لا تزال الأزمة الليبية فى مفترق طرق وتمر بتحديات مختلفة وشديدة التعقيد تؤثر عليها .. فى الوقت الذى تمثل فيه الحالة الليبية خصوصية متفردة تحتاج لتناول وتنسيق مختلف مع جميع الأطراف الليبية ومن جانب الأممالمتحدة. وحول أسباب استمرار الأزمة فى ليبيا ومناهج المعالجة الواجبة لها، طرحت «الأهرام» العديد من التساؤلات على السفير هانى خلاف سفير مصر الأسبق فى ليبيا الذى سبق له أن توقع منذ اندلاع ثورة فبراير 2011 الكثير من الصعوبات والتعقيدات التى يمكن ان تواجه عملية التغيير هناك فى ظل الثروة النفطية الهائلة وما تثيره من أطماع القوى الخارجية إلى جانب خصوصية الوضع الديموجرافى الليبى والعلاقات القبلية وطبيعة القيم الاجتماعية والثقافية السائدة. فضلا عن غياب أو تغييب خبرات العمل المؤسسى والحزبى وأنشطة المجتمع المدنى عن الحياة الليبية لفترة طويلة الأمر الذى من شأنه ان يطيل امد الأزمة مالم يتم التدقيق فى منطلقات وأولويات المعالجة والاستفادة من تجارب وأخطاء التغيير فى بلدان أخرى ومن طرق معالجاتها. ويرى السفير خلاف ان المستجدات الإقليمية والدولية لها انعكاساتها ايضا على الأوضاع الليبية، حيث أدت الهزائم التى منيت بها داعش والجماعات الإسلامية المتشددة فى كل من العراق وسوريا ومصر إلى نزوح اعداد كبيرة من فلولها إلى الأراضى الليبية، كما أدى تصاعد الخلاف بين دولتى قطر وتركيا مع بعض الدول العربية إلى مزيد من تدخل الدولتين فى الشأن الليبى مما زاد من صعوبات إعادة بناء المؤسسات السيادية الليبية على أسس وطنية ، ومن ناحية أخرى أدى صمود الرئيس السورى بشار الأسد إلى إثارة التساؤلات بشأن إمكانية الاستعانة ببعض أركان النظام الليبى السابق فى بعض جهود التسوية السياسية للازمة الليبية، كما أن تحول التركيز لدى بعض القوى الدولية الكبرى نحو متابعة ومقاومة النفوذ الايرانى المتوسع فى المنطقة أدى الى خلخلة التنسيق بين القوى الكبرى وظهور بعض المفارقات بين المواقف الأمريكية والأوروبية والروسية، وحتى فيما بين الدول الأوروبية نفسها. وحول كيفية انعكاس عناصر خصوصية الوضع الليبى والمستجدات الإقليمية والدولية على ترتيبات التسوية السياسية للازمة الليبية يشير السفير هانى خلاف إلى أن هناك سبعة عناصر يجب مراعاتها فى هذا الشأن : أولها استثمار الهوية الدينية والمذهبية الموحدة للشعب الليبى ومحدودية التأثير العلمانى داخل الثقافة الليبية فى تسريع المصالحات الوطنية وصياغة الوثائق الدستورية ورفض الأفكار والممارسات العنيفة والمتطرفة الدخيلة على المجتمع الليبى والوافدة من الخارج ويتضمن التقارب فى هذا الاتجاه معالجات مختلفة عما جرى أو يجرى من معالجات أمنية فى دول عربية أخري. ويكشف عن العنصر الثانى والمتمثل في أهمية إدخال الاعتبارات الاقتصادية ومشروعات إعادة الاعمار والتنمية المتكافئة فى جميع المناطق وعدالة توزيع الثروة الوطنية ضمن مخططات التسوية السياسية بما يساعد فى تطوير المواقف وتخفيف التشدد لدى بعض الاطراف المتصارعة أو المتنافسة سواء المحلية منها والدولية. ومن المهم أيضا التوصل إلى ترتيبات تحفظ الحقوق لمن نزح عن الاراضى الليبية قسراً او اضطراراً سواء كانوا افرادا أو شركات. ويرى أن العنصر الثالث هو ضرورة رسم خريطة تفصيلية واضحة لكيفية إعادة بناء وتوحيد المؤسسة العسكرية الوطنية والمؤسسات الأمنية وحل أو إدماج الميليشيات المسلحة وفق مجموعة متكاملة من الشروط والمواصفات وعناصر التحفيز الايجابي، وذلك تحت رعاية دولية أو عربية مناسبة، واعتبار ذلك أولوية قصوى تسبق أو على الاقل تتساوى مع استكمال البناء الديمقراطى وإجراء الانتخابات. وفيما يتعلق بالعنصر الرابع، فيكمن في إمكانية الاستفادة من بعض النظم والخبرات والكفاءات الليبية السابقة فى العهد الملكى وعهد القذافى مما يمكن ان يفيد فى جهود المصالحة الوطنية والتسوية السياسية ، أو مما يصلح لمعالجة بعض المشكلات الليبية الأخرى ( كمشكلات إدارة المرافق والخدمات العامة ، وكيفية تقاسم أو توزيع السلطات بين العاصمة والولايات والبلديات ، وقضايا التجنس والهجرة غير الشرعية ، ونظم ادارة العدالة ، وآليات الحماية الواجبة للمدنيين فى حالات الطوارئ والنزاعات المسلحة ، وآليات الاهتمام بحقوق الإنسان عموما). ويقول إن العنصر الخامس يستلزم ضرورة استبعاد أى تدخل عسكرى من جانب الدول أو المنظمات الأجنبية فى ليبيا بغرض فرض حلول سياسية معينة أو دعم فريق ليبى بعينه، وربما يمكن التفكير فقط فى استقدام فرق من المراقبين الدوليين أو أعداد من الخبراء العسكريين والأمنيين لمهام تدريبية أو فنية مؤقتة .ومن المهم أيضا ان يتضمن الاتفاق السياسى فى إطاره النهائى بعض الإشارات إلى ترتيبات تأمين الحدود البرية والبحرية أما العنصر السادس فيقول إنه من الضرورى عند مراجعة أو تعديل الاتفاق السياسى المعروف بوثيقة الصخيرات ايلاء العناية الكافية بالمصير السياسى والانسانى لجميع العنصر والقيادات التى تعمل فى اطار حكومة الوفاق وحكومة طبرق المؤقتة بما يؤمن تجاوب هذه القيادات مع مقتضيات المرحلة الدستورية الجديدة . وهو مبدأ يمكن تقنينه فى إطار الاتفاق النهائى . وقد يتسع هذا المبدأ ليشمل بعض رموز النظام السابق ممن لم تلطخ أيديهم بدماء الليبيين. وفى العنصر السابع والأخير يؤكد أهمية استعانة المبعوث الدولى للتسوية فى ليبيا بآلية موسعة من دول الجوار الليبى التى تضم دول الجوار البرى اللصيق والدول الأوروبية فى شمال البحر المتوسط وذلك لتنسيق الرؤى والسياسات والمساهمة فى تهيئة الظروف المواتية لتنفيذ ما قد يتفق عليه نهائيا.