يمكن القول بأن عام1964 كان بداية انهيار الاتحاد السوفيتي في زمن الحرب الثقافية الباردة. وسبب هذا القول مردود إلي ما حدث في الجلسة الافتتاحية للجنة المركزية للحزب السوفييتي في فبراير 1964. كانت الجلسة مخصصة لمناقشة ما تم في شأن زيادة الانتاج الزراعي إلي أقصي حد ممكن استنادا إلي الاستعانة بالمخصبات وأسلوب الري والميكنة. وكان المسئول عن تحقيق هذه الزيادة هو تروفيم ليسنكو (1898-1976) الذي قيل عنه إنه رائد علم البيولوجيا السوفييتية. وفي ختام الجلسة امتدح خروشوف ليسنكو وقال عنه إنه العالم السوفييتي المثالي, وكان وقتها خروشوف سكرتير أول الحزب الشيوعي السوفيتي من 1953 إلي 1964 ورئيس مجلس الوزراء من 1958 إلي .1964 إلا أن أعضاء اللجنة المركزية لم يندهشوا من مديح خروشوف لليسنكو لأن خروشوف هو الذي صك مصطلح التعايش التنافسي وكان يقصد به اللحاق بأمريكا في مجال الزراعة. إلا أن صك هذا المصطلح جاء متأخرا بسبب عبادة الفرد الملازمة لرئيس الاتحاد السوفيتي منذ زمن ستالين, إذ تمكن خروشوف بفضل هذه العبادة إلي دفع ليسنكو ليكون المتحكم في قسم البيولوجيا التابع لأكاديمية العلوم. إلا أن هذا التحكم لم يمنع غالبية أعضاء الأكاديمية من رفض تعيين الأعضاء الجدد الذين رشحهم ليسنكو للانضمام إلي الأكاديمية. وكان في مقدمة الرافضين أندريه زخاروف اللاعب الرئيسي في صناعة القنبلة الهيدروجينية للاتحاد السوفيتي. ومع رفضه وجه اتهاما إلي أكاديمية العلوم بأنها أقحمت السياسة في العلم. غضب خروشوف من هذا الاتهام ومع ذلك طالب بتشكيل لجنة لإصلاح الأكاديمية إلا أن تطور الأحداث لم يكن في صالح خروشوف, إذ اضطر الاتحاد السوفيتي ولأول مرة إلي شراء كميات هائلة من الحبوب لإطعام السكان من أمريكا وكندا واستراليا وجمهورية ألمانيا الاتحادية ومن بلدان أخري. وفي خريف عام 1964 انعقدت اللجنة المركزية للاحتفال بعزل خروشوف الذي كان من بين الحاضرين, وبذلك انتهي زمن خروشوف ومعه انتهي زمن ليسنكو. وفي تقديري أن هذه النهاية تعبر عن مرض ثقافي أطلقت عليه اسم المحرمات الثقافية وأوجز معناه في هذه العبارة: كلما ازدادت المحرمات الثقافية ازداد التخلف, وكلما ازدادت الخطوط الحمراء ازداد الارهاب. والسؤال بعد ذلك: ما هو المحرم الثقافي الذي ألزم اللجنة المركزية بعزل خروشوف؟ إنه المزارع الجماعية التي كانت بديلا عن الملكية الزراعية الخاصة التي كان يستمتع بها الفلاح السوفيتي. وقد مورست المزارع الجماعية في اطار التخطيط المركزي الذي من شأنه أن يفرز بيروقراطيين تكون مهمتهم كتابة تقارير زائفة تعطي انطباعا بأن كل شئ علي ما يرام, فيستريح الكل إلي هذا الانطباع, ومن ثم يحدث خداع متبادل. والمفارقة هنا أن هذا الخداع المتبادل يتم تأسيسه في فترة وجيزة. أما اذا أريد إزالته فهو لايزول إلا بعد سنوات عديدة. والمغزي الحضاري الكامن في المحرم الثقافي هو علي النحو الآتي: اذا ارتقي المحرم الثقافي إلي مستوي المطلق يصبح من المحال نقده. ومع استحالة النقد يبطل إعمال العقل. ومع إبطال إعمال العقل تبزغ الأسطورة التي هي عبارة عن رؤية كونية لاعقلانية ومعها تبزغ الخرافة التي هي عبارة عن أحاديث كاذبة. واذا أردت مزيدا من الفهم فانظر إلي حال مصر في هذا الزمان, وبعد ذلك تثير السؤال الآتي: ما هو المحرم الثقافي المسبب لتخلفنا؟ واذا أثرت هذا السؤال فانك في هذه الحالة تكون أنت المسئول عن البحث عن الجواب. المزيد من مقالات مراد وهبة