أعلن الرئيس اللبناني العماد ميشال عون خلال عودته من نيويورك للصحفيين هذا الأسبوع أنه في حال تعذر تشكيل حكومة وفاق وطني تمثل كل الأطياف السياسية في لبنان، فليس أمامه إلا الدعوة لتشكيل حكومة أكثرية. وبمجرد إعلان عون قامت الكتل السياسية والأحزاب ولم تقعد حتى الآن، اعتراضا على المقترح الذي يضرب الدستور اللبناني والميثاقية الوطنية، كما أن حكومة الأكثرية تعني ضمنيا استبعاد الحزب التقدمي الاشتراكي - جنبلاط - وحزب القوات اللبنانية – جعجع - وحزب الكتائب – الجميل - وتيار المستقبل، حيث يرفض الحريري الاشتراك أو تأليف حكومة دون اشتراك جنبلاط وجعجع. مصادر نيابية وسياسية متعددة رفضت مقترح عون، فرئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري وكتلته النيابية المكونة من 17 نائبا، وكتلة اللقاء النيابي الديمقراطي - 9 نواب بزعامة وليد جنبلاط - وكتلة المستقبل – 20 نائبا بزعامة رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري - والقوات اللبنانية – 15 نائبا بزعامة سمير جعجع - لن يوافقوا على صيغة حكومية من هذا النوع، وكذلك الكتل النيابية الأخرى، بما فيها حزب الله، لأن هذا يعني أن تتشكل حكومة الأكثرية من قوي 8 آذار المنقسمة على نفسها وتستبعد الآخرين، وهو الأمر الذي يهدد الدستور اللبناني والميثاقية الوطنية، ويؤدي إلى شلل الحياة السياسية في لبنان، بل يضرب اتفاق النوايا بين عون وجعجع الذي على أساسه تنازل جعجع لعون عن رئاسة الجمهورية، ليتم إنهاء الفراغ الرئاسي الذي استمر أكثر من عامين ونصف العام في لبنان. الرئيس عون أشار خلال دردشته مع الصحفيين إلى أن هناك نوعين من الحكومات، حكومة اتحاد وطني ائتلافية أو حكومة أكثرية، وإذا لم نتمكن من تأليف حكومة ائتلافية، فلتؤلف عندها حكومة أكثرية وفقا للقواعد المعمول بها، ومن لا يريد المشاركة فليخرج منها. ويأتي اقتراح عون أو تهديده بتشكيل حكومة أكثرية بعد مرور أكثر من 3 أشهر على تكليف الحريري بتشكيل حكومة وفاق وطني، دون قدرة الحريري على حلحلة التشكيل، وفك عقد التأليف المستعصية التي يفرضها زعماء الكتل النيابية. ففي العقدة المسيحية يصر جبران باسيل رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية صهر الرئيس عون على الحصول على نصيب الأسد من الحقائب الوزارية الوازنة والسيادية بحجة أن تياره حصل علي كتلة نيابية كبيرة – 19 نائبا من بين 64 نائبا مسيحيا من إجمالي عدد نواب البرلمان ال128- بينما يصر رئيس حزب القوات اللبنانية على الحصول على منصب نائب رئيس الحكومة وثلاث وزارات وازنة بحجة أن حزبه حصل على 15مقعدا نيابيا في الانتخابات النيابية الأخيرة في مايو الماضي، كما أن اتفاق النوايا بينه وبين عون قبل وصول عون لسدة رئاسة الجمهورية ينص على مقاسمة السلطة والمناصب الوزارية والسياسية بين القوات والتيار الوطني الحر بصفتهما أكبر تيارين مسيحيين بين الموارنة. أما العقدة الدرزية فتتمثل في إصرار زعيم الدروز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على الحصول على حصة الدروز في التشكيل الوزاري وهي ثلاثة وزراء، بينما يصر رئيس الجمهورية والحريري وباسيل على توزير خصم جنبلاط الأمير الدرزي طلال أرسلان من حصة الدروز في الوزارة. وفي العقدة السنية يصر رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري على أن يكون الوزراء السنة كلهم من تيار المستقبل الذي يتزعمه، بينما هناك أكثر من 8 نواب سنة لا ينتمون لتيار المستقبل ويريدون حصة في التشكيل الوزاري. أما بالنسبة للثنائي الشيعي فلا عقدة لديه، حيث إن زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري على توافق تام مع حليفه زعيم حزب الله حسن نصر الله في تقسيم الحصة الوزارية التي تخص الشيعة. ويرى المراقبون أن المشكلة تكمن في عدم جدية وزير الخارجية جبران باسيل، لتمثيل جميع الأطراف، خاصة القوات اللبنانية التي تطلب منصب نائب رئيس الحكومة، كما أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يطلب تنازلات من الأطراف الأخرى، ولا يطلب من فريقه السياسي - التيار الوطني الحر برئاسة صهره جبران باسيل - كما أن باسيل يريد احتساب حصّة رئيس الجمهورية مرتين، ليضاعف حصّته الوزارية. جعجع أكد للحريري خلال لقائهما الأخير هذا الأسبوع أنّ القوات قدمت أكثر من قدرتها من التسهيلات المطلوبة، ولكن الطرف الآخر تعامل بفوقية، وبمحاولة انتزاع مزيد من التنازلات من القوات، وكأنه في موقع قوة، وهي في موقع ضعف، الأمر الذي أرادت القوات أن تضع حداً له من خلال تمسّكها بتمثيلها وفق صناديق الاقتراع، فيما هذا الطرف - يقصد باسيل - فَوّت على البلد فرصة تأليف حكومة نتيجة تعنّته واستئثاره، وبالتالي فإنّ القوات متمسكة برؤيتها التمثيلية خصوصاً أننا لا نزال على مسافة أشهر من الانتخابات النيابية التي جرت في مايو الماضي. وبعد طرح عون لفكرة حكومة الأكثرية ليشارك فيها من شاء وليخرج منها من لا يريد، شهدت الأيام الأخيرة مشاورات نشطة بين ثلاثي لا يستهان به شمل زعيم تيار المستقبل رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع لمواجهة فكرة حكومة الأكثرية. ولم يصدر عن حزب الله أي تعليق علي فكرة الأكثرية، ولكن رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل لا يؤيد هذا الطرح، انطلاقاً من رفضه وحزب الله عزل أي فريق سياسي، كما أنهما يعتبران أن اتفاق الطائف يُلزم الجميع بتأليف حكومات وفاق وطني. وفي النهاية، إذا أصر الرئيس اللبناني على تشكيل حكومة أكثرية بدلا من حكومة وفاق وطني يوافق عليها الجميع وتمثل كل التيارات السياسية في لبنان، فإن الحريري – السنة – وجعجع – موارنة - وجنبلاط – دروز - لن يشاركوا في الحكومة، وكذلك سيفعل حزب الله وحركة أمل نتيجة مواقفهما الثابتة والسابقة من ضرورة عدم استبعاد تيار معين أو عزله وعدم مشاركته، ووقتها ستكون حكومة الأكثرية من التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي لن يلقي قبولا شعبيا وسياسيا، ولن يحظى بموافقة البرلمان، ليعود لبنان إلى نقطة الصفر في تشكيل الحكومة، ويدخل مرحلة الفراغ الحكومي، بعدما خرج من الفراغ الرئاسي، ولا أحد يعلم وقتها إلى متى يستمر الفراغ، أو إلى ماذا سيقود الوضع السياسي في لبنان؟