هل عرف العالم من هو الفائز بكأس العالم لكرة القدم؟.. الإجابة نسبية. فهناك من يتركز اهتمامه على الفوز الرياضى والمعنوى المتعلق بإظهار مهارات فريقه فى اللعبة، وهناك من يتناول الأمر من منظور المكاسب التى ستحصل عليها الدولة، ما يعنى تركيز الاهتمام على التمثيل المشرف مع الكثير من المكاسب الدعائية مضافا إليها المبلغ الذى يقدمه الاتحاد الدولى لكرة القدم (فيفا) كمكافاة تشجيعية على المشاركة وتحفيزا على وصول المنتخبات إلى الأدوار النهائية. ولكن هناك من الدول من يسعى إلى تنظيم البطولة حتى وإن لم يكن لتلك الدول تاريخ يذكر أو مستقبل مأمول فى اللعبة وهم متأكدون من الخروج المبكر، وفى مقدمة هؤلاء دول مثل: الولاياتالمتحدة وكندا وجنوب إفريقيا والمكسيك وغيرها.. فما هو الدافع لكل تلك الجهود؟.. وتأتى الإجابة : بأنه الحافز لتحقيق الفوز أيضا ولكن من منظور مختلف. لقد تحولت بطولة كأس العالم إلى مشروع اقتصادى واسع النطاق؛ فعندما استضاف الروس البطولة الحالية، أعلنوا تحديث البنية التحتية فى عدة قطاعات، وبلغت تكاليف البطولة وفق تقديراتهم ما يقارب 13,2 مليار دولار، وبذلك يصبح كأس العالم فى روسيا الأغلى فى التاريخ، وللمقارنة فقد كلف كأس العالم عام 2010 الذى تم فى جنوب إفريقيا 4,3 مليار دولار، بينما وصلت تكاليف كأس العام فى البرازيل عام 2014 قرابة 11 مليار دولار. روسيا لم تخف توقعاتها بأن تتجاوز عائدات بيع تذاكر المباريات، التى يفوق عددها 3,1 مليون تذكرة، مستوى 5 مليارات دولار. كذلك يتوقع أن ينفق المشجعون الأجانب على السكن والطعام نحو 5 مليارات دولار، كما يعول منتجو وبائعو الهدايا التذكارية أن ينفق 1,5 مليون سائح أجنبى تم توقع تدفقهم على روسيا ما يقرب من 1,5 مليار دولار، أى بمعدل 100 دولار للشخص. خبراء الاقتصاد الروس أكدوا أن البطولة ستعود على اقتصاد البلاد بتأثير مضاعف، حيث يدر كل روبل (العملة الوطنية فى روسيا) تم إنفاقه نحو 4,5 روبل، وقدر العائد الاقتصادى للبطولة ب 1,6 تريليون روبل، وهو أكثر بنحو 2,5 مرة من الأموال التى تم استثمارها، وفى مجال السياحة فقط، تم تقدير أن كل سائح أجنبى واحد سيزور روسيا خلال البطولة سيوجد 5 فرص عمل فى قطاع الفنادق والمطاعم. لم تأت تقديرات الروس من فراغ؛ فقد تبين لهم من البطولات الأخيرة أن البلد المستضيف يجنى منافع اقتصادية كبيرة، فعلى سبيل المثال، عادت بطولة كأس العالم على جنوب إفريقيا بنحو 5 مليارات دولار. إنه فوز ليس بالكأس إنما بالسوق حيث المال والاقتصاد والتجارة. ولم يدخل فى تلك التقديرات المكاسب المتعلقة بمتابعة البطولة عالميا، بداية من حقوق البث التليفزيونى وشركات الدعاية والرياضة والطيران والسياحة وصولا إلى ما ستحصده الكافيهات والكافيتريات والمقاهى من أرباح. وهكذا يتضح أن مباريات كأس العالم منذ بداية التصفيات القارية وحتى المباراة النهائية ومراسم تسليم الكأس قد تحولت مع مرور الزمن وتطور العالم من حلم وقيمة معنوية إلى العديد من القيم المادية المحضة فى قوالب مختلفة بداية من الدعاية والإعلان والإعلام مرورا بالاقتصاد والتجارة والسياحة وصولا إلى السياسة والأمن والعلاقات الدولية. ولكن من المؤكد أن الغلبة ستظل للقيمة المعنوية، التى يولدها الفوز فى المباريات، وللجماهير البسيطة "ذات القلوب الكبيرة" فهى من تحقق الفوز والنصر الحقيقى فى تلك اللعبة بكافة أشكاله... خالص الأمانى بمستقبل واعد لمنتخبنا الوطنى فى البطولات القادمة. لمزيد من مقالات طارق الشيخ