«الحرف التقليدية مرآة للتاريخ الذى سجلته أنامل المبدعين من منتجات امتلأت بها المتاحف والبيوت القديمة حتى صارت تلك المتاحف بل البيوت جزءا أصيلا من هوية الأمم، لأنها تحمل فنون التشكيل الشعبى الذى يعكس بدوره الذاكرة الإبداعية لتطور الأمم» بهذه الكلمات قدمت الباحثة د. إيمان مهران الأستاذ بأكاديمية الفنون لأحدث كتبها «الحرف التقليدية والهوية رؤية فى فنون التشكيل الشعبي». والمؤلفة تحمل لقب «بنت النيل» صاحبة إسهامات علمية وتوثيقية فى العديد من المؤلفات فى مجالى الفنون الشعبية وتوثيق الأغنية المصرية، بجانب مجموعة قصصية قصيرة ومسرحيتين. الكتاب يقع فى 92 صفحة من الحجم الكبير وينقسم إلى بابين أولهما يتناول:الحرف التقليدية وثورات الربيع العربى ويحتوى على فصلين الأول «الحرف التقليدية وبزوغ الأيديولوجيا الدينية والعرقيات قراءة لإشكالية الهوية الوطنية بعد ثورات الربيع العربي» والثاني«رمزية بعض المفردات التشكيلية الشعبية فى ثورتى 25 يناير و30 يونيو والهوية الدينية». أما الباب الثانى بعنوان«فنون التشكيل الشعبى بين الفكر المتطرف والتواصل الحاضري» وينقسم أيضا إلى فصلين، الأول«فنون التشكيل الشعبى ومواجهة الفكر المتطرف فى الإعلام العربي» والثاني«موروث الحرف التقليدية ودوره فى التواصل الحضارى بين شعوب الشرق العربى والغرب الأوروبي». الكتاب يتضمن مجموعة أبحاث أعدتها المؤلفة وتم تحكيمها من هيئات علمية متخصصة ونشرت فى كتب لمؤتمرات علمية شاركت فيها الكاتبة، وبالتالى فإن الكتاب يصنف ضمن فئة البحوث العلمية وهو ما يكسبه قيمة كبيرة لمنهجيته وحياديته وموضوعيته، فهو ليس انطباعات أو آراء شخصية متحيزة على الإطلاق بل هو بحث علمى موثق يستحق الاستفادة من كل ما ورد فيه فى تشكيل سياسات وخطط الارتقاء بالحرف التقليدية والفنون اليدوية والصناعات الشعبية، بل أسلوب التعامل معها إعلاميا أيضا لأهميتها فى صياغة وجدان الأمة وتشكيل هويتها والحفاظ على قواعدها الثقافية والاجتماعية الراسخة فى مواجهة حرب ضروس أداتها الرئيسية الثقافة والفنون. والكاتبة تدرك خطورة وأهمية الموروث الشعبى البيئى الذى يدعم«المحلية» ويمنح المجتمعات خصوصياتها، بوصف الفنون التقليدية «أمنا قوميا»، حتى أنها تصف الفلكلور الخاص بكل أمة بأنه هو«القومية» ذاتها وحدودها الثقافية بين الأمم، والذى يجب أن تصونه فهو هويتها وملامحها الثقافية. وتنبه الكاتبة إلى أن دراستها تلك معنية بوحدتنا العربية، ليس الدين مدخلها أو اللغة أو العادات الاجتماعية أو غيرها، بل للوحدة العربية جذور أقدم تمتد لآلاف السنين حملتها الرموز القديمة، وصاغها الحرفى المبدع الواعى فى الشرق العربي، ما جعل من الحكايات التى تحملها المنتجات التراثية التقليدية انعكاسا لأساطير حملتها عقول تلك الجماعات حافظت عليها لتصبح هى الجامع الحقيقى لأمتنا العربية.. لقد قدم الكتاب عرضا لموضوعات آنية فى العالم العربى فى محاولة لإعادة الرؤية إليها بحكم أهمية تلك القضايا، وبهدف توضيح أهمية توظيف مجال التشكيل الشعبى العربى ودوره فى تأصيل مفاهيم الهوية التى تجمعنا، خاصة فى تلك المرحلة المهمة التى تمر بها أمتنا العربية. كما تضمن الكتاب العديد من التوصيات التى عرضتها المؤلفة من بينها: ضرورة إقامة مؤتمر دولى عربى تشرف عليه جامعة الدول العربية ينظم العمل فى مجال الحرف التقليدية بما يحميها باعتبارها «أمنا قوميا عربيا»، وتفعيل دور المجتمع المدنى العربى وتجنيبه آثار الربيع العربى السلبية فى مجال الحرف، وسن التشريعات التى تجرم استعمال رموز على بعض المنتجات التقليدية التى تروج لعرق ما أو إيديولوجية ما خارج نسق وحدة كيان الدولة. كما أوصت بتأسيس مجموعة عمل للإعلام العربى المحلى توجه أهدافه مع مجتمعاته وتشكيل لجنة من الفنانين والإعلاميين للنهوض بالصورة التشكيلية الإعلامية العربية، ودخول الفنانين والباحثين العرب كشريك رئيسى فى تنمية الصورة العربية، وطالبت بأهمية إعادة الرؤية للحرف بوصفها أداة للتقارب بين الشعوب، خاصة التعاون بين الشرق العربى والغرب الأوروبي، وضرورة وضع أطر مشتركة تجمع بينهما من خلال الاتفاقيات.