رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    تنطلق الأربعاء 15 مايو.. جدول امتحانات الصف الثالث الإعدادي الأزهرية 2024 بالمنيا    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    مجلس الدولة: على الدولة توفير الرعاية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة    وزير الأوقاف: لنقف صفًا وسطيًا حقيقيًا في مواجهة أي محاولة اختراق لمنهج الأزهر الوسطي    حصاد القمح، توريد 206,467 طن لصوامع وشون المنيا (صور)    التنمية المحلية: 50 ألف طلب تصالح على مخالفات البناء خلال أسبوع    بمشاركة 110 شركة.. نقيب الزراعيين يفتتح معرض الوادي لتقنيات الزراعة الحديثة بالأقصر    وزر النقل: لا استيراد لأي مهمات خاصة بالسكك الحديدية، وتصنيعها محليا    توريد 75 ألف طن قمح بالقليوبية    وزيرة الهجرة تبدأ جولة في بني سويف ضمن مبادرة «مراكب النجاة»    سامح شكرى يترأس وفد مصر باجتماع مجلس الجامعة العربية بالبحرين    متحدثة أممية: 450 ألف فلسطيني دون مأوى بسبب النزوح القسري    البنتاجون يرفض التعليق على القصف الأوكراني لمدينة بيلجورود الروسية    كوريا الجنوبية تعزز جاهزية الجيش للرد على جميع التهديدات    دبابات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل تجاه وسط رفح    أول تعليق من مبابي حول إعلان انتقاله لفريقه الجديد    وفاة ملاكم بريطاني في أول نزال احترافي له    إبراهيم حسن يوضح حقيقة تصريحات شقيقه الصادمة بخصوص لاعبي المنتخب    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    "وش السعد".. ألقاب الأهلي على ملعب رادس قبل نهائي دوري الأبطال    ضبط شخص بأسيوط لقيامه بمزاولة نشاط إجرامى تخصص فى تزوير المحررات الرسمية    درجة الحرارة الآن.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 14-5-2024 (تفاصيل)    خلال 24 ساعة.. ضبط 14028 مخالفة مرورية متنوعة على الطرق والمحاور    تكثيف أمني أمام جلسة محاكمة 57 متهما بقضية اللجان النوعية للإخوان    إلغاء العام الدراسي لطالب ورسوبه بسبب الغش واستخدام الهاتف المحمول في الجيزة    «التعليم»: لجان مراقبة داخل لجان امتحانات الثانوية العامة 2024    «تشويش بالتهميش».. يوسف زيدان يكشف سبب اعتراضه على مناظرة عبدالله رشدي وإسلام البحيري    بمناسبة يومها العالمي، وزارة الثقافة تفتح أبواب المتاحف مجانا عدة أيام    من الكليبات لعضوية لجنة التحكيم بمهرجان كان، نادين لبكي قصة نجاح    أنور وجدي.. أبرز صُناع السينما المصرية في تاريخها.. حلم بأن يكون النسخة المحلية من شارلي شابلن.. أول أجر حصل عليه قرشان.. وهذا هو اسمه الحقيقي    السيد عبد الباري: من يحج لأجل الوجاهة الاجتماعية نيته فاسدة.. فيديو    رئيس جامعة القاهرة: زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين 25%    تنظيم مقابل الخدمات بالمستشفيات الأبرز، تعرف على توصيات لجنة الصحة بالبرلمان    طريقة عمل وافل الشيكولاتة، لذيذة وسهلة التحضير    جامعة القاهرة تقرر زيادة قيمة العلاج الشهري لأعضاء هيئة التدريس والعاملين    مصر تدين الهجوم الإرهابي الذي وقع في محافظة صلاح الدين بالعراق    الطاهري: مصر تباشر دورها وحرصها الدائم على إيقاف نزيف الدماء الفلسطينية    مفتي الجمهورية يتوجَّه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى «كايسيد» للحوار العالمي    5 أبراج تتميز بالجمال والجاذبية.. هل برجك من بينها؟    