كما قلنا أهلا رمضان، واجتهدنا فيه صلاة وصيامًا وقيامًا وقراءة للقرآن، فإننا نقول أهلا شوال، فرب رمضان هو رب شوال ورب سائر الشهور والأيام والأزمنة والأمكنة، وإن الله عز وجل قد أخفى رحمته فى طاعته فلا يدرى الإنسان بأى طاعة تفتح له أبواب القبول، ألم يقل نبينا صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشى بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذى كان بلغ منى فنزل البئر فملأ خفه ماء فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له فدخل الجنة» كما أن الله عز وجل، قد أخفى غضبه فى معاصيه فلا يدرى الإنسان بأى معصية يؤخذ، ألم يقل نبينا، صلى الله عليه وسلم: «دخلت امرأة النار فى هرة حبستها فلا هى أطعمتها ولا هى تركتها تأكل من خشاش الأرض». وإن الأعمال بخواتيمها، يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: «..إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها». وكان نبينا يسأل الله حسن الخاتمة، فعَنْ أَنَسٍ رضى الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ:يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ. فإذا كان رمضان قد مضى بما فيه من الخيرات والبركات والنفحات، فإن أبواب الخير كلها مازالت مفتحة، ولا يزال رب العزة سبحانه وتعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسطها بالنهار ليتوب مسيء الليل، فى رمضان وفى شوال وفى ذى القعدة وفى كل وقت وحين. على أن من ذاق عرف، ومن عرف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، فمن ذاق حلاوة الصيام والقيام وقراءة القرآن لا يمكن أن ينقطع بعد رمضان عن هذه العبادات، فقد ذكر أهل العلم أن من علامات قبول الطاعة حبها وزيادة الإقبال عليها، يقول الحق سبحانه: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ»، ويقول سبحانه: «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ»، فمن عاش مع القرآن الكريم فى رمضان لا يمكن أن يهجره بعد رمضان، كما أن من ألف القيام وذاق حلاوته لا يمكن أن يهجره بعد رمضان، فعندما تحدث الحق سبحانه وتعالى عن جزاء المتقين فقال: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ*كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لم يخص ذلك بليل رمضان، وعندما قال سبحانه فى وصف مقيمى الليل :س تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، ولم يقصر ذلك على رمضان دون سواه، إنما جعله فضلاً عامًّا فى سائر الأيام والشهور، فإذا اعتاد الإنسان على الطاعة وأحبها وألفها فى رمضان، فإن عليه أن يبقى على نهجه طوال العام، وقد حثنا النبى على عدم الانقطاع عن الصيام بانتهاء رمضان، بل حثنا على المبادرة بالصيام فى شوال، وهو ما عبر عنه النبى بالاتباع فقال: «مَن صام رمضان ثم أتبَعَه ستًّا من شوَّال كان كصيام الدهر». لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف