هو الكنية التى اشتهر بها ضابط الشرطة «سليم الأنصارى» بطل مسلسل كلبش فى الجزء الثاني. وأيا ما كان رأيك فى الأداء الفنى للفنان أمير كرارة فى أدائه دور ضابط الشرطة فى المسلسل، وأيا ما كان تقييمك للمستوى الفنى للمسلسل وبعيدا عن بعض الأخطاء الفنية التى وقع فيها، فقد حجز الفنان أمير كرارة ومسلسل كلبش مكانة هى الأفضل بين المسلسلات التى يتابعها الجمهور، بل إن سليم الأنصارى «باشا مصر» بات «أيقونة» لدى عموم المصريين وبطلا حقيقيا أثار إعجابهم وحاز على النصيب الأكبر من تعاطفهم، وبسببه أصبح كرارة أحد نجوم الدراما منذ العام الماضى ولسنوات قادمة لن تكون قليلة. وأيا ما كان رأيك فى المسلسل وأداء أبطاله فإن ضابط الشرطة الحقيقى يظل هو البطل الفعلى للمسلسل، ولن يمكنك تجاوز حقيقة أن عملا فنيا يناقش بموضوعية أحد أهم التحديات التى تواجه الدولة والمجتمع ويلبى اهتمامات أو شواغل وأسئلة الجمهور سيكتب له النجاح بصرف النظر عن كل العوامل الأخرى. الأمر الذى يبرر القول إن المسلسل وصناعه هم المدينون للشرطة وليست الشرطة هى المدينة للعمل على نحو ما يحلو للبعض تسويقه. إذ ادعى البعض أن الشرطة ومعها الدولة ساندت المسلسل باعتباره «يبيض» وجه الشرطة ومن ثم قدمت له كل التسهيلات واستخدموا ما قاله بطل المسلسل وصناعه من أن الشرطة وجهت لهم الشكر على المسلسل دليلا على امتنان الشرطة لذلك المسلسل، بينما تجاهلوا ما قاله أو ما حاول بطل المسلسل لفت النظر إليه من الفارق بين الدعم وبين التدخل فى أحداث المسلسل، حيث أكد أن الشرطة لم تتدخل مطلقا فى الأحداث. وفوجئ هؤلاء بأن الشرطة تكاد تكون الفئة الوحيدة من فئات المجتمع التى تناولتها الأعمال الدرامية التى لم تعترض على عرض نموذج يسئ إليها ممثلا فى مأمور السجن «أحمد حلاوة» الخائن والمتعاون مع الجماعات الإرهابية. ووضعا للأمور فى نصابها الصحيح، فكما أنه لا يمكن إرجاع نجاح المسلسل إلى المقومات الفنية بقدر ما يرجع إلى الموضوع المتمثل فى شخصية ضابط الشرطة التى دار حولها العمل، فإنه لا يمكن فهم محاولات الهجوم على المسلسل إلا على أنها محاولة للنيل من الشرطة والزعم بأن الشخصية التى يعرضها المسلسل لا تعبر عن الشرطة. وهى محاولة تأتى ضمن الطريقة المعتمدة لكثيرين منذ عام 2011 فى تسييس كل الموضوعات مادام ذلك يخدم أهدافهم ونزع السياسة أو فصلها عن كل الموضوعات فى حال كان الموضوع لا يخدم أهدافهم. إنه الصراع بين من سعوا خلال الأعوام السابقة منذ يناير 2011 إلى «شيطنة» جهاز الشرطة وبين من لا ينكرون وجود الأخطاء فى الشرطة شأنها شأن أى مؤسسة أو فئة أخرى من المجتمع، ولكنهم يؤمنون فى الوقت نفسه بأن دورها لا يمكن الاستغناء عنه، ويؤمنون كذلك بأنه لا يمكن بحال من الأحوال شيطنتها على النحو الذى روج له خلال السنوات السابقة، وأن تلك المحاولات كانت سببا رئيسيا فى الفوضى التى مرت بها مصر. لقد تعامل المسلسل مع الشغل الشاغل للدولة والمجتمع. إذ عرض للصراع بين الإرهاب والقوى الساعية