لم يكن أحد يسمع كثيرا عن مايك بنس، حاكم ولاية إنديانا، قبل أن يختاره الرئيس الأمريكى دونالد ترامب كنائب له خلال الانتخابات الرئاسية التى فازا فيها معا، ولعب بنس دورا رئيسيا فى فوز ترامب.. نائب الرئيس الذى يؤمن بأن «الرب قد أعد له خطة وسيجعله رئيسا للولايات المتحدة» أصبح مثارجدل ساخن يسيطر على أجنحة اليمين واليسار فى الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنه قد يكون خليفة ترامب إذا ما فشل الأخير فى إكمال مدته، خاصة مع تصاعد الجدل حول إمكانية عزل ترامب على خلفية الفضائح التى تطارده والتى كان آخرها إدانة بول مانافورت، رئيس حملته الانتخابية السابق، ومحاميه السابق مايكل كوهين. ....................... فى خضم هذا الجدل صدر كتاب بعنوان «رئيس الظل..الحقيقة حول مايك بنس» للصحفيين مايكل دانتونيو، الفائز بجائزة بوليتزر و بيتر إيسنر، الفائز بجائزة إيمى، كاشفا عن طموح بنس وأجندته الخاصة وكيف تتشابك المعتقدات الدينية لنائب الرئيس مع سياساته بشكل يعتبره كثيرون قد يشكل خطورة على مستقبل أمريكا إذا ما تولى بنس الرئاسة. بنس الذى يصف نفسه بأنه مسيحيا محافظا، وجمهوريا، ويصر على أن تأتى تلك الصفات بهذا الترتيب، يعلن بفخر مواقفه الصارمة تجاه العديد من القضايا الاجتماعية الساخنة وخلف تواضعه يخفى طموحه للرئاسة ودافعه للسلطة المستوحى من اعتقاده بأن الرب قد يكون لديه خطط كبيرة له، مما يفسر لماذا صدم حلفاءه عندما اختار إقراض مصداقيته المسيحية إلى مرشح فضائح مثل ترامب. التحول الدينى والسياسي يتتبع الكتاب مسار بنس من الحزب الديمقراطى الكاثوليكى إلى الجمهورى الإنجيلى المحافظ، واصفا إياه بكونه «السياسى المؤمن بسيادة المسيحيين البيض، الأكثر أهمية والأقوى فى تاريخ أمريكا والمدفوع إلى حدٍّ بعيد باللاهوت كطموح شخصى»، جاعلا دين بنس محوريًا فى روايته، مضيفا اقتباسات من الإنجيل والتوراة. ينحدر بنس من عائلة ديمقراطية كاثوليكية متدينة. يوضح الكتاب أن بنس لم يكن دائماً الإنجيلى المحافظ الذى يدعى أنه اليوم. لكنه اعتقد دوما أنه مقدر للرئاسة، وهو ما أخبر به زملاءه السابقين بكلية هانوفر حول إيمانه بأن الرب سيجعله رئيسًا. بنهاية السبعينيات تعرف بنس على جون جابل، وهوأحد كبار الإنجيليين الذ_ى ساهم فى نقله بعيداً عن الكاثوليكية إلى البروتستانتية المحافظة، وتحول إلى الحزب الجمهورى. نجاح إعلامى يقود بنس للفوز بالكونجرس بعد فشله مرتين بانتخابات الكونجرس؛ عمل بنس كإذاعى فى برنامج يمينى بنى خلاله علامته التجارية، ومع نجاحه الإعلامى بولاية إنديانا؛ قرر إعادة خوض انتخابات الكونجرس عن الحزب الجمهورى، ونجح عام 2000. يرى الكتاب أن بنس انتهج اللطف الشديد كأداة للإقناع وإخفاء أجندته الأصولية الحقيقية، حيث قلل من شأن القضايا الاجتماعية عندما قرر الترشح لمنصب حاكم