خمس سنوات مرت على ثورة 30 يونيو التى أنهت وإلى الأبد حلم جماعة الإخوان للاستيلاء على مصر، ومع ذلك فما زالت تلك الجماعة ومحركوها وأتباعها يحاربون المصريين متوهمين إمكانية العودة مرة أخري. ومع كل حماقة ترتكبها تلك الجماعة تزداد الهوة السحيقة التى قذفت الثورة الجماعة إليها عمقا. ومن ثم تواجه كل الدعوات التى تخرج بين الحين والآخر للمصالحة مع الجماعة بكل استهجان كونها جماعة إرهابية ليس فقط بحكم القضاء، ولكن بتصرفاتها وانصراف الشعب عنها. لقد توهمت الجماعة أن ثورة 30 يونيو إنما جاءت وفقط لسوء أدائها العام سياسيا واقتصاديا، بينما الحقيقة أن الثورة وقبل كل شيء كانت من أجل الحفاظ على هوية الدولة المصرية التى تعارف عليها المصريون منذ آلاف السنين. كانت ثورة لتصحيح مسار كاد يؤدى بالدولة المصرية. فالمصريون ثاروا قطعا للطريق وإفشالا للخطة التى وضعتها الجماعة لسرقة الهوية المصرية أو على الأقل العبث بها. عظمة 30 يونيو أنها فاجأت الإخوان والعالم بقدرة هذا الشعب على حماية مقدراته وفى القلب منها هويته وتاريخه. الحرب التى تتعرض لها مصر مستمرة منذ اللحظة الأولى للثورة. وهى فى الحقيقة حرب على الهوية المصرية، والدفاع عن تلك الهوية هو العامل الأساسى وربما الوحيد الذى ضمن وما زال يضمن نجاح الدولة فى مواجهة تلك الحرب على المستويين الداخلى والخارجى رغم كل التحديات الأمنية والمعاناة الاقتصادية التى يكابدها المصريون. ومن هنا تبوء كل المحاولات التى تبذلها الجماعة عبر إعلامها وعبر وسائل التواصل الاجتماعى وقبل كل ذلك عبر التواصل الشخصى لزعزعة ثقة المصريين وتأليبهم على الدولة بالفشل. باختصار فإن المؤكد أن اللحظة الراهنة أن الجماعة ما زالت فى طور إنكار أن ثمة ثورة قد قامت وأن ثمة شعبا قادرا على حماية تلك الثورة، وعدم العودة إلى حيث تريد الجماعة وأنصارها. وإذا كان ذلك هو الحال فيما يتعلق بجماعة الإخوان، فإن عدم إدراك حقيقة التغيرات التى أفرزتها ثورة 30 يونيو وعدم القدرة على التكيف معها يبدو هو الحال فيما يتعلق بفيلم كارما ومن قبله كثير من الأعمال السينمائية والدرامية التى ما زالت تدور فى فلك ما قبل عام 2011. ذلك أن محبى السينما خاصة عشاق سينما المخرج خالد يوسف انتظروا منه أن يخرج عليهم بعد 7 سنوات ابتعد فيها عن السينما وتفرغ للسياسة أن يخرج عليهم بفيلم يعيده إلى مكانته المتميزة بين مخرجى السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة بشهادة شباك التذاكر ونقاد السينما. انتظروا أو تصوروا أن يكون فيلمه الجديد انعكاسا لوعيه بالمتغيرات التى شهدتها مصر منذ عام 2011. فلا القضايا محل الاهتمام هى نفسها ولا طريقة معالجتها ينبغى أن تظل فى خانة ما قبل 2011. انتظروا أن تكون الثورة قد طالت طريقة تفكيره سياسيا وسينمائيا، ونظرته للتغيرات التى مرت وتمر بها مصر خلال تلك السنوات. كان التصور أن مرور خمس سنوات على ثورة 