تطورات أزمة شيرين عبد الوهاب ضد روتانا |تفاصيل    رئيس جامعة بنها يترأس لجنة اختيار عميد كلية الهندسة    يوسف زيدان يهدد: سأنسحب من عضوية "تكوين" حال مناظرة إسلام بحيري ل عبد الله رشدي    الأنبا يواقيم يرأس صلوات قداس عيد استشهاد الأم دولاجي وأولادها الأربعة بالأقصر (صور)    الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانًا بمدينة حدائق أكتوبر    قرار عاجل من «الداخلية» بشأن آخر مهلة لتوفيق أوضاع الأجانب و«ضيوف مصر» (الموعد)    ارتفاع معدل التضخم في إسبانيا إلى 3.3% خلال أبريل الماضي    تعرف على إرشادات الاستخدام الآمن ل «بخاخ الربو»    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    الحكومة التايلندية توافق على زيادة الحد الأدنى الأجور إلى 400 باهت يوميا    حكم الشرع في زيارة الأضرحة وهل الأمر بدعة.. أزهري يجيب    ما حكم عدم الوفاء بالنذر؟.. دار الإفتاء تجيب    إجازة كبيرة للموظفين.. عدد أيام إجازة عيد الأضحى المبارك في مصر بعد ضم وقفة عرفات    لطفي لبيب: عادل إمام لن يتكرر مرة أخرى    برشلونة يسترد المركز الثاني بالفوز على سوسيداد.. ورقم تاريخي ل تير شتيجن    إبراهيم حسن يكشف حقيقة تصريحات شقيقه بأن الدوري لايوجد به لاعب يصلح للمنتخب    سلوى محمد علي تكشف نتائج تقديمها شخصية الخالة خيرية ب«عالم سمسم»    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك يوماً يتجلى فيه لطفك ويتسع فيه رزقك وتمتد فيه عافيتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد عبد المعطى حجازى:
أشعر الآن بالحزن والعطف على القاهرة

* حركة التجديد التى قام بها شعراء جيلنا وغيرهم كانت نقلة مهمة جدا فى تاريخ الشعر والأدب العربى عموما لأن الشعر هو الأدب العربى فى الحقيقة
* الأستاذ العقاد أنكر أن يكون شعرنا موزونا وهو موزون وعندما نقول إن قصيدة النثر ليست موزونة باعتراف الذين يكتبونها ويطلقون عليها هذا الاسم فنحن على حق لأنها بالفعل ليست موزونة
* موقفى من قصيدة النثر من حيث الظاهر يشبه موقف العقاد لأنه وقف فى وجه تيار جديد وأنا أقف فى وجه تيار جديد لكن هذا التيار لا يشبه ذاك ربما يكون لى فى هذا الموقف بعض الحق
الشاعر حجازى فى أثناء حواره مع «الأهرام»
رأيت الشاعر «أحمد عبد المعطى حجازي» فى احتفال بعيد ميلاده السبعين فى الأتيليه، يلقى شعرا للعقاد، أضفى عليه ألقاً لم أره فيه أبدا، فلفتتنى سماحته مع العقاد الذى أحال شعره فى الواقعة الشهيرة إلى لجنة النثر. وأدركت أنه إنسان لا يعرف اللدد، وينصف من يختلف معه بموضوعية. واستوقفتنى أكثر الفخامة التى يلقى بها الشعر.. فهو يمنحه أجنحة هائلة ولها رفيف.
وحين أعددت أسئلة هذا الحوار تصورت أن بعضها يمكن أن يغضبه، حول موقفه من قصيدة النثر، وقبوله جائزة من مؤتمر شعر كان يترأسه، وعدم كتابته عن الأجيال الجديدة من الشعراء، لكنه أجاب عنها كلها ببساطة، وأفاض على جلسة الحوار من مودته الصافية، وظل حديثه العذب متأنقا كملابسه، وطريقة إلقائه الشعر.
وقال بهدوء، وبابتسامته الشهيرة، أنه لم يتوقف عن كتابة الشعر، لكنه صار مُقلاً فقط فى نظمه، لأنه لا يحب أن يفتعله، ويمدّ له فى التمنع، وفى النهاية يتدلل عليه حتى يستسلم له. ويعرف وقتها جيدا كيف يستحضره.
