ندمت كثيرا أنى لم أوثق مرحلة تشوه وجهى وجسدى. نعم تشوه، إنها كلمة ثقيلة وموجعة بالفعل، لكنها الأنسب لحالتى، فقد كنت أتجنب مرورى أمام مرآه ولوعلى سبيل الصدفة، لم أفكر أن أختلس النظر حتى فى شاشة موبايلى المطفأة كما تفعل البنات للتأنق وسط العامة، كان جلدى مسلوخا كأرنب أو ديك خرج لتوه من مياه تغلى تمهيدا لنتف ما تبقى من ريش لديه. وجهى كان متنمرا غاضبا متهدلا بانتفاخات عشوائية وبقع زرقاء وبنية، كانت آلام جلدى وبشرتى وهزال عضمى تغنينى عن النظر إليها، فقد كنت أتخيل شكله، إلى أن اضطررت بأمر من الطبيب المعالج أن أوثق المرحلة، بعد بدء العلاج بالخلايا الجذعية، لأنى أصبحت موضع دراسة، ولكن حدث ذلك بعد تحسن طفيف فى حالتى وخاصة وجهى، وكانت فرحتى بالتحسن تلهينى عن التركيز فى شكلى فكان الأمل دافع للتوثيق، ولم يمنعى سوى الخجل من تصوير باقى جسدى الذى تكرمش جلده المسلوخ وتهدل ليكسو عظاما خاوية من اللحم، واكتفى الطبيب بتصوير وجهى. كنت أخجل أن أرى جسدى فعينى، رغما عنى، تقع عليه وأنا أدهنه سرا بزيوت قد تريح أوجاعى وحرقة الألم، دون أن يرانى زوجى وبناتى مشفقة عليهم من المنظر، ولكن زوجى كان شاعرا بمرارتى وفاسدا لخلوتى الماكرة فكان يسبقنى فى تجهيز الزيت الدافىء والطقس الهادىء الذى يتطلب خفت الإضاءة لكى لا يحرجنى، كان ممثلا بارعا فى إخفاء دموعه ونبره صوته المبحوح من البكاء الداخلى، محتويا بفطنته ذكائى فى تأويل حديثه أيا كان عن جسد تحسن أو جلد بدأ ينمو. كان يعلم أنى ساكتشف كذبة ومحايلته لى، لذلك كان يدهن فى صمت لكى لا ينكشف أمره، ثم يختفى بعد الجلسة لكى ينوح وينتحب ويفرغ صراخه المكتوم ليس على معشوقته وعشرة عمره، ولكن على مجرد امرأة صغيرة يرى من عشرته لها أنها لا تستحق ذلك، على عكس طبيبى الذى كان يقذفنى بالوصف والتفاصيل التى تؤلمنى وكأنه يسمع ما قد حفظه من دراسته لحالتى، بمرور الوقت ومن كثرة اعتيادى على تغلل الذئبة فى دمائى اعتدت خداع نفسى والآخريين لكى أبدو بخير، لكى أحمى نفسى من ألم الوصف ومعاناه الخوض فى تفاصيل الوجع الذى لن يشعر به أحد سواى، هم فقط يؤلمهم المنظر ويسمحون لخيالاتهم بتخيل كم الألم، ولكنهم لا يعيشونه. علمتنى الذئبة المكر والخداع ولكى لا أتسبب فى إيلام أعز الناس صرت ماكرة بارعة تبرق عينى بالسعادة لتخفى عتمة الوجع، يشرق وجهى بابتسامة لا تنطفأ، ويرقص صوتى ببحه كامنجا، وتزغرد ضحكتى لتصدح فى آذان كل من يحاول مواساتى فيتراجع، تحمر وجنتاى مع استدارة وجهى، الذى صنعه الكورتيزون على هيئة قمر صغير. أحاول جاهدة آلا أتلكأ فى مشيتى فيبرز ضعفى وأفسد جلسة المتكئين باسترخاء على أريكتى ويضطروا للنهوض لشد أزرى، أتحايل على ألمى أمامهم لأغسل أطباقى وبجوارى ما تيسر من غناء معشوقى الأول جورج وصوف لكى يطمئنون أنى بخير وفى مزاج عال، أصطنع ببراعه نشاط قد يحسدوننى عليه لأصنع لهم شاى بلبن أو صنية كنافة فى سهرة نادرة ما تجمعنا سويا، فاغويهم بنشاط مزعوم لكى يبقوا بقربى ويتأكدون من عافيتى فيمضون قدما فى حيواتهم. لم أكن وحيدة فى هذا الفكر فاكتشفت من دردرشاتى مع صديقات الذئبة أنهم أيضا كذلك، وأن الذئبة تمنحنا مكرها.. مكرا يساوى إنسانيتنا وتمنحنا جمالا ظاهريا شأن أشهر مريضاتها "سيلينا جوميز" ذات "البيبى فيس" أما دواخلنا فالله وحده أعلم، فنحن لا نحترم مشاعر الشفقة ولا مواساة الواجب ولا زيارات الأهل وثرثرات سرادقات العزاء، التى تجلب الموت الحى إلى مشاعرنا، نحن فى غنى عن افتعال الآخرين، ولكننا نفتعل بدافع الحفاظ على مشاعرهم والتقوقع على آلامنا لنبدو بخير وكفى. لمزيد من مقالات ناهد السيد