30 يونيو عام 2013 واصطفاف خالد يوسف منذ اليوم الأول مع فكرة الدولة وضرورة حمايتها من السقوط فى المستنقع الذى نعانيه دول ما سمى الربيع العربى كافيا ليدفعه لتقديم عمل مختلف عما اعتاد عليه. عملا يتماس مع القضايا الشائكة التى يواجهها المجتمع والتى تمثل التحدى الأهم الذى يهدد الدولة. عملا يتوافق والمزاج العام للمصريين ويعكس استيعابا لما تمر به الدولة والمجتمع. عملا يقدم خالد يوسف ما بعد الثورة وإيمانه بالحقيقة التى عبر عنها فى حواره المنشور الأربعاء الماضى بالمصرى اليوم، وهى أن المزاج النفسى للجمهور اختلف وأن جيل السينما قد اختلف، وأن الجمهور فى الوقت الحالى رافض للأفكار السياسية فى السينما بل وحتى «كافر» بالسياسة. البيئة كانت مهيأة تماما لنجاح العمل فقط بتلك المواصفات. كما أن الزوبعة التى أثارها سحب الموافقة على عرض الفيلم قبل يوم من عرضه الخاص كانت بمنزلة دعاية إضافية لم يحصل عليها أى فيلم آخر. وحسنا فعلت الجهات التى حددها خالد يوسف نفسه فى الرئاسة أو جهات سيادية أخرى بأن ألغت قرار منع عرض الفيلم. إنها فى الحقيقة تركت أو بالأحرى «سلمت» الفيلم ومخرجه للرأى العام، وكأنها تعلم قراره مسبقا، تماما ما كانت تعلم قراره يوم «سلمت» له الإخوان فى السلطة، فكانت «الفضيحة» الشعبية، وانصرف الجمهور عن الفيلم. وكما دخل الإخوان حالة الإنكار فإن محاولة خالد يوسف تحميل الجمهور مسئولية ما وصل إليه وضع الفيلم فى المنافسة مع الأفلام الأخرى هى فى الحقيقة إنكار أيضا لحقيقة المشهد الراهن وإصرار على عدم استقبال الرسالة الحقيقية للرأى العام. فالرأى العام لا يرفض الأفكار السياسية فى السينما بشكل مطلق ولا هو كفر بالسياسة عامة كما يدعى يوسف، بل إن الرأى العام رافض تلك الأفكار وكافر بها بالطريقة التى تقدم له بها سواء فى السينما أو فى الإعلام والتى لم تتغير قيد أنملة عن الطريقة التى كانت تقدم بها قبل عام 2011. وإذا كان الدرس الحقيقى الذى فشل الإخوان فى تعلمه من ثورة 30 يونيو هو أن الدولة المصرية وهويتها خط أحمر يعتبر الاقتراب منه أو العبث به بمنزلة شهادة وفاة سياسية لمن يرتكب ذلك الجرم، فإن الدرس الذى يجب على صناع السينما والدراما الانتباه إليه هو أن التغريد بعيدا عن اهتمامات الجماهير، وإعادة تقديم قضايا الماضى مغلفة بنفس الهوى الأيديولوجى أمر لم يعد مرحبا به حتى لو كان المخرج بحجم وشعبية خالد يوسف، ومعه كل هؤلاء النجوم الذين سعوا إليه طالبين المشاركة. فثورة 30 يونيو أكدت كما قال الرئيس السيسى قبل عامين »عدم إمكانية فرض الأمر الواقع على الشعب المصري، وأن من يتخيل نجاحه فى تحقيق ذلك يكون واهمًا، فإرادة الشعب المصرى أصبحت هى القوة المحركة التى تحدد مصير الوطن«، كما أكدت أن تجاوزها وإنكار الواقع الذى فرضته يعنى فشلا ذريعا للشخص أو الجماعة أو التيار السياسى أو حتى الدولة التى تحاول. لمزيد من مقالات ◀ د. صبحى عسيلة