في إطار حديثنا السابق عن أهمية دور التنمية وتحفيز الاستثمار كمدخل وحيد لترجمة نجاحات برامج الإصلاح الاقتصادي لعوائد مباشرة ومؤثرة في مجريات الحياة اليومية للمواطنين.. فإن ذلك يدفعنا بالضرورة لمناقشة أدوار العناصر الفاعلة في عملية التنمية المنشودة.. ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة أود أن أشير إلى أنه في سنوات ما بعد 2011 وفي ضوء الظروف الاستثنائية التي فرضتها هذه الأحداث التي شهدتها هذه السنوات كان تدخل الدولة بمؤسساتها المختلفة لتلعب الدور الفاعل في عمليات الاستثمار والتنمية أمراً حتمياً باعتبار أن هذه المرحلة ذات طبيعة خاصة أو كما يطلق عليها مرحلة انتقالية ذات وضع استثنائي والتي أدت إلى توقف استثمارات القطاع الخاص بسبب الاضطرابات والمخاوف التي عكستها ظروف وطبيعة هذه المرحلة... أما الآن ومع استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية وتحقيق نجاحات اقتصادية على مستويات الاقتصاد الكلي فيجب أن تعود الأمور لنصابها الصحيح بالانسحاب التدريجي والمخطط لمؤسسات الدولة من المشهد الاستثماري المباشر حتى تصبح الفرص مهيئة ليلعب القطاع الخاص دوره ويتحمل مسئوليته في التنمية الاقتصادية الشاملة... وهذا بالطبع مع إدراك كامل وتصحيح لبعض المفاهيم المغلوطة التي ترى في قيادة القطاع الخاص للتنمية والاستثمار أمراً غير ملائم بل وتطالب الدولة بعدم السماح بذلك سواء انطلاقاً من أفكار ومعتقدات سياسية أو مكايدات اجتماعية دون النظر إلى حقيقة أن كافة الاقتصاديات القوية على مستوى العالم يلعب فيها القطاع الخاص الدور القائد للنمو بما فيها دول ذات نظم سياسية واقتصادية قائمة على مفاهيم الشمولية الاقتصادية مثل الصين وروسيا ... هذه الحداثة في الفكر الاقتصادي تنظر إلى دور القطاع الخاص باعتباره دورا واجبا ومفروضا عليه أن يؤديه وليس منحة أو هبة، ولكنه جزء من هوية الاقتصاد ومكون رئيسي من محددات البناء والنمو لاقتصاد مستدام قادر على المنافسة وتحقيق نهوض اقتصادي شامل.. بحيث تتفرغ الدولة إلى تنفيذ استثمارات في القطاعات الإستراتيجية التي يصعب على القطاع الخاص العمل فيها بحكم كونها تحتاج لتمويلات ضخمة أو أن عوائدها طويلة المدى أو ذات أبعاد اجتماعية وسكانية مختلفة والتي تشكل في حقيقتها بعض الأدوات والعناصر التي تهيئ البيئة الحاضنة والمحفزة للاستثمار الخاص الناجح والفعال... وبالطبع فان الانسحاب الحكومي من الاستثمار المباشر يجب أن يتم بشكل متوازن وتدريجي ومدروس وبخطط معلنة وشفافة تتيح لمتخذ قرار الاستثمار في المؤسسات الخاصة والمحلية والإقليمية والعالمية تخطيط عملياتهم الاستثمارية على المدى المتوسط والطويل مع التأكيد على التزام الدولة بدورها الفاعل تنظيمياً وتشريعياً بما يهيئ الأسباب لنجاح استثمارات القطاع الخاص خاصة وأن الأصل في دور الدولة هو التنظيم والتشريع والرقابة.. والدعوة الآن لقيادة القطاع الخاص قاطرة النمو تأتي بعد نجاح الدولة في تنفيذ الجزء الأكبر من برنامج الإصلاح وتهيئة البيئة التشريعية الجاذبة للاستثمار في ضوء عدد من القوانين والقرارات الهامة وعلى رأسها قانون الاستثمار الجديد وهو ما يوفر عناصر تحفيز لأي استثمار قائم أو مخطط.. وعن اهمية دور القطاع الخاص في زيادة ايرادات الدولة ووفقاً لأرقام الميزانية العامة 2017/2018 والمعلنة من قبل الحكومة فقد بلغ إجمالي الحصيلة الضريبية والجمركية مبلغ 606 مليار جنيه ليصبح هو المصدر الأول للدخل القومي مع توقعات حيادية من قبل صندوق النقد الدولي بأن تتخطى إيرادات الضرائب والجمارك حاجز التريليون جنيه خلال عامين.. وبالتالي فإن تحفيز القطاع الخاص ليتولي دوره كقاطرة للنمو الاقتصادي سوف يضمن تحقيق هذه العوائد السيادية الضخمة بسهولة بل وربما يتجاوزها بكثير مع توفير مئات الآلاف من فرص العمل ورفع مستويات الإنتاج وزيادة المعروض من السلع والمنتجات بما يؤدي بالتبعية إلى كبح جماح التضخم وخفض معدلات الأسعار والسيطرة عليها بوسائل عمل فعالة ومستدامة... وبالنظر إلى مكونات الخريطة الاقتصادية المصرية فإن تحفيز القطاع الخاص لقيادة النمو قد توافرت كافة عناصره على أكثر من محور ونحتاج فقط لإطلاق هذا الدور عبر إرادة واعية ومدركة لأهمية هذا الدور في المرحلة القادمة في استثمار ضروري للجهود التي بذلتها الدولة على مدار الفترة الماضية على محاور بناء مناخ جاذب للاستثمار...