أدت المؤسسات الدينية دورا بارزا في النشاط العلمي والسياسي في المجتمعات الاسلامية, فالمؤسسة الدينية عامل فاعل في تشكيل الهوية الاسلامية منذ القدم, وقد وافق البدء في انشاء كثير من هذه المؤسسات شهر رمضان الكريم, وهو امر ليس بمستغرب, اذ كانوا يتبركون بهذا الشهر فيضعون فيه حجر الاساس لبناء المؤسسة الدينية مخلصين لله, مما ساعد علي استمرار هذه المؤسسات لتنشر روح الاسلام في ربوع العالم. ففي الرابع والعشرين من رمضان عام عشرين للهجرة تم بناء مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه بالفسطاط وفي التاسع والعشرين من رمضان سنة50 ه أمر عقبة بن نافع ببناء مدينة القيروان لتكون حصنا منيعا للمسلمين ضد اعتداءات الروم والصليبيين, وبعد ذلك بعام وفي العشرين من رمضان بني مسجد القيروان علي يد القائد المسلم عقبة بن نافع وفي الثاني عشر من رمضان سنة254 ه دخل احمد بن طولون مصر, وبعد ذلك بأحد عشر عاما وفي الثاني عشر من رمضان ايضا بني جامع ابن طولون في القاهرة. ومن اهم ما يذكر في شهر رمضان في هذا المجال البدء في بناء الجامع الازهر الشر يف بالقاهرة, وكان ذلك في الرابع عشر من شهر رمضان سنة359 ه واستغرق بناؤه حوالي سنتين تقريبا, وفي السابع من رمضان سنة361 ه اقيمت الصلاة لاول مرة فيه, وهكذا صار الازهر مسجدا للعبادة وجامعة للعلم والعلماء. والازهر الشريف منذ تأسيسه وهو يحافظ علي هوية مصر الاسلامية ويعني بالثقافة الاسلامية وخدمة الاسلام والمسلمين, اضافة الي دوره العريق في الحفاظ علي التراث الاسلامي ونشر الدعوة, فلا احد ينكر دور الازهر علي مر التاريخ باعتباره المنارة الكبري للعالم السني قاطبة. وقد أسهم الازهر الشريف بدور محوري في الحياة المصرية الي جانب دوره الديني منذ نشأته, فهو أداة بالغة الاهمية في تشكيل الشخصية المصرية في الداخل والخارج من ناحية تأثيره القوي علي المجتمع, ويرجع ذلك الي الطبيعة الدينية المتغلغلة في وجدان المصريين جميعا. كما وقف الازهر في وجه الحملة الفرنسية علي مصر بقيادة نابليون وحرض الشعب المصري علي الثورة مما جعل نابليون يقصف الازهر بالمدافع ويدخله بالخيول, وفي مقاومة الاحتلال كان لطلبة الازهر دور بارز حيث قادوا الثورات وحشدوا ضد المحتل الغاصب, وقام سليمان الحلبي الطالب الازهري بقتل كليبر نائب بونابرت. وظل الازهر واشياخه يؤثرون في صناعة السياسة المصرية, حيث افتي شيخ الازهر الامام شمس الدين الإنبابي بعدم صلاحية الخديوي توفيق للحكم بعد ان باع مصر للاجانب, مؤيدا احمد عرابي وانصاره, مما ادي الي تدخل السلطة في شئون الازهر للنيل من صلاحياته. وقد نبع هذا الوعي لدي علماء الازهر عبر العصور ليقينهم ان تعاليم الدين تحض علي الحرية وعدم الرضوخ لظلم, وان افضل الجهاد قول الحق ولو كان مرا, فقد ورد ان رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغز: اي الجهاد افضل؟ قال: كلمة حق عند سلطان جائر( سنن النسائي4226) فضلا عن علمهم القاطع بأن العلماء ورثة الانبياء, ومن ثم اخذوا علي عاتقهم بناء الانسان المسلم السوي الذي يكون مناصرا للحق حاميا لدينه ووطنه, مهموما بمستقبل هذا الوطن وابنائه, اذ من لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم. ( المعجم الاوسط للطبراني7683) هكذا كان دور الازهر ولايزال في بناء الشخصية المصرية الوسطية المعتدلة, ولاغرو فهو منارة العلم ومصدر الاعتدال ومركز وحدة المجتمع, والمدافع عن الفهم الصحيح للاسلام من خلال ادراك جوهره العظيم, بعيدا عن التطرف والغلو, متخذا المنهج الو سط سبيلا له في التعامل مع عقل الانسان ووجه وجسده. لقد كان من الحسنات العظيمة والكبري في شهر رمضان بناء هذا الصرح الشامخ ليظل صامدا كالطود العظيم في نشر مبادئ الاسلام وتعاليمه واخلاقه السمحه التي جعلت الناس تدخل في دين الله افواجا, فضلا عما يمثله الازهر من بعد تاريخي ظهر في قيادة الحركة الوطنية نحو الحرية,والاستقلال, ويعد عملي تمثل في قيادة حركة المجتمع وتشكيل كثير من قادة الرأي في الحياة المصرية العامة. المزيد من مقالات د. علي جمعة