هو القاضي المسلم الفقيه المحدث شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي, كان قاضي الكوفة لستين سنة حكم فيها بالعدل, قال فيه علي بن أبي طالب هو أقضي العرب, عاش في زمن النبي صلي الله عليه وسلم في اليمن وأسلم قبل وفاة النبي بخمس سنوات لكنه لم يتمكن من رؤية النبي فاعتبر من التابعين, كان أشد من أحب صفة العدل وكان ذلك هو سبب إسلامه لأنه تعرض للظلم فأحس أن المظلوم بحاجه إلي من ينصفه, ففي عمر الرابعة أو الخامسة, اصطحبه أبوه في سفر, وفي طريقهم مع القافلة, رفض الأطفال المرافقين لهم اللعب معه, فأعرض عنهم ليلعب وحيدا, فرآه أبوه بعيدا عن القافلة فخاف أن يخطتفه قطاع الطريق فنهره. فسمعها الغلمان المرافقين له فضحكوا عليه ثم قالوا له لنلعب معك, قف حيثما كنت, وسنختبئ ثم نأتيك, ثم ذهبوا إلي أبيه يخبرونه أنه عصاه, فضربه أبوه, ولم يقدر علي أن يدافع عن نفسه, يقسم لأبيه أنه مظلوم ولا يجد الدليل الثابت فيستمر في ضربه, فأثر فيه أن المظلوم يحتاج إلي الإنصاف عندما لا يجد شاهدا ولا دليلا, وتأثر فيما بعد بقوله تعالي فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون( البقرة113), وفي الثلاثين من عمره, بعث رسول الله صلي الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلي أهل اليمن فأسلموا, فسأله شريح: بماذا يأمر دينك؟ فأجابه بقوله تعالي إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون( النحل90), فبرقت عينا شريح, فسأله: بماذا يدعو دينك أيضا؟ فأجابه وقد أحس بتأثره بمقولة العدل- بقوله تعالي إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا( النساء58), فسأله ثالثة إلام يدعو دينك أيضا؟ فأجابه بقوله تعالي يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون( المائده8), فسأله وماذا يقول نبيك؟ فأجابه سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أولهم إمام عادل, فاستبشربذلك الدين الذي يدعو للعدل ودخل في الإسلام, فطلب من علي أن يعلمه سورة من القرآن, فاختار له علي- وكان قد سمع قصته وما حدث بأمه- سورة النساء, التي تتحدث عن العدل مع ضعفاء القوم. وفي يوم جاءه ابنه ذات مرة مختصما, فاستشاره هل يرفع عليهم قضية يعلم أنه سيكسبها, أم الأحسن أن يصالحهم؟ أجابه أن ينطلق ويرفع القضية, فرفع القضية أمام أبيه فأكسبهم القضية ضد ابنه, فتعجب ابنه سائلا عن السبب- خصوصا بعدما استشاره- فرد أنك يا بني أعز علي من أمثالهم, لكن العدل أعز علي منك, وإني خشيت إن قلت لك أن تصالحهم أن تكون فوت عليهم شيئا من حقهم فقضيت لهم, وفي موقف آخر, كان ذات الابن يكفل طرفا في قضية, فأخذ ذلك الرجل المال وهرب به, فأصدر شريح حكما بحبس ابنه ثلاثين يوما, في كل يوم كان يذهب إليه بالطعام قائلا: تذكر يا بني حديث النبي صلي الله عليه وسلم: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يد فاطمة. وعند وفاته كان يبكي بكاء شديدا, فسئل لماذا, فأجاب أنه في مرة لم أسو بين متخاصمين. قالوا كيف, قال مال قلبي لأحدهم, رحم الله ذلك الإمام العادل الذي لا يخشي في الحق لومة لائم.