عندما سافر منتخب مصر إلى كمبالا لمواجهة منتخب أوغندا فى تصفيات المونديال، إحتشدت الجماهير فى المقاهى للإحتفال بخطوة إضافية للفريق فى الطريق إلى روسيا، إلا أن المنتخب الأوغندي فاز بهدف نظيف، وعندما خيمت سحب كئيبة على سماء الكرة المصرية، لأن الحلم المؤجل من 28 سنة كاد يتوارى، كانت المفاجأة أن الكونغو التى لا تنافس تعادلت مع غانا، وما حدث من دراما فى برج العرب بين مصر والكونغو حين تحقق حلم التأهل فى وقت من اليأس والدموع.. يؤكد أن دراما كرة القدم هى سر اللعبة التى لا تعرف المستحيل. لذلك فإن الواقع الذى يراه البعض قبل مباراة مصر والأورجواى لابد ألا يؤثر على ما تتمناه الجماهير المصرية، فكم من منتخبات خالفت الواقع.. وحققت المأمول، يضاف إلى ذلك أن مرحلة المجموعات فى المونديال لها طبيعتها وحساباتها الخاصة، والتى قد تتأرجح من جولة لأخرى، لهذا فإن الهدف أو المخطط الذى يسير به الأرجنتيني هيكتور كوبر فى ترتيبه للمباراة الأولى يبدو منطقيا للغاية، حيث قال الرجل : "أنا كمدرب أعطى الأولوية لتفادى الأخطاء الدفاعية"، وربما يكون فى ذلك فلسفة مختلفة عن رغبة الجماهير التى تستمتع بمشاهدة منتخب بلادها يقدم أداء فيه كثيرا من المحاولة والضغط على المنافس، ولكن فلسفة "الحذر" التى يتبعها كوبر ، ستكون هى نفس فلسفة كثير من المدربين الذين يقودون جميع المنتخبات خلال مباراتهم الاولى فى كأس العالم، كما وصفها على أبو جريشة قائد الإسماعيلى ومنتخب مصر السابق قائلا: المنتخب الوحيد الذى سيلعب كرة مفتوحة منذ المباراة الأولى هو منتخب البرازيل فقط! ان النظر بعمق الى مباراة مصر مع الاورجواى يشير إلى عدة أشياء حسابية وفنية، فقد يحسب البعض المأمول بالنسبة له بمنطق أن التعادل جيد، فى ظل وجود مباراتين أخرتين مع روسيا والسعودية، وإن حدث الفوز فسيحمل شعورا رائعا، وطموحا بلا حدود، دون أى رغبة للتفكير فى غير ذلك، رغم أن الخسارة التى لا نتمناها لا تعنى نهاية المشوار (وفقا لنفس المنطق الحسابى)، مادامت هناك جولات اخرى متبقية، ونتائج للأخرين قد تساندنا فيها دراما كرة القدم، تلك التى تبدو أحيانا مثل أحد الأفلام الهندية الصاخبة الراقصة الحزينة التى يفيض فيها نهر الدموع على ألحان الموسيقى.. فهى لعبة لا تعترف بأية حسابات مسبقة، ولا يمكن فيها كتابة سيناريو مسبق بنهاية محسوبة فى أخر الفيلم .. فمن يدرى؟! أما على الصعيد الفنى، فقد يحمل الواقع فيه عدم مشاركة محمد صلاح، على عكس المأمول لدى الجماهير المصرية التى تترقب بشغف لمشاهدة أبنها يقود منتخب الوطن بعد تلك النجاحات التى حققها مؤخرا فى بلاد الأنجليز، وتحوله إلى لاعب شهير فى العالم، وأصبح عنوانا لمنتخب مصر فى كثير من وسائل الإعلام العالمية، ولكن فى حالة غيابه عن المباراة الأولى، لا يجب ان ينظر أحدا لمنتخب مصر بأنه سيكون بلا عنوان أمام الأورجواى، بل من المهم تعزيز منسوب الثقة لدى بقية اللاعبين، لأنهم سيؤسسون لما يمكن أن يبنى صلاح معهم عليه حين يعود جاهزا مكتمل الشفاء، خاصة أن الصحف العالمية أصبحت تتحدث عن المنتخب المصرى بكثير من التقدير، بل وتناولت وكالة الأنباء الألمانية فى تقرير لها بأنه من الظلم وصف منتخب الفراعنة بأنه منتخب اللاعب الواحد، وأن فرصة الصعود الى الدور الثانى لا تعتمد على محمد صلاح وحده، ولكن على أداء الفريق كاملا، ولعل التركيز على محمد صلاح وحده لن يصب فى مصلحة الفريق! ان منتخب مصر به العديد من العناصر الجيدة سواء فى خط الدفاع مثل احمد حجازي وعلى جبر (او سعد سمير) ومحمد عبد الشافى واحمد فتحى القادرة على ايقاف خطورة مهاجمى الاورجواى الخطيرين سواريز وكافانى، كما أن الدفاع المتقدم من طارق حامد فى الوسط، وعقلية الننى الاحترافية فى نقل أصحاب الهوايات الهجومية سريعا للأمام، إلى جانب مهارة عبد الله السعيد كصانع ألعاب، وسرعات تريزيجيه وتحركاته الجيدة بالكرة وبدونها نحو مرمى المنافس، وقوة مروان محسن كمهاجم لا يخشى الإلتحامات مع المدافعين بحثا عن التسجيل، كلها أمور جيدة، بالتأكيد سيعززها دقة محمد صلاح فى التسديد وإحراز الأهداف، ولكن المأمول أن يلعب المنتخب بجدية وبروح قتالية، وأن يدرك أهمية الاستحواذ، والحفاظ على الكرة، لأن ذلك يزيد من الثقة، وأقل طموحات الجماهير المصرية أن تشاهد منتخب بلادها يلعب كرة جيدة فيها شيئ من المحاولة .. والتنظيم.