ولم يتردد فى إعلان أنه يعيش على مردود مقالة الأهرام، وأن كتابتها ربما كانت هى سبب انشغاله عن الشعر، وهو يعلم أن قصيدة واحدة تفضل ألف مقالة، وأن الشاعر الحقيقى ربما تكفيه عشر قصائد فقط، لأنه لا يقاس بعدد الدواوين. لكن الوضع العام الذى شاهده حين عاد من باريس جعل المقالة حتمية، لأن الأجواء كانت مشحونة بمحاولة اغتيال نجيب محفوظ، واغتيال فرج فودة، ومحاربة نصر حامد أبو زيد، وملاحقة القضاء له، ولحلمى سالم، وحسن طلب. فالمقالة إذن. تفتح أمامه الأفق ليكتب عن الحريات وتجديد الخطاب الدينى والمرأة والفن والثقافة.
أحمد عبد المعطى حجازى
هل أسعدك منحك وسام الاستحقاق الوطنى الجزائرى مؤخرا؟
أسعدنى جدا وسام الاستحقاق الوطنى الجزائري، لأنه صادر عن بلد له مصداقية، ولا أظن أنه مجرد مجاملة، لكنه اعتراف، وعندما يصدر عن الجزائر يكون له معنى كبير، وهو مقدم من أعلى مقام، رئيس الجمهورية الجزائرية، وهذا الرجل كان له دور كبير فى ثورة التحرير، من أجل الاستقلال، وإعادة الجزائر إلى مكانها الصحيح بعدما اختطفها المتطرفون، وحاولوا إعادتها إلى الوراء، والوسام له هذا المعني، وحصلت عليه مع عدد من الشخصيات التى تستحق التقدير والتكريم، لم يكونوا جميعهم جزائريين، ومنهم أجانب، وقيل فى شهادة الوسام أنه «من أجل الدور الذى لعبوه فى إثراء الثقافة الإنسانية، ومساندتهم لنضال الشعب الجزائري».
أنت من المعدودين فى حركة تجديد الشعر العربي، فكيف ترى تجربة جيلكم الآن، من نازك الملائكة والسياب إلى صلاح عبد الصبور وأنت، وكيف أفادت القصيدة العربية، وكيف ترى الجيل اللاحق عليكم، وهل أضاف إلى ما بدأتموه؟
لا شك أن حركة التجديد التى قام بها شعراء جيلنا وغيرهم، كانت نقلة مهمة جدا فى تاريخ الشعر والأدب العربى عموما، لأن الشعر هو الأدب العربى فى الحقيقة. إضافة إلى ما دخل الأدب الحديث من أشكال لم تكن فيه من قبل، كالقصة القصيرة والرواية والمسرحية. ومنذ ظهور هذا الفن فى اللغة العربية قبل الإسلام بنحو قرنين، لم يتغير الكثير فى شكل القصيدة العربية، هناك محاولات بالطبع لظهور أشكال جديدة، أو إضافات للشكل الموروث، ظهرت فى الموشح على سبيل المثال، لكن الحركة التى غيرت هذا الشكل تغييرا جوهريا، هى حركة الشعر الجديد التى بدأها المصريون وشارك فيها بقوة العراقيون ثم السوريون واللبنانيون وبقية الشعراء العرب، وأول ما ظهرت فى مجلة أبولو، لأحمد زكى أبو شادى محاولات فى التجديد، وخليل شيبوب فى قصيدة شهيرة باسم «الشراع»، ومجلة أبولو التى بدأت نشاطها آواخر 1932، واختفت بعد أقل من ثلاث سنوات، لكن الومضات الأولى ظهرت فيها، واستمرت فى الأربعينيات عند «على أحمد باكثير» و«محمد فريد أبو حديد» و«عبد الرحمن الشرقاوي» و«كمال عبد الحليم»، وكانت هذه البدايات، التى نمت وتبلورت فى النهاية إلى شكل رصين فى الخمسينيات، وهى المرحلة التى شاركت فيها. كذلك لابد أن أذكر التجارب التى قدمها شعراء الديوان، مزج الفصحى باللغة المُتكَلَمَة، وكتابة القصيدة المرسلة، الموزونة غير المقفاة، وتجدها عند «عبد الرحمن شكري»،ول «إبراهيم عبد القادر المازني» قصيدة اسمها «أين أمك؟» وهى إرهاص فى حركة تجديد الشعر العربي، ومحاولة سابقة لجماعة أبولو، لأن جماعة الديوان التى ينتمى إليها ظهرت فى العقد الثانى من القرن العشرين.
