النبي العظيم في لحظات من الحب، والصفاء الروحي؛ إعجاباً به وبأخلاقه، وبعظمة الكتاب الذي أُنزل عليه، قائلاً: «يا رسولَ الله يا محمد، لقد اشتقنا إلى وقفاتك، التي كنت تقفها بين يدي الله، وكان لا يقع فيها بينك وبينه حجاب، لقد اشتقنا إلى قرآنك الذي مَن جلس يتلوه، جاوز السماء، أما آن لهذه الأمة أن تعود إلى تعاليمك؛ فتسعد، وإلى رحابك فتهتدي، أنا المسيحي المؤمن بإنجيلي أقول: إن أُمَّة لا تعرف قدرك يا محمد، لَهِيَ أُمَّةٌ لا قيمة لها بين الأمم». ليس هذا فحسب، بل زاد نصري سلهب في رسم الصورة النموذجية الفريدة لنبي الرحمة محمد بن عبد الله، فقال: »في مكة، أبصر النورَ طفلٌ، لم يمر ببال أُمِّه ساعةَ ولادته أنه سيكون أعظم الرجال في العالم، وفي التاريخ كله، بل أعظمهم على الإطلاق«. ويرى أن: مَن يُمعِن التفكير في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم، ير نفسه مُنساقاً إلى الإقرار بأنَّ ما حققه وقام به يكاد يكون من دنيا غير التي يعرفها البشر. ويُعلِن سلهب تعلقه باسم محمد، أعظم، وأجمل الأسماء، وأكثرها انتشاراً، فيقول: «غَدا اسمُ مُحمَّدٍ أشهر الأسماء طُراً، وأكثرها تردداً على الشفاه، وفي أعماق القلوب، وحسبه شهرةً وتردداً أن ملايين في العالم يؤدون كل يوم أكثر من مرة شهادةً مقرونة باسم الله، وباسمه». ويختم سلهب سيمفونية مدائحه لعبقرية وعظمة رسول السلام قائلًا: «هنا عظمة محمد؛ لقد استطاع خلال تلك الحقبة القصيرة من الزمن، أن يُحدث ثورة أخلاقية وروحية واجتماعية، لم يستطعها أحد في التاريخ». وقد أيقن نصري سلهب أن المحبة لن تتحقق، وأن السلام لن يكون، وأن الأمن لن ينتشر بين الناس، وأن الأمان لن ترفرف راياته في العالمين، ما لم تستظل البشرية بتعاليم سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ويتساءل: لِمَ لا تتخذه البشرية مثلها الأعلى، وقدوتها الفُضلى، وأُسوتها الحسنة؟ يُذكر أن نصري سلهب مسيحي ولد في لبنان، وعاش في القرن الماضي داعية سلام ومحبة، واشتغل في السلك الدبلوماسي، ومثَّل بلاده في الفاتيكان، ووهب حياته لتحقيق التعايش السلمي بين أهل الأديان، وبين شعوب الأرض، وله مؤلفات تدعو للتقارب والتعارف بين الناس منها: «الإسلام كما عرفته دين الرحمة والسلام»، و«لقاء المسيحية والإسلام»، و«في خطى المسيح»، و«في خطى موسى». العجيب أن مؤلفات نصري سلهب الإسلامية المتسامحة تكاد تندثر، ولا يجدها القارئ إلا بصعوبة؛ فمنذ السبعينيات؛ لم تتم إعادة طبعها. صلاح حسن رشيد باحث وأديب