رحل الفنان محمد صبري، أحد أهم فنانى الباستيل بمصر والعالم، بعد رحلة عطاء وترحال امتدت على مدار 75 عاما ، حيث توفى فجر الإثنين الماضى بعد أن أتم عامه الأول بعد المائة . ولد صبرى عام 1917و انطلقت مسيرته من القاهرة، وبالأخص من مدرسته عباس الابتدائية الأميرية بحى السبتية. وهناك رسم لوحات ابهرت أساتذته وهو فى سن العاشرة حتى زينت حجرة ناظر المدرسة لتكون أول معرض له فى طفولته بسن العاشرة. ثم التحق بالمدرسة العليا للفنون التطبيقية ليشارك بالمعارض لعدة سنوات وهو طالب فى عام 1934 ووضعت لوحاته إلى جانب أعمال كبار الفنانين ورواد الفن التشكيلي، مثل محمد حسن وراغب عياد وأحمد صبرى ومحمودسعيد و بعض الفنانين الأجانب مما زاد ثقته فى نفسه كفنان ،وحماسه كعاشق للفن حتى تخرج فى الفنون التطبيقية عام 1937 وكان الأول على دفعته . وقد زاره أستاذه ومعلمه الأول، الفنان أحمد صبري، بمعرضه الخاص الأول عام 1943 بقاعة » جولدنبرج« بشارع قصر النيل ليدعوه إلى الالتحاق بالقسم الحر المنشأ حديثا انذاك بكلية الفنون الجميله تحت إشرافه. وبالفعل لبى الدعوة بنفس العام، ثم جاء معرضه الثانى عام 1946 بقاعة «فريدمان»، والذى ضم أحدث لوحاته الباستيليه الشهيرة، ومنها (الزوجه الشابة)، و (شارع البحر)، و(نصف الليل) ، و (لدرس الدينى)، و(صباح الخير). ورغم استخدامه لأكثر من خامه فى رسوماته إلا أنه كان يهوى خامة »الباستيل« التى باتت لها مكانة خاصة عنده، ونجحت المعادلة الكيميائية بينه وبينها فباحت له بأسرارها وقدراتها الجمالية وسر سحرها، فكان ذلك واضحا من خلال لمساته اللونية بلوحاته وتباين الضوء والألوان لتعطى لكل لوحة مذاقا لونيا خاصا ونصاعة وإحساسا مختلفا نظرا لصراحتها وإشعاعها الضوئى واللوني، وتجلى ذلك فى لوحاته عن بورسعيد، وتسجيل المشاهد الساحلية، وملاحم البطولة أثناء الحرب، وكذلك لوحات شارع المعز والقاهرة التاريخية التى كان مغرما بها شخصيا حتى باتت لوحاته بمثابة ذاكرة تاريخية لقاهرة المعز ببواباتها ومعمارها بمختلف العصور، من الخلافه الفاطمية حتى عصر المماليك. ولأنه تربى بمصر بلد الزراعة بات الريف المصرى بجماله ونضارته أيقونة الحياة بمعظم لوحاته المبهجة والمليئة بالاشجار والخضرة والبساطة الغنية. وحتى فى رحلته للمغرب والأندلس رسم الحضارة الاسلامية هناك وأبراز رقيها المعمارى خلال ال 8 قرون للخلافة الإسلامية هناك، بل إنه اقام بالأندلس لغرامه وعشقه جمالها وأصالة حضارتها واحتفاظها بالآثار والفنون الإسلامية. ويقول ابنه الدكتور هانى محمد صبرى فنان التصوير الفوتوغرافى إن والده كان بمثابة اخ وصديق قبل الأب، وقد تعلم منه الكثير مثل الصبر حيث كان يردد دائما أن الفن مثل الصيد يحتاج إلى صبر لأن الفكرة والمشهد والإلهام رزق ينتظره الفنان من حين لآخر كالصياد. ورغم إقامتهم ببلد أوروبى إلا أنه زرع وربى بداخلهم الانتماء الوطنى والعقائدى كأسرة إسلامية معتزة بدينها وجنسيتها المصرية.. وهكذا كان صبرى فنانا وطنيا محبا لمصر حتى النخاع رافعا اسمها دائما بجميع المحافل الدولية، وبالاخص فى أسبانيا وحاز على أعلى الأوسمة. وعن أهم المناصب والمعارض والمقتنيات للفنان فقد نال درجة الأستاذية من مدريد بكلية اسان فرناندو وهى تعادل درجة الدكتوراه المصرية آنذاك وكان عضوا بشعبة الفنون التطبيقية .