* نشر ثقافة المواجهة وتكوين الفكر الناقد هو السبيل
أفرزت وسائل التواصل الحديثة أسوأ ما فينا، فانتشرت الشائعات وشاعت الأكاذيب، فوقع أكثر الناس إما فى الغيبة وإما فى البهتان. وعزى علماء الدين أمر شيوع الشائعات إلى تطور وسائل الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعى لما تقوم به هذه الوسائل من نقل للمعلومات بسرعة مذهلة بين الأفراد دون التأكد منها مما يؤدى إلى حدوث أضرار كبيرة فى المجتمع. يقول الدكتور محمد البيومى، عميد كلية أصول الدين بالزقازيق: إن وسائل التواصل الحديثة جعلت الشائعات أكثر رواجا وتأثيرا يهذى بها الفاسدون فى المجتمعات فتؤدى إلى انهيارها نفسيا قبل أن تؤدى لهزيمتها المادية، والشائعة فتنة، والفتنة أشد من القتل، ولهذا حرم الإسلام الشائعات بصورها المختلفة لما رأى فيها من سلاح فتاك يفرق بين الأمة ويفضى إلى عدم الثقة بين أفرادها، ورفض الشائعات وتكذيبها إنما ينبئ عن وعى الأمة ومدى تمكن العلم فيها. وأضاف: إن الشائعات جريمة ضد أمن المجتمع، ومن ثم فإن صاحبها مجرم فى حق دينه ومجتمعه لأنه يتسبب فى إثارة الفوضى فيه لهذا وصفه الله بالنفاق. وقد عالج الإسلام الشائعات فأمر المسلم بتقديم حسن الظن لان الشائعات إنما هى نار وفتنة مؤسسة على سوء الظن لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»، وبين أن المرء مسئول مسئولية كاملة عن كل لفظ يصدر منه، وجعل الإسلام التثبت من الأخبار منهجا إسلاميا أصيلا فلا يقبل قول إلا بدليل أو برهان (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، ونهى أتباعه أن يطلقوا الكلمات دون تبصر بعواقبها وأن يصدقوا ما يقال على أنه حقيقة «كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع». فساد للمجتمع وعن أثر شيوع الشائعات فى فساد أحوال الناس يقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط: إن المشاركة فى انتشار الشائعات مفسدة لأحوال الناس، فقد صح عن معاوية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت تفسدهم». ومن وجوه الفساد وقوع البعض فى الغيبة وحصول تهم لا أصل لها أو هتك عرض أصحاب المناصب المظلومين من انتشار الشائعات الكاذبة، ولهذا يجب على الناس فى الفضائيات وعلى مواقع التواصل وغير ذلك أن يتحروا الدقة فيما يكتبون وان يتثبتوا مما ينشرون حتى لا يضروا الأبرياء. ثقافة المواجهة وفى سياق متصل يقول الدكتور أحمد على سليمان، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية: لقد جاء الإسلام من أجل إصلاح الكون والحياة والإنسان؛ لذلك اشتملت تشريعاته على منهج شامل لإدارة الحياة يرتكز على مقومات أخلاقية وتشريعية مرنة تضمن له البقاء والصلاحية لكل زمان ومكان؛ لذلك كان هذا المنهج فريدا فى معالجة الآفات الاجتماعية ومن بينها الشائعات، والشائعة عبارة عن خبر أو قصة أو معلومة غير مؤكدة أو كاذبة أو صادقة مبالغ فيها يصدرها جاهل أو عدو أو صاحب مصلحة ويعمل على حبكتها بصورة يكتنفها بعض الغموض والإثارة من أجل أن تنتشر خصوصا فى الأزمات والمشكلات أو بين أناس بينهم قواسم أو مصالح مشتركة. وأشار سليمان إلى أن المنهج الإسلامى فى معالجة هذه القضية الخطيرة كان واضحا ومتميزا وفريدا ومواكبا لكل العصور حيث يرتكز على عدة أسس، فحرم الكذب تحريما جازما، وحرم العبث بعقول الناس، كما دعا إلى التبين والتثبت والتحقق عند نقل الخبر وتحرى الدقة بحيث يكون مطابقا لمصداقية الواقع من ناحية، وواضحا وضوح الشمس فى النهار من ناحية ثانية، ومحققا لمصالح البلاد والعباد من ناحية ثالثة. لذلك يجب على جميع مؤسسات تشكيل الوعى والوجدان والسلوك (التربية والإعلام والثقافة والأئمة والدعاة) أن تتكاتف من اجل تربية النشء والشباب على ثقافة مواجهة الشائعات وتفنيدها وإتاحة المعلومات الرسمية بصورة ميسرة وشفافة وتكوين الفكر الناقد لدى النشء والشباب وترسيخ التربية الأخلاقية والقيمية المتشابكة خصوصا قيم الصدق وتحرى الدقة، لأن الشائعات لا تكتب لها الحياة ولا تنمو فى البيئات المستنيرة.