إنديانا عام 2012 لعدم إثارة الجدل وخسارة الانتخابات، فركز برنامجه على تخفيض الضرائب والحد من الإنفاق وإصلاح التعليم. ووطد علاقاته بعائلات رأسمالية معروفة بدعمها للجمهوريين حفاظا على مصالحها أمثال عائلة كوك، وعائلة ديفوس، و إيريك برنس، مؤسس «بلاك ووتر». أزمات أكثر من الإنجازات باعتباره حاكمًا لإنديانا، كانت أزمات بنس أكثر من إنجازاته، على عكس ما كان يشاع عنه،؛ أفاد «رئيس الظل» بأن «العديد من الجمهوريين قالوا أن بنس كان حاكمًا متوسطًا حقق القليل». وقع بنس على قانون استعادة الحرية الدينية المثير للجدل عام 2015 ووصفه معارضوه بأنه يتضمن تمييزا ضد المثليين. وصوت ضد قانون حظر التمييز ضد الأشخاص على أساس ميولهم الجنسية. ووقع على قانون يحظر على النساء فى إنديانا إجراء إجهاض حال ولادة طفل معاق. وبسبب أجندته اليمينية؛ خطط الديمقراطيون لهزيمته بالانتخابات، فأدرك بنس أنه قد يخسر فرص إعادة انتخابه كحاكم؛ لذا عندما طلب منه ترامب أن يكون نائبه، لم يبد بنس أى تردد فى تأييده. ترامب فى طريق بنس لتحقيق نبوءة سايروس يلفت الكتاب إلى أن العديد من المسيحيين المحافظين يعتقدون أن الرب يستخدم ترامب فقط ليهيئ الطريق لما يسمى «رجل الإيمان الحقيقى» وأن صعود بنس للسلطة سيؤكد «نبوءة سايروس»، التى أصبحت فكرة شائعة بالدوائر المسيحية المحافظة عندما انضم بنس إلى ترامب عام 2016. فى العهد القديم، كان سايروس ملكًا فارسيًا أعاد اليهود للقدس لبناء معبدهم. كان وثنًيا لكنه خدم هدف الرب. استشهد الإنجيليون اليمينيون أمثال «لانس والناو» بهذه الحكاية عام 2016 معلنين أن ترامب - وهو رجل دنيوى وخاطئ - يمكن أن يخدم خطط الرب، وبالتالى فهو يستحق الأصوات المسيحية المحافظة وأصبح كتاب يبشرعن سايروس وترامب - «God›s Chaos Candidate» - أكثر الكتب مبيعا فى أوساط المسيحيين المحافظين، وتم تدريس قصة سايروس بالعديد من الكنائس. حظى ترامب بتأييد ساحق من المسيحيين المحافظين، وفاز بنسبة %18 من أصوات الإنجيليين البيض، أكثر من أى جمهورى ترشح من قبل، وهى نسبة أكبر من ناخبى الطبقة العاملة البيض، برغم أن معدل قبوله الوطنى يقل عن 40 %. إلا أن حقيقة أن مثل هذا الرئيس – الذى تطارده الفضائح الأخلاقية - قد يحتفظ بقبضة حازمة على اليمين الدينى كان مصدر الكثير من البحث عن الذات - والنقاش اللاهوتى - داخل الحركة الدينية المحافظة. يتمسك اليمينيون بنبوءة سايروس لأنهم يتصورون أنفسهم مضطهدين مثل اليهود القدماء. على الرغم من ثروتهم الضخمة، وأعدادهم، يعتبرون أنفسهم أقلية وضحايا لحرب ثقافية ودينية، وأنه يجب القيام بشيء للدفاع عن أنفسهم وإيمانهم. وفقا ل»رئيس الظل» فإن بنس يرى نفسه وورفاقه المحافظين «كمجموعة مباركة ولكن مضطهدة، آملا بأنهم كأشخاص مختارين سيتمكنون من هزيمة أعدائهم وخلق أمة مسيحية صالحة تحت