فى خطاب سيادة الرئيس السيسى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال: «خلل يعترى أداء المنظمة ويؤثر على مصداقيتها». والحقيقة أن هذا الخلل كائن منذ نشأة هذه المنظمات التى منذ البداية تعد إحدى صور الهيمنة من القوى المتصارعة ولم تنفذ قراراتها إلا على الدول الضعيفة وتحت تأثير من القوى العظمي. والبداية كانت حلماً للفيلسوف الألمانى إيمانويل كانت (1724-1804) وهو الباعث الأول لحركات التنوير فى العالم وبدايات المطالبة بحقوق الإنسان والمساواة بين الناس. وصاحب أول فكرة لتكوين عصبة الأمم للحكم فى النزاعات وإقرار السلام وحقوق الإنسان. وعقب حروب نابليون حاولت القوى الأوروبية إقامة نوع من التوازن لتجنب الحروب، وبدأت اتفاقيات جينيف ولاهاى لوضع قواعد للإغاثة الإنسانية وقت الحروب وقوانين تحكم سير الحروب عام 1899م، 1907م. ومع بداية القرن العشرين كان العالم يموج بصراعات وظهرت كتلتان فى أوروبا وتحالفات أدت إلى الحرب العالمية الأولى عام 1914م، ومات فيها حدود عشرين مليوناً غير الجرحى والمشردين وتدمير بلدان بأكملها. وبدأت المباحثات الدبلوماسية تحاول أن تضع حدا للصراعات ومنع نشوب حروب قادمة وبدأت تفعيل فكرة عصبة الأمم، وتحمس لها الرئيس الأمريكى «ويلسون» وكتب المبادئ الأربعة عشر للسلام، وأعلن عن إنشاء منظمة سلام دولية بالتعاون مع الدول الكبري. وتم مؤتمر باريس للسلام عام 1919م وتأسست عصبة الأمم وكان مقرها فى جينيف. والغريب أن أمريكا صاحبة الفكرة لم توقع على ميثاق عصبة الأمم لأنها رأت هيمنة القوى الأوروبية عليها فقد ولدت الفكرة وفى أحشائها صراع للقوى على المكاسب بعد الحرب فقررت ما يسمى بالانتدابات وهى صورة من الاحتلال المقنن التى فيها صار الانتداب البريطانى على مصر. ولم تحل عصبة الأمم الصراعات بل تمسكت كل القوى العظمى بسيطرتها واستباق التسلح والصدام حتى وصلت للحرب العالمية الثانية. وفقدت عصبة الأمم هيبتها الأمر الذى دعا قوات التحالف عام 1943م إلى إنشاء هيئة جديدة تحل محل عصبة الأمم وهى الأممالمتحدة لتكون أكثر فاعلية. وقد وضعت القوى العظمى بعض القوانين التى تضمن هيمنتها على النظام العالمى مثل الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن إنجلترا، الاتحاد السوفيتي، أمريكا، الصين، وفرنسا، ويحق لروسياوأمريكا الاعتراض على أى قرار فيتم وقفه وهو ما يسمى بحق الفيتو. وهذا يعنى أنها ولدت بمصداقية غير حقيقية، ليكون ضمير العالم بلا ضمير عادل. والحقيقة أن كثيرا ممن كانوا يرفعون شعارات الحرية والمساواة فى التاريخ غير صادقين مثلما ما حدث فى الثورة الفرنسية، والمثال الواضح هو «ماكسميليان روبسبير» الثائر الذى تولى عرش فرنسا بعد إعدام لويس السادس عشر بعد الثورة الفرنسية الذى كان هو أحد أقطابها، وقد كان محامياً متحمساً لآراء فلاسفة الحرية فى ذلك الوقت أمثال روسو، فولتير، ديدرو، ومونتسكيو، وكان قد سيطر على الجماهير بالشعارات