للنيل من مصر والدولة ممثلة فى أجهزتها الأمنية والمجتمع. فالإرهاب بكل أشكاله هو التحدى الرئيسى الذى تواجهه مصر. واستطاع المسلسل بطريقة بسيطة للغاية أن يقترب بالمشاهد من لب ذلك الصراع، فعرض لكل الحجج الواهية التى يستخدمها الإرهاب والرد المنطقى عليها من أجهزة الدولة ممثلا فى شخصية الضابط صلاح الطوخى والمجتمع ممثلا فى الشخصيات العادية مثل ليلى «روجينا» والأسرة التى استضافت عائلة سليم الأنصارى وجارته فى مسكنه الجديد. بتعبير آخر فقد نجح المسلسل فى العودة بالدراما والفن عموما إلى لعب دوره المنوط به فى إطار الحرب التى تديرها أطراف عديدة ضد مصر الدولة. ودون أدنى مبالغة فقد نجح المسلسل فى إحاطة الرأى العام أو بالأحرى تحصينه ضد ادعاءات الجماعات الإرهابية وداعميها. باختصار لقد نجح المسلسل فى التواصل مع الرأى العام وتبسيط العديد من القضايا التى سعت الدولة ومفكروها لإقناع الرأى العام بها. والدرس المهم الذى يجب الخروج به من تلك التجربة هو أن الرأى العام فى أمس الحاجة لجرعة تنويرية غير متعالية عليه تعرف كيفية النفاذ إلى عقل وقلب المواطنين، وأن ذلك الرأى العام على استعداد تام للتفاعل واستقبال الرسائل العديدة التى حفل بها المسلسل. من بين تلك الرسائل المشاهد التى أشارت إلى مسئولية تركيا عما يحدث فى مصر ودعمها للجماعات الإرهابية باستخدام اللغة التركية وصورة أردوغان فى مكتب المسئولين فى الخارج عن تشغيل تلك الجماعات، إذ إنها رسخت حقيقة دور تركيا فى دعم الإرهاب بصورة منطقية للغاية فى إطار السياق الدرامى للمسلسل. ولأن تلك المشاهد بتلك الأهمية فلا يمكن استغراب الهجوم التركى عليها والاستياء منها باعتبارها الطلقة الأهم لفض الهالة التى عملت تركيا أردوغان خلال العقدين الماضيين على إحاطة نفسها بها. وهناك أيضا الرسالة التى حملتها مشاهد استشهاد صلاح الطوخى ومساعده وليد، إذ أظهرت الثبات وعدم الجزع من ملاقاة الشهادة والحرص على نطق الشهادة دفعا للاتهام الذى تروجه الجماعات الإرهابية بأن ضباط الشرطة من الطواغيت محاربى الله ورسوله. الرسالة الثالثة هى ما حملته مشاهد التعامل مع الإرهابى العائد والتائب وكيفية احتوائه وحمايته من غدر الجماعات الإرهابية التى لا تقبل فكرة الانشقاق عنها، فالشرطة فتحت الباب لإعادة ادماج العائدين الذين لم تلوث أياديهم بدماء المصريين. الرسالة الرابعة هى أن الدولة ليست فى وارد التراجع عن مواجهة الإرهابيين والانتصار عليهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات، فاستشهاد الضباط حتى المقربين منهم من سليم الأنصارى لم يفت فى عضده ولا عضد الشرطة فى مواصلة تحديهم للإرهابيين وإصرارهم على مواصلة مهمتهم. أما الرسالة الأهم والتى ربما جاءت ضمنية فهى حالة الحرمان الأسرى التى فرضها «باشا مصر» على نفسه فى سبيل إنجاز مهمته التى أقسم عليها وهى حماية الوطن والانتقام من كل من يستحل دماء المصريين ويهدد أمن واستقرار الدولة. لمزيد من مقالات ◀ د. صبحى عسيلة