«موائد الرحمن» مظهر من مظاهر التراحم والتكافل بين البشر، يتكرر كل عام فى شهر رمضان؛ شهر الخير والرحمات. وهذا العام قمنا بجولة على موائد الرحمن، لرصد التحولات التى طرأت على الظاهرة الطيبة عبر السنوات، فى ظل تزايد الأعباء الاقتصادية وارتفاع الأسعار، وتأثير ذلك على نوعية الخدمة المقدمة ومرتادى الموائد ومن يقيمونها. ................................. فى أحد أعرق شوارع القاهرة بباب اللوق فى حى عابدين، نجد العاملين بإحدى الموائد يقفون على قدم وساق ساعة الإفطار، ويقومون بدأب بغَرف الطعام فى الأطباق أمام الصائمين، فى ظل تزايد أعداد السيدات وأطفالهن بشكل لافت للنظر فى مختلف الموائد بشكل عام. وفى جانب من المائدة جلس رجل يرتدى ملابس أنيقة ينتظر تقديم الطعام له، وبجواره آخرون من البسطاء، فالموائد لم تعد تقتصر على خدمة فئات معينة بل نجد كثيرين يدخلون إلى المائدة إذا حل موعد أذان المغرب عليهم وهم فى الشارع، خاصة من سائقى سيارات التاكسى وغيرهم. صاحب المائدة يرسل أيضا علب الطعام لبعض الأسر التى يعرفها، ومنهم الفقراء وكبار السن غير القادرين على الحركة، بينما تأتى سيدة يبدو من ملابسها أنها مسيحية وتحصل على علبة طعام من العاملين فى المائدة. والمفاجأة وجود شباب مسلمين من إفريقيا من ذوى البشرة السمراء يجلسون على أحد المناضد بينما يضع عمال المائدة الأطعمة أمامهم. اللحم غال والدجاج أيسر محمد عرفة مدير عام بمديرية الشباب والرياضة بالمعاش قال لنا إنه أقام المائدة منذ 35 عاما، حيث كانت أول مائدة فى نفس المكان لثمانية أفراد من أصدقائه، وبالمقارنة بالماضى فإنه يوجد فارق كبير فى الأسعار حيث كانت التكاليف بسيطة حتى وقت قريب، فقد زادت تكاليف المائدة بمقدار أكثر من عشرة أضعاف. وأقوم يوميا بتجهيز ما بين 150 و 180 وجبة، والعاملون بالمائدة؛ بعضهم يعمل بالمطعم، والباقون يقومون بالخدمة بشكل تطوعى، وأجر العامل يتراوح بين 75 و150 جنيها غير ما يأخذه من الوجبات، وبعضهم يأتى ب «حلل» حتى يأخذ كميات كبيرة. ويقول: نبدأ بإعداد العرقسوس فى الثانية ظهرا، وبعد صلاة العصر مباشرة نعد الطعام للصائمين، ويكون مكونا من اللحم أو الدجاج، والسلطة أو الباذنجان المخلل، بالإضافة إلى بعض الحلوى مثل الأرز باللبن أو بلح الشام وقطعة البسبوسة أو الكنافة، والعصائر تكون أحيانا تفاحا أو جوافة، ومنذ أوائل رمضان لم نقدم اللحم واكتفينا بالدجاج بسبب الأسعار، حيث يحتاج اليوم الواحد إلى 14 كيلوجراما من اللحم، وتتزايد الكميات المطلوبة من الدجاج على مدى الشهر من 24 إلى 45 دجاجة، مع تزايد الأعداد. وبعض الجيران من السيدات تساعدنا فى المائدة، حيث قامت إحداهن مرة بعمل مكرونة، وأحيانا تقوم زوجتى بإعداد بعض الحلويات. وفى حى العباسية، ذكر لنا أحمد سامى المسئول عن مائدة جمعية الوحدة الإسلامية التابعة للشئون الاجتماعية بالوايلى أن المائدة يُرصد لها سنويا مبلغ عشرين ألف جنيه، بالإضافة إلى التبرعات العينية والمادية التى تأتى إلى الجمعية بغرض إعداد المائدة فى رمضان، وعدد العاملين بها عشرة أفراد منهم متطوعون، وغالبا يكون التجهيز أول يوم ثم شراء اللحم والدجاج والخضار وأحيانا عمل كفتة، وغالبا ما يأتى إلى المائدة «لحمة وكبدة» من التبرعات. ولليوم الواحد نقوم بشراء 10 كيلوجرامات أرز أو مكرونة وأربعة زجاجات زيت وعشرة كيلوجرامات طماطم أو صلصة وعمل العصائر حتى شراء الثلج أو البلح. ولدينا بالجمعية 110 كراسى للإفطار، وكان الحضور فى الأيام الأولى ضعيفا، لكنه يصل فى الأيام الأخيرة إلى 160 صائما، كما أن هناك وجبات يأخذها صائمون مثل أفراد الأمن وعمال بعض المساجد التى بجوار الجمعية وكل هؤلاء لهم وجبات من المائدة. ضيوف الرحمن أما مرتادو موائد الرحمن فقد كانت لهم آراؤهم أيضا بشأن الخدمة المقدمة، والفروق بين الماضى والحاضر، حيث قال فوزى محمد موظف بشركة فى شبرا إن الموائد كانت فى السابق أفضل بكثير من اليوم، وكانوا يقدمون أحسن الأطعمة للصائمين، وكان الخير كثيرا، لكن الآن لم تعد الوجبة تكفى الصائم. لكن علاء إبراهيم الذى جاء من محافظة المنيا للكشف الطبى بأحد المستشفيات قال إنه عندما أفطر بالمائدة وجد أن الطعام جيد، ولا ينقصه شيء، الخضار واللحم والحلويات، وهذا شيء رائع. أما على محمد عامل بمستشفى قال إن الدنيا مازالت بخير بسبب إقامة هذه الموائد «لأن فيه ناس تعبانة كثير ومحتاجين»، لكنهم يخجلون من الكلام فى هذه الأمور عن أحوال المعيشة، خاصة الذين يفطرون على موائد الرحمن، لكن مصر عمار دائما بفضل أهل الخير. أفضل وأوفر نجوى أحمد عاملة، تحدثت بصراحة قائلة إن لديها طفلين، والأكل على المائدة أفضل وأوفر وأحلى من البيت، وذلك بسبب نار الأسعار، فمائة جنيه لا تكفى لإعداد وجبة طعام فى المنزل، ودخلها الشهرى 1200 تشترى منها يوميا بعشرة جنيهات إفطار للطفلين، ومصروفات الحضانة 400 جنيه، وبذلك فالدخل البسيط لا يكفى «العيش فقط»، ولذلك أفطر أنا وزوجى والأولاد على المائدة، وتشير إلى أن إحدى السيدات وهى ربة منزل لا تعمل تقوم بالمساعدة والعمل فى إعداد المائدة، وتفطر بها هى وأولادها يوميا، بل ان صاحب المائدة يعطيها أيضا أجرا عن عملها كمساعدة لها. نعم للمائدة ولا للشارع يؤكد سامى رضوان سورى أنه يأتى الى مصر كل اربعة او خمسة شهور وذلك لانه يعمل فى ادوات التجميل . وقال إن موائد الرحمن تعد أمرا طيبا حيث يتميز الشعب المصرى ويوصف بالكرم ولقد شاهد بعض الموائد بحى الزمالك ولكن كانت المائدة بالشارع وهذا شيء غير حسن وذلك لان الطعام بهذه الصورة التى رأيتها تكون عرضة للتلوث وتضر بصحة الصائم وكذلك طريقة غرف الاطعمة بالايدى ووضعها فى الهواء تكون اكثر ضررا . ويرى رضوان سورى أنه يجب على كل مسئول عن تلك الموائد أن يعد وجبات سريعة تكون بعلب وهذا يعد أفضل وأكرم وصحيا للصائم كما يجب ان يكون هناك متابعة أو أشراف من وزارة الصحة حتى تتأكد ان تلك الاطعمة معدة بشكل صحيح وهل يتم تجهيزها فى نفس اليوم ام هى بواق من اليوم السابق لأن هذه الظاهرة الرمضانية التى تميز أهل مصر دون سواها ينبغى الحفاظ عليها كاحد معالم القاهرة المحروسة دون سواها ولهذا لا ينبغى أن تكون الشروط الصحية خارج إشراف الدولة.