كل هذا لاحق على مرحلة الإحياء؟
نعم، ثمرة من ثمارها، لأن حركة الإحياء صنعت ما يلي، أولا أحيت اللغة، ولا أقصد الشعر فقط، بل الكتابة عموما، إذن لابد أن نقف أمام البارودي، ومحمد عبده، وولى الدين يكن، وإسماعيل صبري. وعبد الله النديم، إلى آخره. ثانيا، أشعرت حركة الإحياء المصريين أنهم قادرون، ليس فقط على إحياء اللغة بل على الإضافة كذلك، خصوصا أنهم بدأوا يتعرفون على أشكال لم تكن موجودة من قبل، ولم يتعرف عليها قبلهم إلا اللبنانيون، وأنا هنا أتحدث عن المسرح والرواية. وجماعة الديوان كان لها علاقة بالأدب الإنجليزى الرومانتيكي، الذى كانت فيه حركة التجديد قوية. وبالطبع استمرت عدة عقود، هناك من يتحدث عن اسم أو اسمين بالذات، لكن الحركات الكبرى لا تتحقق بالعمل الفردى وحده، تحتاج إلى عمل ووقت. فمن أجل أن تعرف قيمة الديموقراطية التى ثار من أجلها المصريون أواخر عصر الخديو إسماعيل، كان عليك أن ترسل الطهطاوى إلى فرنسا لتعلم الفرنسية ويعود مُحملا وممتلئا بهذه الثقافة يكتب والناس تقرأ، إلى أن أنشأ إسماعيل مجلس شورى النواب 1866 دون أن يطالبه المصريون بهذا المجلس، لكن المصريين أخذوها على محمل الجد واعتبروها ثورة فى 1982بقيادة عرابي، وكذلك الشعر، يحتاج إلى وقت، والحركة بدأت فى مرحلة مبكرة، وتبلورت بتجربة جيلي، وشملت العالم العربى كله، وكانت بحاجة إلى منابر ونقاد يساندونها، وظهور أشكال أخرى فى الأدب العربي، خاصة القصة والرواية، لأنها نقلتنا من لغة المقامات القديمة إلى لغة عربية حية، وهذا جوهر التجديد.
كان كل ديوان يصدر لأحد منكم، يحدث جوا مدهشا من النقاشات والكتابة، دواوين تصدر وكأن شيئا لم يكن، وأكثرها ندوة أو حفل توقيع، فماذا تغير؟
كل ما قلته قبل سؤالك هذا يفسر ما يحدث الآن. فالناشر فى الماضى كان له رأى، وكانت الأسماء كبيرة ولها وزن وتاريخ، مثل عادل الغضبان، وجورجى زيدان، وفى «لجنة التأليف والترجمة والنشر» أحمد أمين وزكى نجيب محمود، وسعيد جودة السحار كان ناشر نجيب محفوظ، وقتها الناشر لم يكن يجامل، وكان مثقفا ويحمى سمعته، وكان من أهدافه نشر الثقافة. كان المناخ جيدا، لذا كان أى عمل جديد يهز الوسط الثقافي، وكانت كل الأطراف مشاركة، فهذا يبدأ من المدرسة، فكنا فى بداية المرحلة الوسطى قادرين على الارتجال فى أى موضوع يقترحه المعلم دون أن نقع فى أخطاء كثيرة، وإذا حدث الخطأ يقوم بتصحيحه على وعد بألا نخطئ مرة أخرى! المسئولون فى الدولة الآن يخطئون فى الأبجديات! فما الذى تنتظره من المجتمع؟ أنت لا تجنى من الشوك العنب! والأجيال الجديدة من الكتاب والشعراء مظلومون جدا، لأنهم لا يجدون من يأخذ بيدهم من البداية، لا مدرس ولا منبر ولا ناقد ولا ناشر.
