المسافة بين طرح فكرة جديدة لعلاج مشكلة آنية وتنفيذها علي أرض الواقع قد يستغرق وقتا طويلا, خاصة إذا تعلق الأمر بالأمراض وإصابات الحوادث, فطرح دواء أو خدمة علاجية جديدة. لا يتم قبل التأكد التام من أن منافع التطبيق العلاجي أو الدواء الجديد أكبر من أضراره. وفي هذا السياق, روج الأطباء في العديد من الدول النامية ومنها مصر العلاج بالخلايا الجذعية دون أن تستند علي خطط بحثية متكاملة ونهائية, ويبدو ذلك جليا من خلال رصد الصورة المقابلة لما يتم حاليا بمراكز الأبحاث بإقليم بافاريا بألمانيا, ففي خلال زيارة أعدتها هيئة التبادل العلمي الألماني(DAAD) لعدد من الصحفيين من مختلف أقطار العالم, عرض العلماء رؤيتهم لمستقبل تطبيقات العلاج بالخلايا الجذعية وما توصلوا إليه من نتائج أولية علي مستوي حيوانات التجارب. ويوضح الدكتور كونراد كوهلر مدير مركز البيولوجيا التجديديةCenterofRegenerativeBiology بمدينة توبنجن, إن هذا المركز البحثي يعد ملتقي للتعاون العلمي بين التخصصات المختلفة من مهندسين ومصممي البرمجيات وعلماء البيولوجيا والأطباء, إضافة الي خبراء المراكز البحثية في شركات صناعة السيارات والملابس الرياضية, سعيا للاستفادة من خبرات جميع التخصصات, حتي وإن بدت بعيدة عن المشكلة قيد البحث, فبدون هذه الخبرات لا يمكن التوصل لحلول غير مسبوقة للمشكلات الصحية الحالية, ويضيف كونراد قائلا فيما يتعلق بالتدخل الجراحي لعلاج الأمراض والإصابات فإن العالم يقف الآن في مرحلة وسطي بين نهاية عصر زرع الشرائح المعدنية والمسامير ونقل الأعضاء, وبداية عصر جديد لإنتاج أعضاء بديلة اعتمادا علي الخلايا الجذعية, فحاليا هناك مصادر جديدة غير مسبوقة تحت الدراسة للحصول علي الخلايا الجذعية, بخلاف النخاع الشوكي والمشيمة والحبل السري مثل الجدار الداخلي للأمعاء والأسنان.. مما يعني فرصا أكبر لعلاج المريض ذاتيا دون الحاجة لمتبرعين لنقل أجزاء من أعضائهم. ويستطرد كونراد إنه في الوقت الراهن تمكنا معمليا من تحوير الخلايا الجذعية لخلايا متخصصة مثل الخلايا العصبية, البنكرياس, العظام, صمامات القلب, الجلد, الثدي, الكبد, المثانة, الغضاريف, إلا أنه في ذات الوقت هناك مشكلات عديدة عند التحور منها بطء نمو الخلايا العصبية, والتي تحتاج لشهور كي تمتد بضع سنتيمترات, إضافة لذلك هناك العديد من الأسئلة التي مازالت بلا إجابات منها: هل من الأولي زرع الخلايا الجذعية وتركها تتحور في الجسم لتحل محل العضو المصاب أم أن يتم هذا التحور معمليا؟ وعلي الجانب الآخر أثبتت التجارب أنه في كثير من الحالات لا يمكن للخلايا الجذعية وحدها أن تقوم بكل مهام العضو المصاب, حيث يتطلب ذلك كثير من الوقت, ويوضح الدكتور كونراد أنه سعيا للبحث عن حلول عملية هناك تعاون مكثف بين العلماء من مختلف التخصصات لطرح علاجات بديلة تعتمد علي استخدام الخلايا الجذعية وشرائح من البوليمر قابلة للتحلل, تم التوصل لها من خلال التعاون مع المراكز البحثية المتخصصة في مجال النسيج, وحاليا هناك تركيز علي خمسة تخصصات طبية هي القلب والمسالك البولية والجلد والعظام والأعصاب, فمثلا هناك تجارب تجري حاليا لزرع بوليمر وخلايا جذعية محورة لخلايا ثدي للحالات التي اضطرت لإزالته بسبب الإصابة بالسرطان, وهذه التقنية من المتوقع أن تطبق عالميا في خلال خمس سنوات من الآن, كما تجري تجارب لتصميم هيكل من البوليمر علي هيئة أوعية دموية أو صمامات وزرعه بجسم المريض, ثم يتم حقن الهيكل بالخلايا الجذعية, والتي تتحور وتنمو مع الوقت لتصبح في صورة صمام أو وريد في حين يتحلل هيكل البوليمر. إلي جانب ذلك, عرض الدكتور ويلهام أيكر رئيس الفريق البحثي بقسم المسالك البولية بمستشفي توبنجن نتائج التجارب البحثية التي أجراها علي مدار6 سنوات للتغلب علي مرض السلس البولي, والذي يصيب غالبا كبار السن, ويقول إنه بدراسة خلايا الجهاز البولي وجدنا أن أحد أسباب