قيادة زعيم سيمكنه الرب». مما يفسر سبب غض بنس وحلفاؤه المحافظين البصر عن فضائح ترامب الأخلاقية. أجندة خفية لرئيس بديل كان بنس خيارا آمنا لترامب، فهو جمهورى بعلاقات وثيقة مع قادة الحزب والقاعدة الشعبية، وآمنت حملة ترامب بأنه سيمكنه تنظيف أى شيء شائن يقوم به ترامب، فضلا عن جذبه أصوات المسيحيين المحافظين. بحسب الكتاب، «يسعى بنس وراء الكواليس لتعزيز أجندته عبر الإدارة والتعيينات القضائية وتبنى السياسات الاجتماعية الأصولية». فور توليه تنظيم انتقال السلطة؛ بدأ بنس ملء الحكومة بحلفاء ذوى وجهات نظر متشابهة. من بين 15 وزيرا اختارهم ترامب، كان ثمانية من الإنجيليين. كما لعب دورًا رئيسيًا فى ترشيح نيل جوروش للمحكمة العليا. يذكر «رئيس الظل» انتقادات حلفاء بنس لقبوله الترشح مع ترامب والتنازلات التى قدمها إلا أن بنس كان دوما يستشهد بالإنجيل، مؤكدا إيمانه القوى « بأن الرب لديه خطة لأجله». يرى المؤلفان أن بنس يعتقد بشدة «أن الرب يدعوه للعمل كرئيس منتظر، وأن أحد الأسباب الرئيسية التى جعلت بنس نائبًا للرئيس هو علمه بأن ترامب سيكون عرضة للمساءلة، وإذا حدث هذا، فإن بنس سيرى يد الله تعمل فى ارتقائه للرئاسة». يكشف الكتاب عن أن بنس يتصرف باعتباره «رئيس بديل»، مشيرا لرحلاته الأخيرة هذا العام لإسرائيل وكوريا الجنوبية حيث ترأس صياغة جميع «الأحداث التاريخية»، و تولى الكثير من المهام السياسية وبدا أنه أكثر انخراطا فى الأمور الجدية من الرئيس نفسه، بالإضافة لصلاته باليمين الدينى والمانحين، شكل لجنة العمل السياسى الخاصة به - لجنة أمريكا العظمى - ووظف النشطاء مما أثار تكهنات كبيرة حول دوافعه وما إذا كان جمع الأموال لدعم مرشحى انتخابات التجديد النصفى للكونجرس أم لحملة ترشح بنس نفسه. انقسام حول عزل ترامب ورئاسة بنس صعد «رئيس الظل» الجدل بين أطياف اليسار واليمين الأمريكى حول ما إذا كان مايك بنس سيكون رئيسا أفضل من ترامب إذا ماتم عزل الأخير، بالنسبة للمحافظين، قد يعنى انتخابه العودة للقيم المسيحية التى تأسست عليها أمريكا وزيادة مصداقية الحزب الجمهورى وضمان فوزه بدورة ثانية للرئاسة. بالنسبة لليبراليين، تزايدت التحذيرات بشأن ما يمكن أن يحدث فى ظل إدارة بنس من تحول أمريكا إلى ثيوقراطية مسيحية تقضى على الحريات والتنوع، وبرزت تصريحات لأوماروزا نيومان، المستشارة السابقة لترامب محذرة من اتخاذ إجراءات لعزل ترامب»يجب على كلّ هؤلاء الذين يتمنّون البدء بالإجراءات الدستورية لعزل ترامب أن يعيدوا حساباتهم. ستترحمون على أيام ترامب إن صار بنس رئيساً.. هو متطرف». وعلى تويتر يتنافس الأمريكيون على هاشتاج «لا أحد أسوأ من ترامب» وهاشتاج «بنس أسوأ من ترامب»، وذلك فى لحظة غير مسبوقة من الانقسام والاستقطاب على أساس دينى وسياسى ربما لم تشهده الولاياتالمتحدة منذ الحرب الأهلية.