لاحظت اهتمامك الكبير بشعراء الأجيال السابقة، وكتبك عن شعراء سابقين، فأين مقالاتك عن الجادين من الشعراء الجدد، الذين لا يجدون الاهتمام الصادق من النقاد؟
لابد من الاهتمام بالأجيال الجديدة، وإلقاء الضوء عليها ومساندتها، لكن النشاط الذى يقوم به الناقد أو الأستاذ فى التعريف بالأعمال والأسماء لا يؤثر فيه كثيرا، أن يكون موضوع الكلام قديما، أنا كتبت عن الشعراء الجاهليين، ولدى دراسات عن شعراء الرفض والصعاليك والمُجّان والخوارج، الموضوع قديم فعلا لكن النظرة التى ترى هذا الموضوع القديم نظرة جديدة، وبالتالى الكلام عن القديم مفيد للأجيال الجديدة، لأنه يضع أيديهم على الجوانب التى من الممكن أن يستفيدوا منها، لكننى كتبت أيضا عن الأجيال الجديدة، كتبت عن حسن طلب ومحمد سليمان وحلمى سالم بعد رجوعى من باريس، ثمة أجيال لاحقة بالطبع، لكن كاتب واحدا لايستطيع أن يعرف الناس بجميع الشعراء،
موقفك من قصيدة النثر، يستدعى موقف العقاد من قصيدة التفعيلية، كيف يتحول موقفك إلى هذا الحد؟ كنت هدفا لتعنت العقاد، وتصديت له استنكارا لتشدده، والآن تقف لقصيدة النثر بتشدد يشبه تشدد العقاد؟
صحيح، موقفى من قصيدة النثر من حيث الظاهر يشبه موقف العقاد، لأنه وقف فى وجه تيار جديد، وأنا أقف فى وجه تيار جديد، لكن هذا التيار لا يشبه ذاك، ربما يكون لى فى هذا الموقف بعض الحق، لأن الأستاذ العقاد أنكر أن يكون شعرنا موزونا، وهو موزون، وفى هذا نستطيع أن نقول له لا، أما عندما نقول إن قصيدة النثر ليست موزونة باعتراف الذين يكتبونها ويطلقون عليها هذا الاسم، فنحن على حق لأنها بالفعل ليست موزونة. وقصيدة نثر يعنى أنها ليست موزونة، وأنا أعترض على عدم وجود الوزن، فالوزن ليس حِلْيَة، بل هو فى جوهر البناء الشعري، ولا يمكن الوصول إلى اللغة الشعرية بكامل تحققها بدون الوزن. لكنى أستطيع القول إن قصيدة النثر من الممكن أن تكون موجودة، ولابد أن نعترف فى الوقت ذاته بأنها تتجاهل أداة من أدوات الشعر، ونحن نقرأ قصيدة النثر ونعجب بما فيها من معان وأفكار وصور، لكننا نفتقد هذا الجانب الذى لا يتحقق إلا بالوزن.
أليس من حق الشعراء التغيير فى الجوهر وليس الشكل فقط؟
عندما نغير الجوهر فى حقائق الفن، ونخرج منه، فبماذا نميز بين الشعر والنثر؟ الاثنين مختلفين فى الجوهر، منذ ظهر فن الشعر فى اللغات المختلفة ومن أهم أدواته الوزن والتقفية، ولهذا ارتبط فن الشعر بالغناء.
احتفالا بأحد أعياد ميلادك فى الأتلييه، فوجئت بك تلقى شعر العقاد، إلقاؤك أكسبه ألقاً ليس فيه، وفى أكثر من حوار لك أبديت ندما لمهاجمتك العقاد، فكيف تدور الأمور بداخلك؟ هل هى تداعيات المراحل العمرية ؟ أم انتقالات فكرية لا نستوعبها نحن بسهولة؟
يحتاج الأمر فى نظرى إلى أن نقرأ العقاد بقدر كاف من المودة، لأننا أحيانا نقرأ بفكرة مسبقة، وهذه الفكرة المسبقة تقوم سداً حائلاً بيننا وبين ما نقرآأه، وشعر العقاد لا نجد فيه شعرا كثيرا، لكن دواوين العقاد، وهى تزيد عن عشرة لا تخلو من شعر حقيقي، وأنا أظن أننى وضعت يدى على هذا الشعر وقدمته فى مناسبات مختلفة،