المرض ترهل العضلات المحيطة بقناة مجري البول بنهاية المثانة عند المسنين مما يؤدي لصعوبة التحكم في البول, وإذا تمكننا من استبدال هذه الخلايا المترهلة بأخري, يمكن علاج المرض وتجنب كل المضاعفات الصحية والنفسية التي تصيب المرضي. وطبقا للتجارب التي أجريت علي الحيوانات نجحنا في زرع نوع من الخلايا الجذعية( خلايا ميزينكايمل) في قناة مجري البول باستخدام المنظار, تلا ذلك حقن الحالات بمواد في حجم النانو لرصد التغيرات التي تحدث للخلايا الجذعية وما إذا كانت ترحل لمناطق أخري بالجسم, وحجم التغير الذي حدث بالمرضي من زيادة قدرتهم علي التحكم في البول بعد عدة شهور من عملية المنظار, مما يبشر بفاعلية هذه التقنية العلاجية, والتي قد تغني في المستقبل عن الجراحة التقليدية لعلاج سلس البول. أما فيما يتعلق بتطبيقات الخلايا الجذعية في مجال إصابات العظام والخلايا العصبية, تطلب الأمر الانتقال لمعهد العلوم الطبيعية والطبية بتوبنجن والذي أنشيء منذ16 عاما بهدف طرح حلول غير علاجية للعديد من الأمراض, ونظرا لوجود آليات وقوانين بألمانيا تتيح للباحثين تحويل مشروعاتهم البحثية إلي منتجات تجارية, خرج من رحم هذا المعهد12 شركة للعديد من المنتجات التكنولوجية الطبية, منها علي سبيل المثال تقنيات جديدة لعلاج نوع محدد من إصابات الركبة, حيث يتم إزالة الغضروف المصاب وإجراء قطع بالأنسجة لتحفيز الجسم لتوجيه الخلايا الجذعية لتكوين خلايا غضروف ثم حقن الركبة بمواد جيلاتينية تملأ الفراغ وتقلل الاحتكاك بين العظام وتتيح نمو وتحور الخلايا الجذعية لتشكل غضروفا بديلا, مما يغني عن زرع شرائح ومسامير بالركبة. ويقول الدكتور يورجن مولنهاور رئيس الفريق البحثي إنه للوصول لهذه التقنية حصلنا علي5 آلاف براءة اختراع, كما وجدنا أن المواد الجيلاتينية التي اخترعناها يمكن استخدامها لعلاج آلام فقرات الظهر والديسك, والذي يعد من أكثر الإصابات انتشارا, وكما تشير الأبحاث, فإن لكل عضو بالجسم عمر افتراضي, والعمر الافتراضي لفقرات الظهر لا يتعدي40 عاما, كما أن نمط الحياة اليوم من زيادة الوزن والجلوس لساعات طويلة يؤثر علي كفاءة فقرات الظهر. وسعيا لإيجاد حلول بديلة تغني عن تثبيت فقرات الظهر, فنحن في مرحلة التجارب الإكلينيكية الثانية للتأكد في فاعلية العلاج, والذي يعتمد علي استخلاص خلايا غضاريف الظهر ثم إكثارها معمليا ووضعها في مواد جيلاتينية ثم حقنها مرة أخري بالظهر, بما يضمن استعادة القدرة علي الحركة ونهاية متاعب فقرات الظهر للأبد. وفي مجال علاج الأعصاب الطرفية يقول بوركهارد شلوسهور رئيس الفريق البحثي لتقنيات علاج الأعصاب إنه سنويا تجري نصف مليون حالة جراحة لإصلاح تلف أو تهتك بالأعصاب, وفي بعض الحالات يعجز الأطباء عن علاج المرضي والذين يعيشون بقية حياتهم يعانون من شلل جزئي أو كلي, وطبقا للأبحاث التي أجريناها توصلنا الي تقنية لعلاج حالات قطع الأعصاب الطرفية وجدنا أن الجسم يعمل ذاتيا عبر الخلايا الجذعية علي إصلاح القطع, إلا أن ذلك الأمر قد يأخذ سنوات طويلة وقد تنمو الخلايا العصبية بصورة خاطئة, وفي المقابل يفرز الجسم أيضا بروتينات تعمل علي إيقاف نمو الخلايا العصبية بحيث لا تتصل أبدا, وهذه المشكلة تم بحثها خاصة في الحالات التي لاتزيد مسافة القطع بين الأعصاب الطرفية عن2 سم من خلال ألياف من الأحماض الأمينيةsiRNA والتي حصل مكتشفاها العالمان ميلو وفاير علي جائزة نوبل في الطب عام2006 لتصل الجزء المقطوع, كما أن هذه الألياف مزودة بمركبات في حجم النانو تتغلب علي البروتينات التي توقف نمو الأعصاب, وطبقا للتجارب التي أجريت علي الفئران ثبت نجاح التجربة, كما أجريت بعض التجارب الأولية علي البشر والذين يعانون من قطع في الأعصاب الطرفية بمنطقة الذراع والكتف ونجحت, مما يعطي الأمل بإمكانية تطبيق هذه التقنية في المستقبل القريب وإنقاذ ملايين من مصابي الحوادث من شبح الإعاقة.