لاحظ أستاذه فى مدرسة «المساعى المشكورة الثانوية» تميز أسلوبه فأولاه اهتماما، وحدد له بعض الكتب، قرأ وتثقف، تخرج فى دار العلوم، وفى أواخر الستينيات اهتدى إلى طريقه فى الكتابة، ويدور محور أعماله الإبداعية حول الإنسان المأزوم وقضايا الفقراء والمهمشين، له ثمانى روايات وخمس مجموعات قصصية، ومجموعة قصصية للأطفال، ومسرحية واحدة، وعدة كتب نقدية.. فى البداية سألته: كيف كان شعورك حين سمعت نبأ فوزك بالتقديرية؟ لا بد للإنسان أن يسعد، لأن التقدير وإن جاء متأخرا فقد لاقى الحاجة إليه. هل جاء التقدير متأخرا؟ نعم ، ولكنه جاء فى النهاية. بمن تأثرت فى كتاباتك؟ بكل من قرأت لهم ، ولا أستطيع تحديد كاتب بعينه. لديك طقوس محددة قبل ووقت الكتابة؟ لا، لكن لابد أن استمع إلى الموسيقى، ويكون التليفزيون مفتوحا بلا صوت... لك ثمانى روايات، القاسم المشترك فيها قضايا الفقراء والمهمشين، بدأتها ب «بالخروج إلى النبع» عن العلاقة الشائكة بين الحاكم المستبد والمحكومين؟ نحن الروائيين يقف الجانب السياسى دائما فى خلفية ما نكتبه، لكى لا يكون التناول الإبداعى مباشرا، فنصادر الإبداع. وفى رواية الخروج إلى النبع قمع السلطان (الحاكم المستبد) الجارية وقهرها فتمردت وارتبطت بالدرويش الذى كان ينشد الخلاص. روايتك «حرث الأحلام» تدور فى هذا الفلك؟ نعم فى «حرث الأحلام» اضطر سيد ان يستجيب لمن اصطفوا أمام باب حجرته فى عشش الإيواء ويذهب معهم إلى الرجل الكبير(الحاكم) فى الضفة الأخرى من النيل، ليأخذوا نصيبهم من الشقق التى ادعى لزوجته فى المساء أن الرجل الكبير سيوزعها فى الصباح، وكلما وصلوا إلى جسر وجدوه منهدما، ومع آخر جسر متهدم قرروا عبور النهر وهم لا يستطيعون العوم، فغرقوا جميعا، والمعنى أن الأبواب موصدة والجو معتم ولا سبيل إلا التغيير الثورى. روايتك «عندما غرد البلبل» مهمومة بالإنسان المأزوم أيضا؟ نعم..بطلتها امرأة مأزومة فقدت الحبيب، ولم تأنس للزوج، حياتها تتسم بالوحدة والغربة. عاشت فى صراع بين الحرية والالتزام. عندما فقدت محبوبها وتزوجت غيره ألقت أحلامها عند عتبات البيت، لكن حينما اقترب الخطر من مسكنها فى ثورة يناير، ورأت المظاهرات أدركت أن عليها أن تستعيد حياتها، وان تشارك فى الحدث، أدركت أن حدث الثورة أكبر من معاناتها الشخصية، خرجت وشاركت وأنقذت أسرة كاملة عندما أحاط المتظاهرون بالعربة التى تقلهم. إلامَ ترمز العربة ؟ هى الوسيلة التى مكنتهم من الوصول إلى الهدف، هى الرمز الذى أنقذ حياتها الخاصة والوسيلة التى ستنقذ مصر كلها، أصيب زوجها فى احداث ثورة 25 يناير، وعندما عاد والتقيا شعرت تجاهه بحنان، تغيرت نظرتها للحياة، واتسعت رؤيتها. وصاحب الحالة تغريد بلبل، فقالت له كان يجب أن تغرد من زمن طويل . إذاً فتغريد البلبل رمز للتحول من المعاناة إلى الأمل؟ نعم ..هذه النغمة الجميلة التى كانت معطلة آن لها أن تبوح بسرها، تغريدة البلبل صاحبت حالة التغير فحدث نوع من التمازج والتجاوب الانفعالى. تطورت شخصية المرأة من اليأس إلى الأمل، هل رأت فى الثورة طريقا للخلاص؟ نعم .. تغيرت المرأة، استعادت توازنها النفسى، أدركت ان الحب ليس وحده ما يحقق حياة زوجية مستقرة، ومع أحداث الثورة انفعلت وأدركت أن هذا هو طريق بناء المستقبل فاستنهضت الروح الكامنة فيها، تغيرت رؤيتها، وصاحبت تغريدة البلبل حالة التغير. فى«الضوء والظلال» تدق ناقوس الخطر منبها إلى خلل القيم بعد موجات الانفتاح فى سبعينيات القرن الماضى، كيف ترى تأثير تلك الموجات على المجتمع الآن؟ فى الرواية رصد للخلل الذى حدث فى قيم المجتمع الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية. الشخصية المحورية سميرة الفتاة الجامعية أحبت، وأحبها زميلها وابن حيها ابراهيم الشاب البسيط، ابن صاحب البقالة، لكنها رفضت الارتباط به لأنه قرر العمل فى البقالة ليساعد والده، ودفعها طموحها إلى طلب المغامرة والبحث عن عمل غير تقليدى، فرفضت الارتباط به، كان مجال السياحة حلم سميرة وعملت فيه بالفعل، لكنها بعد فترة وجدت باب الشركة مغلقا بالشمع الأحمر، فشعرت بالصدمة وفكرت فى أنها ربما أخطأت الطريق بتمردها على التقاليد والأعراف. جعلتها تتمرد على الحب الصادق، ولم تجعلها تحقق طموحها؟ لعل الثنائية بين الضوء والظلال واضحة فى العنوان، الضوء هو البريق الذى قد يكون خادعا، والظلال رمز للموروث القيمى، هى خدعت بالبريق ولم تدرك الخلل الذى واكب الانفتاح، وكان لابد أن تخوض التجربة لتدرك الحقيقة. فى روايتك «رأيتك فى المنام» يمثل البوح ملمحا لمعاناة الأنثى الهاربة من الواقع المؤلم؟ هذه الرواية قائمة على الحوار الذى لا يمكن أن تستبين صدقه من كذبه، لأنه كله عبر الهاتف، السارد لم يدرك تماما ما يحدث لبطلة الرواية، وهى من خلال الهاتف صنعت لنفسها الحياة التى تتمناها بعد إهمال أبنائها، جمعت بين الحسى والروحى والمعيشى والمتخيل فى سردها الحوارى، فتحدثت مثلا عن أنها ذهبت إلى الطبيب وأدت العمرة و...و..، وحين جاء اليوم الذى ذهب فيه السارد الذى تحاوره إلى بيتها ليراها وجدها نائمة مقعدة لا تستطيع الحركة، فأغلق الباب ومضى. ما الرسالة؟ الإنسان فى حاجة إلى البوح، إلى من يشاركه، ومن يضمد جراحه إذا فقد تواصل الآخرين معه. ما حدث لحميدة فى «امرأة عابرة» يبدو مشابها لما حدث لصابحة فى «السيد الذى رحل»؟ هناك فروق جوهرية بين الشخصيتين، صابحة عاشت فى جو ريفى، وتختلف عن حميدة التى عاشت فى بيئة صحراوية فى أنها تمكنت من أن تنقذ نفسها برغم خطئها بسذاجة ودون قصد إلى الخطيئة، وأن تعيش حياة طبيعية مرة أخرى، ولم يتكرر خطؤها، وساعدها السيد فى استعادة حياتها الطبيعية، لكن مسار حميدة فى حياتها شيء مختلف. تتلاقى شخصيتا السيد والولى فى «السيد الذى رحل» و«الخروج إلى النبع» ويتشابهان فى قدراتهما غير العادية التى لا تتحقق إلا لأقطاب المتصوفة، إلام يرمزان وما أوجه الاختلاف؟ ثمة رموز فى القرية هى القادرة على بناء الإنسان والتغيير. فالسيد الذى رحل شخصية قادرة على الإثارة وعلى التغيير، هدفه أن يغير وان يساعد من يعيشون المآسي، ويعالج السلبيات والأخطاء والدنس الموجود. والامر نفسه بالنسبة للولى الذى حمل لواء التغيير وقاد مواجهة ظلم السلطان. كان هاجسى شيئا واحدا، هو أن ثمة رموزا فى القرية قادرة على صنع التغيير. فى«الطرف الآخر من البيت» نرى معاناة المصريين المغتربين فى الخليج، وبعض المشكلات الاجتماعية الخليجية..ونرى الهم الوطنى والقومى وأزمة الإنسان الفرد؟ هذه الرواية تجربة عشتها بالفعل، وكانت صعبة للغاية، عانى البطل هموم الغربة، واستطاع الراوى ان يضع يده على الخلل البيئى والمجتمعى والاسرى فى البيئة التى عاش فيها، بيئة الخليج، ما من مجتمع إلا وفيه هذا الخلل. وكان الغرض أن ألقى الضوء على ما يعانيه الانسان المصرى فى الخارج، وكيف يتكيف مع المكان والإنسان والبيئة والظروف الحياتية مهما تكن قسوتها. كتبت مسرحية «المدار» وقضيتها ظلم السلطة للشعب، حتى إن شيخ الخفر يردد دائما عبارة العمدة:«أنا البلد والبلد أنا» يبدو انك كاتب المظاليم؟ نعم..فكرة المسرحية هى متى يتخلص الإنسان من المدار الذى يدور فيه طوال عمره ولا يعرف منه خلاصا، مدار التبعية للحاكم والطاعة المطلقة له، كيف يقاوم الظلم ويصنع التغيير، ويكسر الأغلال وينال حريته. هل تشعر بأنك حققت نقلات إبداعية؟ نعم..لكن أسلوبى فى الكتابة لا يتغير كثيرا، الاختلاف هو فى طرائق التعبير لغتك فى القصة القصيرة مختلفة عنها فى الرواية عنها فى المسرحية التى كتبتها بالعامية.. ما الذى يحدد اختيارات اللغة؟ أميل إلى اللغة الجميلة، وجماليات التصوير، البلاغة المتكلفة تضر بالعمل الإبداعى، ولذلك ستجد فى رواياتى وقصصى القصيرة اللغة هى رقم واحد، وبعدها يأتى الاهتمام بالشخصية، فالجو العام فى العمل، وقد كتبت المدار بالعامية لان الجو العام اقتضى وفرض هذه اللغة. كيف ترى الواقع الثقافى الآن؟ يعكس طبيعة الواقع كله..ثمة اختلافات وتنوعات فى الحركة السياسية والاجتماعية والشبابية.. وهذا التنوع نفسه موجود فى حركة الثقافة والإبداع، وعلى الحركة الثقافية أن تستعيد دورها فى عمليات النشر والبحث عن المواهب فى جميع المجالات، وان تبتعد عن المظهريات. يجب أن يكون هناك نوع من التوحد بين الأجهزة والمؤسسات الثقافية.