أريد تذكير الأجيال الحالية بتفاصيل معركتك مع العقاد؟
لا أحد يستطيع أن ينكر أن العقاد كان صريحا فى التعبير عن مواقفه، ولم يكن يخلو من صرامة وشدة عندما يرفض شيئا، وعندما عرض عليه شعرنا عام 1956، وكان مقررا للجنة الشعر، وقررت اللجنة أن تعطى جائزة لأفضل شعر قيل فى العدوان الثلاثي، وقدمت أشعارا من ضمنها قصيدة لي، فأحال هذه الأعمال إلى لجنة النثر، وأنا لم أستغرب، كنت أعرف موقفه من الشعر الجديد، ومن حقه اتخاذ ما يراه من قرارات، مادام أقنع بقراره بقية أعضاء اللجنة، لكننى علمت أيضا أن هناك أعضاء دافعوا عن قصيدتى وقصائد الشباب مثلي، منهم، كامل الشناوى وزكى نجيب محمود وعلى أحمد باكثير، ومر هذا الموقف، وكتب عنه فتحى غانم فى صباح الخير، لكن المجلس الأعلى الذى كان يتجاهل وجودنا دعانا للمشاركة فى مهرجان الشعر العربى فى سوريا أيام الوحدة المصرية السورية، وكان متزامنا مع معرض دمشق الدولى فى سبتمبر، دعيت أنا وصلاح عبد الصبور دون أن نطلب عام 1960، وألقينا قصائد عمودية، لكننا لم نلتزم بها، وفوجئنا بالأستاذ العقاد يتصل بيوسف السباعى ويهدد بالاستقالة إذا شاركنا فى مهرجان 1961 بهذا الشعر، وطلب يوسف السباعى صبيحة اليوم الثانى منى وصلاح عبد الصبور القبول بعدم المشاركة، وهذه الزيارة انتهت بانفصال سوريا عن مصر ونحن فى دمشق، ارتبط موقف العقاد بأجواء الانفصال، فقررت أن أعبر عن رفضى لموقف العقاد المتعصب، فنظمت قصيدة تقول إننا نجيد الطريقة التى ينظم بها الشعراء المحافظون لكننا اخترنا أن ننظم بطريقة جديدة، لأننا نراها معبرة أكثر عن جيلنا وعصرنا، وقدر لهذه القصيدة أن تنتشر بشكل كبير بعد أن نشرت فى الأهرام، وقت رئاسة أحمد بهجت للقسم الثقافى فيها.
أقول فى هذه القصيدة موجها الخطاب للأستاذ العقاد:
من أى بحر عصى الريح تطلبه
إن كنت تبكى عليه نحن نكتبه
يا من يحدث فى كل الأمور ولا
يكاد يحسن أمرا أو يقربه
أقول فيك هجائى وهو أوله
وأنت آخر مهجو وأنسبه
تعيش فى عصرنا ضيفا وتشتمنا
إنّا بإيقاعه نشدو ونطربه
وأننا نمنح الأيام ما طلبت
وفيك ضاع من التاريخ مطلبه
وفيك لا أمسنا زاه ولا غدنا
وفيك أبهت ما فينا وأكذبه
وتدعى الرأى فيما أنت متهم
فيه وتسألنا عما تخربه
وإنه الحمق لا رأى ولا خلق
يعطيك رب الورى رأسا فتركبه
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
مستفعلن فاعلن مستفعلن فعلن
وحدث أن عددا من تلاميذ العقاد تصدوا للرد علي، لكن كلامهم بدا للقارئ أقل من مستوى القصيدة.
ولماذا اعتذرت عن هذه القصيدة أكثر من مرة لاحقا؟
لا أستطيع أن آخذ العقاد بموقفه الظالم منا وأنسى حسناته، أحببت أن أعتذر لأن التجديد تحقق، لقد انتصرنا، لم يبق إلا أن نغفر الظلم الذى حدث لرجل له حسنات كثيرة.
