خاضت وزيرة دنماركية عن قصد أو عن جهل فى الحديث عن صيام المسلمين فى بلادها وأنه خطر على الأمة الدنماركية لأنه يؤثر سلبا على الإنتاج وشرحت قصدها بمثال السائق الذى لا يأكل ولا يشرب لمدة تزيد على العشر ساعات فكيف سيركز فى عمله، يشفع لهذه الوزيرة أنها لم تذق حلاوة الصيام «ومن ذاق عرف»، أما نحن المسلمين الذين خضنا كالذى خاض فى هذا الكلام ومناَ من كتب أن يأخذ المسلمون فى أوروبا إجازة فى شهر الصيام، ومناَ من خاض فى صيام وفطر لاعبى الكرة عند التدريب استعدادا للبطولات الدولية، ومن ألقى باللوم على اللاعب الفلانى أنه لم يكن على المستوى المطلوب لأنه صام ولم يستخدم رخصة الفطر التى أحلها الله والعكس تماما، هناك من لام على اللاعب الآخر أنه أفطر ولو أنه صام لفتح الله عليه، وهاجت وسائل التواصل الاجتماعى بهذه التَرهات والتفاهات وعقدت المناقشات ونصبت المشانق لمن صام وأفطر، وكانت المقارنات بين من صام وعبر فى حرب 73 ومن صام فى معركة بدر الكبرى. من أبلغك أنت وهو وهى بصيام أو فطر من عبروا القناة ومن حاربوا فى بدر، من اطِلع على خلوف فمهم غير الله تعالى !. لماذا تدخلنا فيما لا يعنينا وتركنا وراءنا قول الله تعالى الذى حكاه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم «كل حسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به»، إن الصيام بالذات من الفرائض التى لا تكون على مشهد من الناس فلا يراه إلا الله لأنه عمل فى ضمير الإنسان بالصبر المجرد بعكس جميع أعمال الطاعات فهى على مرأى ومسمع من الناس، ثم هلاَ نظرنا إلى أنفسنا وانشغلنا بها وسألناها هل صامت قولا وفعلا وسلوكا وليس عن الظاهر فقط أكلا وشربا؟. فى ختام رمضان لابد من محاسبة النفس لنرتقى فى الأعوام المقبلة بإذن الله ولا نكون فى أمة صامت عن أكلة واثنتين فقط ثم جمعتهما بعد المغرب ولكن لم تصم عن سمع ومشاهدة كل بذىء عرض على الفضائيات ولم تصم كذلك عن الضحك مع الشتائم والسباب والقاذورات التى تم عرضها، لقد روى عن الحسن بن أبى الحسن البصرى أنه مرَ بقوم وهم يضحكون فقال :«إن الله جعل شهر رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا وتخَلف أقوام فخابوا فالعجب للضاحك اللاعب فى اليوم الذى فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون، فهل فهمنا بعد 27 يوما من الصيام معنى التخلق بخلق من أخلاق الله عز وجل وهو الصمدية ومعنى الإقتداء بالملائكة، فكم من صائم مفطر جاع وعطش ولكنه أطلق جوارحه للغيبة والنميمة وفاحش القول وكم من مفطر صائم أكل وشرب ولكنه حفظ جوارحه عن الآثام، وهذا بالضبط هو الفرق بين صوم العموم وصوم الخصوص ثم صوم خصوص الخصوص، فالعامة يصومون بامتناعهم عن الأكل والشرب والخاصة يصومون بكف السمع والبصر واللسان واليد والرِجل وسائر الجوارح عن الذنوب والمعاصى، أما خاصة الخاصة فتصوم قلوبهم عن دنايا الهمم والأفكار الدنيوية ويصوم فكرهم إلا من الله عزَ وجلَ واليوم الآخر، وإذا فكروا فى الدنيا فتكون دنيا تراد للدين كما قال الإمام أبو حامد الغزالى فى كتابه إحياء علوم الدين، فياربنا اجعل حبك حبين، كما كانت تدعو رابعة العدوية حب الهوى وحبا لأنك أهل لذاك فأما الذى هو حب الهوى فشغلنى بذكرك عمن سواك وأما الذى أنت أهل له فكشفك لى الحب حتى أراك. لمزيد من مقالات ◀ سهيلة نظمى