التى كان يطلقها. وأعلنت الجمهورية عام 1792م وحكم مدة سنة فقط ولكنه كان بفمه يتكلم عن الحرية والعدالة وبيمينه يقتل الشعب حتى أنه قتل ستة آلاف مواطن فى ستة أسابيع، وحين بدأ الشعب فى التحرك ضده انقلب ضده أعوانه وقبضوا عليه واقتادوه إلى المقصلة. بل إن الثورة الفرنسية ذاتها التى أطلقت شعار: حرية، عدالة، إخاء, قتلت نصف مليون من الشعب الفرنسي. والحقيقة الأخرى أنه حين تسيطر على هؤلاء الزعماء مطامع للسيطرة فلا تسأل عن الضمير. ففى روسيا نرى جوزيف ستالين يقول: كل واحد يفرض نظامه الخاص بقدر ما يمكنه أن يصل إليه جيشه. ويقول أيضاً: القوة الحقيقية الوحيدة تخرج من بندقية طويلة» وقال أيضاً: لا يمكنك أن تصنع ثورة بقفازات من الحرير. وقد حكم روسيا فى منتصف العشرينيات حتى عام 1953م وقد كان السبب فى وفاة ملايين من البشر. وقد أحضر علماء فى الطب والوراثة لكى يهجنوا سلالة خليط من البشر ونوعية من القرود كى يصنع بهم جيشاً قوياً قادراً على السيطرة على العالم ولكن العلماء أخبروه باستحالة تحقيق هذا. وفى هذه الفترة أيضاً قتلت فرنسا مليون جزائرى للقضاء على الثورة هناك. واحتلت إنجلترا شعوباً تحت مظلة قانون الانتداب الذى أقرته عصبة الأمم، وقتلت الملايين فى حروبها. هذا بجانب البرتغال وإسبانيا وتركيا، وما قد حدث من اليهود فى المنطقة العربية بمباركة أو صمت الهيئات الأممية. أما ما حدث من أمريكا بلد الحريات فحدث ولا حرج فهى التى جمعت العلماء لصنع القنبلة الذرية وأعطتها اسماً الولد الصغير، وحتى يتم إرهاب العالم وإقناعه بأنها هى القوة العظمى استخدمها رئيس أمريكا ترومان على اليابان التى كانت على وشك الاستسلام، ولكن ألقى القنبلة على هيروشيما فقتلت فى ثوان معدودة مائة وعشرين ألفا عام 1945م، وقد أنفقت على صنع هذه القنبلة ما يقرب من مليارى دولار فى ذلك الوقت. وكان هذا إنذاراً لروسيا التى قرر بعدها ستالين توفير جميع الإمكانيات لصنع القنبلة الذرية الروسية وأطلق على هذا المشروع المشكلة رقم واحد، ونجحت فى صنع أول قنبلة ذرية عام 1949م، وبدأ الصراع النووى ثم انتقل السباق إلى حرب النجوم لتدمير ليس الأرض فقط بل والنجوم أيضاً. ولم تكتف أمريكا بهذا الدمار بل شنت حرباً على فيتنام راح ضحيتها الملايين، ثم دخولها العراق وتدمير بلد بكامله وقتل الملايين وتشريد عشرات الملايين. كل هذا مع الاتفاقيات الدولية والاجتماعات والجمعيات الإنسانية إلا أنها لم تمنع نشوب الحرب العالمية الثانية التى راح ضحيتها سبعون مليوناً، عشرون مليون جندي، وخمسون مليون مدني، بجانب هدم وتقسيم الدول مثل ألمانيا. وهذا لأن الذين يحكمون الدول صاحبة الجيوش العظمى بلا ضمير ولا يهتمون بمن يُقتل ويُشرد ويجوع أو يعيش وهو فاقد الحياة. فالفساد فى البشر مهما صنعت القوانين أو أطلقت الشعارات الإنسانية كما يقول جبران: يغمسون أقلامهم فى دماء قلوبنا ثم يدعون الوحى والإلهام. لمزيد من مقالات القمص أنجيلوس جرجس