توقفك عن كتابة الشعر، هل لنضوب المعين؟ أم استراحة طويلة؟
لم أكف عن كتابة الشعر إنما صرت مُقلاً فى النظم، ثمة مسافات بين ديوان لى وآخر، أترك للشعر أن يفرض نفسه علي، لا أفتعله، مع أنى أعرف فى نفسى القدرة لاستحضاره والطريق إليه، الطريق إلى الشعر ليس إلا أن توجد مع نفسك، وهذا يحتاج إلى وقت. فى الماضى عندما لم تكن الكتابة الصحفية فرضا عليك كنت أجد الوقت كافيا لنظم الشعر. منذ عودتى من فرنسا أواخر التسعينات، أصبحت ملتزما بكتابة المقالة الأسبوعية للأهرام، وأريد أن أعلن دون خجل هنا أننى أعيش بالمكافأة التى أحصل عليها من هذه المقالة، لا أستطيع أن أتوقف عن كتابتها. المقالة حتمية لأسباب أخلاقية أولا ثم مادية واجتماعية، لأننى عندما عدت من باريس كانت البلاد مختطفة من جهتين، النظام الحاكم والإسلاميين على اختلاف جماعاتهم. إضافة إلى الأجواء الملبدة، محاولة اغتيال نجيب محفوظ، واغتيال فرج فودة، ومحاربة نصر حامد أبو زيد، وملاحقة القضاء لى ولحلمى سالم وحسن طلب. وكذلك ظهور شخص من أمثال يوسف البدري، يتمكن من استصدار حكم بالحجز على أثاث منزلي، الكتابة كانت ضرورة فى هذه الفترة، وأنا أدرك أننى أحسن كتابة المقالة، وأعلم أن قصيدة واحدة بألف مقالة، ونظمت ديوانى «طلل الوقت» فى مصر، ولدى قصائد لم تكتمل، وسأجد الوقت لاستكمالها. ومن قصائدى الأخيرة أيقونة قبطية، نظمتها فى الأقباط الذين ذبحوا فى ليبيا، وأخرى عن الظلاميين، ولا أمانع أن يتمنع على الشعر، وأتدلل الشعر حتى يستسلم لي. أما فى المقالة فأكتب عن الحريات الديمقراطية وتجديد الخطاب الدينى وحرية المرأة وعن الفن والثقافة والشعر، هذه هى الموضوعات التى أكتب عنها وهى أسياسيات،لكننا لا نزال فيها فى المربع الأول، لأن النخبة ضربت خلال العقود الماضية وتم تصفيتها.
تعجب البعض حين ترأست مهرجانا للشعر وقبلت جائزته، فهل أطمع بتفسير فى تلك الواقعة التى استنكرها البعض من باب معرفتهم بنزاهتك؟.
استنكرها البعض وهم ليسوا محقين، لأن هذا المؤتمر الذى يعقد للشعر العربى فى مصر تنظمه لجنة الشعر التى ظللت مقررا لها خمسة عشر عاما كان من الطبيعى خلالها أن أكون بين المرشحين للجائزة. هناك لجنة للتحكيم لا يرقى الشك إلى نزاهتها، من مصريين وعرب آخرين، لا يحق لأحد أن يلوم هذه اللجنة لأنها رأت أننى أستحق الجائزة التى نلت مثلها وأكبر منها من جهات أخرى، لا أحد يستطيع أن يشك فى أحقيتي! لم أكن فى لجنة التحكيم، وهم القضاة، لو استشعرت أى حرج كنت اعتذرت عن عدم قبول الجائزة! وهذا الانتقاد جاء من أناس أشك فى نواياهم لأنهم صغار، أرادوا أن يجرحوني.
ذلك الفتى الريفى الذى قدم إلى القاهرة فى بداية الخمسينات بعفوية القروي، فقلت إنها «مدينة بلا قلب» فى ديوانك الأول الذى قدمك بشكل كبير للوسط الثقافى وقتها، فكيف ترى القاهرة الآن بعد كل ما جرى عليها، وكانت فى سنواتك الأولى أبهى كثيرا مما نرى الآن؟
نظمت عن القاهرة قصائد من ضمنها «أغنية للقاهرة» فى ديوانى السادس «أشجار الأسمنت» ومعظم قصائده مكتوبة فى باريس، وفى هذه القصيدة كنت أُربِّت على كتف القاهرة وأشعر بالعطف عليها، عكس موقفى عندما جئت إليها فى البدايات، وكانت ببذخها وأناقتها، الشوارع والمسارح والمقاهى والفنادق والنساء الجميلات والرجال أيضا، العفاف أصبح مرتبطا بالقبح، المرأة تظهر قبيحة حتى لا يُشك فى عفافها، الملابس واللحى، قبح العمارات والشوارع! البناء فى أماكن غير مخصصة للبناء، وارتفاع البنايات فى غير انسجام، والأسطح مكان للقمامة. والسبب فى ظنى ضياع النخبة، التى كانت ترعى الجمال كما كانت ترعى الثقافة، فى أول زيارة للدكتور لويس عوض لى فى باريس أخبرته بأننى لم أشعر بأننى انتقلت نقلة كبيرة، باريس كانت مشابهة للقاهرة. الحياة التى كنا نعيشها أيضا فيها قدر كبير من التحرر والطلاقة، كل هذا لم يعد موجودا الآن! لذلك أشعر الآن تجاه القاهرة بالحزن والعطف!
