في حياة الصحفي أحداث مهمة, يمكنه أن يحفظها في الذاكرة دون عرضها علي الرأي العام.. وضمن ما احتفظت به في ذاكرتي, كانت محاولة إرهابي فكريا ونفسيا داخل ميدان التحرير يوم5 يونيو الماضي.. فقد كنت أول من تعرض لهجوم جحافل ما يسمي بجماعة الإخوان المسلمين.. وحاصروني لأكثر من ساعتين داخل جراج سيارات.. وكم كان مؤلما أنهم فعلوا الأمر ذاته مع زوجتي وأسرتي.. والمؤسف أنهم حاصروهم في مدخل عمارة لأكثر من ساعتين.. ويشهد علي تلك الواقعة بعض الزملاء.. إضافة إلي العشرات من الذين كانوا بالميدان.. كما يشهد علي الواقعة محضر شرطة حررته في قسم قصر النيل رقم6204 ج ج قصر النيل2012- واتهمت فيه جماعة الإخوان المسلمين بإرهابي.. وأذكر أن اللواء جمال سعيد الذي حضر التحقيق, قد أكد لي علي أن حقي لن يضيع.. لكن شيئا لم يحدث من جانب العاملين في وزارة الداخلية, والمنوط بهم أن يكونوا في خدمة الشعب والقانون.. وتعاملت مع الأمر علي أنه رسالة تخويف, لن تؤثر في مواقفي قيد أنملة.. ومضيت علي طريقي دونما حاجة للصراخ أو طلب الاعتذار.. تلك طريقتي وهذا شأني. أعبر علي هذه الخاطرة, بعد أن تكررت ضد المهندس حمدي الفخراني والأستاذين نجاد البرعي وأبو العز الحريري.. فضلا عن عدد من الزملاء الإعلاميين.. منهم خالد صلاح ويوسف الحسيني وعمرو أديب وأسامة منير وغيرهم.. أخرج من هذه الواقعة.. إلي جلسة جمعتني وعددا من المثقفين المصريين مع اللواء محمد العصار.. واللواء آنذاك عبدالفتاح السيسي واللواء محمود حجازي.. استمرت تلك الجلسة لبضع ساعات.. أذكر ضمن ما دار فيها أن قال الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع إننا في القوات المسلحة ننحني دائما تقديرا وإجلالا واحتراما لشعبنا.. وأضاف أن هذا الشعب تعامل مع قواته المسلحة باحترام غير منظور بعد نكسة5 يونيو1967, وكان هذا الاحترام دافعا لتلك القوات بأن تحقق انتصار أكتوبر.. وبقي يطوق أعناقنا جيلا بعد الآخر.. وأسهب يومها في الحديث عن علاقة القوات المسلحة بالشعب, مؤكدا أن سيادة الأرض مسئوليتهم.. وحماية الشعب أمانة يقدرون عليها.. وأشهد للرجل بأنه يجيد الإنصات.. وإن تحدث فهو يقول كلاما مختصرا له معني وقيمة.. وفي رؤيتي وفق رصدي لدلالة كلماته.. أنه بعيد كل البعد عن أي تيار سياسي.. شأنه في ذلك شأن كل الذين تضمهم تلك المؤسسة العسكرية العريقة.. وأذكر أنني ومن حضروا معي شهدنا علي انشغال الذين استضافونا وحاورونا بالمستقبل البعيد إلي حد الخوف من استمرار القوات المسلحة في التعاطي مع الشأن السياسي لفترة طويلة.. وهنا تجب الإشارة إلي أن ذلك الحوار كان في شهر مايو من العام..2011 ويبدو أن صراعا داخليا في المجلس الأعلي للقوات المسلحة حول ضرورة العودة إلي الميادين الطبيعية للجيش.. قد انتهي بالحسم لصالح من اتفقوا علي الخروج من مستنقع السياسة. ربما يسألني من يقرأ الواقعتين اللتين احتفظت بهما في ذاكرتي, وما سر بوحك بهما.. هنا أجيبه بأن الواقعة الأولي أشير إليها, لأؤكد علي ان السياسة يمكن أن تكون مستنقعا للساسة أيضا!!.. يحدث ذلك عندما يمارسونها باستخدام كتائب تمارس سلوكا عسكريا متخفية في ثوب المدنية والمشاركة الشعبية والوطنية.. وبما أن ما يسمي بجماعة الإخوان المسلمين مشغولين بتسخين الشارع طوال الوقت.. يعتقدون في أن استمرار الحشد بين حين وآخر, سواء في ميدان التحرير أو حول القصر الرئاسي.. يعطيهم السبق ويضفي عليهم قوة يمكنها تصدير الخوف والإرهاب داخل نفوس الرأي العام.. وتلك نظرية ثبت فشلها في تاريخنا المصري الحديث, وفي كل المجتمعات التي خلطت فيها فصائل سياسية بين الأداء المدني والأداء العسكري!!.. لكن بعض رجال القوات المسلحة الذين مثلوا استثناء في لحظات تاريخية.. انخرطوا في السياسية, وحققوا نجاحات لا تنساها كتب التاريخ.. بينهم في تاريخنا جمال عبد الناصر وأنور السادات.. وفي حدود المنطقة العربية سنجد هواري بومدين نموذجا آخر.. وعالميا سنجد جنرالات يخلدهم التاريخ بينهم شارل ديجول أحد بناة فرنسا في عصرها الحديث.. وإن حاولنا البحث عن نجاحات زعامات مدنية.. فلنا في رجب طيب أردوغان ومهاتير محمد عناوين لهذا المعني.. فقد استطاع كل منهما صياغة تجربة شديدة التفرد.. والمثير أن كلا منهما قدم ما يمكن أن يفخر به المسلمون, دون أن تظاهره ما تسمي بجماعة الإخوان المسلمين في بلاده.. ويبدو أن مصر تحاول صياغة شيء ما لا نعرف ملامحه حتي الآن, لأن الحشود المؤيدة تحتل الميادين.. وليس بمظاهرات المبايعة تبني الأمم حاضرها ولا مستقبلها!! [email protected]