حضرت مؤتمرات عربية كثيرة وتلقى الشعر بجمال آسر، فيه فخامة وحضور مبهر ومبهج، فهل ترى أن الإلقاء جزء من صميم الشعر ؟
نحن مطالبون بتجميل حياتنا، لنستطيع أن نكمل، فمتاعبها كثيرة، لكنها أيضا مليئة بالمباهج، مما لا يفهم أن تترك هذه المباهج:
أيها المشتكى وما بك داء... كن جميلا ترى الوجود جميلا
كما قال إيليا أبو ماضي، فأنت لا تستطيع أن تكتشف ما فى الحياة من جمال إذا تركت القبح يفترسك، وأنا أختار ملابسى بصورة مناسبة، وأُجمّل المكان الذى أقيم فيه، المكتبة والستائر وباقات الزهور. وبطبيعة الأحوال فى الإلقاء، لقد تربيت على صوت الشيخ محمد رفعت وعبد الوهاب وطه حسين، فطه حسين مغن أيضا، وكان مستمعا لعبد الوهاب، كلما سجل أغنية عبد الوهاب اغنية جديدة كان يطالب طه حسين بالحضور لتصحيح مخارج الألفاظ. حتى فى القرية، كان المؤذن يخاطب وجدان الناس، عكس ما يحدث الآن. والإلقاء قيمة يجب أن تحفظ للشعر، لأنه أغنية لا بد أن يقدم بهذه الصورة، فالإلقاء يفصح عن جمال القصيدة، وشوقى لم يكن يستطيع قراءة شعره، كان يلقيه له حافظ إبراهيم، وكان شوقى أيضا يلجأ إلى كامل الشناوى ليقرأ قصائده فى الحفلات .
هل تظن أن الحرب الفكرية مع التشدد طويلة الأمد؟
الحرب الفكرية ضد التطرف وضد التشدد والإرهاب تحتاج إلى وقت، لأن التطرف والإرهاب يستند إلى فكر موغل فى الماضي، نحن نعيش هذا الواقع منذ قرون وخرجنا منه جزئيا خلال القرنين الماضيين بفضل النخبة التى تشكلت فى مصر بداية من الصدام الذى حدث مع الفرنسيين، والإنجازات الفكرية التى قام بها الطهطاوى ولطفى السيد، وعلى عبد الرازق ولويس عوض ومحمد مندور وإسماعيل مظهر وسلامة موسى، هؤلاء الذين أقاموا صرح الثقافة المصرية، وهؤلاء اجتثت أعمالهم خلال السنوات الماضية، إذن نحن فى حاجة إلى وقت، لكن إذا قمنا من الآن وأحيينا ما سبق سنجتاز هذه المرحلة، فنحن محتاجون قبل كل شيء إلى الاستنارة فى مؤسسات الدولة ويمكن عمل هذا بسرعة، ثم الاستنارة على مستوى الجماهير وهذا يحتاج لوقت، أن نحترم حرية الفكر، البرلمان يجرم المفكرين بدعوى ازدراء الأديان، هل يعقل أن يحبس إسلام البحيرى ويجرم لأنه اجتهد فى نقد تفسير نص ديني؟ تهمة ازدراء الأديان تأكيد وتأبيد لسلطة رجال الدين، البلاد هبت فى ثورتين متتاليتين ليتوقف هذا، اتركنى أكافح هذا الفساد، وإذا وجدتنى أخطئ صحح لى خطأى، وما نراه فى البرلمان نجده فى مؤسسات أخرى، مطلوب ضمان استنارة فى مؤسسات الدولة، وسنجد الاستنارة تنتشر بالممارسة اليومية وإعطاء المثل، وهذا ما تقوم به النخبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.