شهدت الأيام الأخيرة جهوداً مكثفة من الدول العربية والإسلامية لاستثمار نضال الشعب الفلسطينى، وصموده الأسطورى على أرضه وحراكه الشعبى السلمى من أجل انتزاع حريته وحقوقه، والتى قدم فيها الشعب الفلسطينى أكثر من 100 شهيد ونحو عشرة آلاف مصاب منذ بداية مسيرات العودة فى 30/3/2018 وحتى الآن، بفعل مجزرة وجريمة قامت بها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة، حيث جاءت استجابة الدول يوم 18/5/2018 لمطالب المعركة فى ميدان الوعي، أى فى جوانب الجهد القانونى والدبلوماسى والإعلامي، بتأكيد مصر عدم الاعتراف بأى إجراءات تهدف الى تغيير طابع مدينة القدس أو مركزها، وإدانة الاستخدام المفرط للقوة فى مواجهة المتظاهرين السلميين، وإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسى فتح معبر رفح طوال شهر رمضان للتخفيف عن سكان قطاع غزة ونقل الوقود إلى محطة توليد الكهرباء فى قطاع غزة التى أغلقت فى الأيام الأخيرة، والسماح بدخول مواد البناء والمواد الغذائية والأدوية والقوافل الطبية من مصر والأردن، إضافة إلى تقديم الكويت مشروع قرار لمجلس الأمن باسم المجموعة العربية لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطينى، ومطالبة منظمة التعاون الإسلامى فى قمتها الطارئة بشأن القدس فى إسطنبول بفتح تحقيق دولى فى المذبحة التى نفذتها القوات الإسرائيلية فى غزة، فضلاً عن مصادقة مجلس حقوق الإنسان على تشكيل لجنة دولية للتحقيق فى أعمال القتل الإسرائيلية للمتظاهرين فى غزة. وفحص أوضاع حقوق الإنسان فى الضفة الغربيةوالقدسالشرقية وقطاع غزة، لاسيما وأن إصرار الإدارة الأمريكية بالتعاون مع سلطة الاحتلال على اختيار توقيت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس عشية إحياء الذكرى السبعين لنكبة الشعب الفلسطينى لم يكن مصادفة بل هى رسالة استفزاز للعالم العربى والإسلامى والمسيحى ودول العالم أجمع، وهى بداية لمرحلة أمريكية جديدة لفرض الحلول والإملاءات على الفلسطينيين والعرب، حول قضايا الوضع النهائى كافة تحت ذريعة رفض الفلسطينيين جهود الإدارات الأمريكية السابقة، وأن كل من يسعى إلى السلام عليه أن يقبل ما ستفرضه الإدارة الأمريكية، وأن كل من يعارضها سيتم التعامل معه باعتباره من قوى الإرهاب والتطرف التى يجب محاربتها. أحيا الفلسطينيون الذكرى السبعين للنكبة العربية الفلسطينية الكبرى التى حلت بهم، ليؤكدوا من جديد إصرارهم على حقهم فى العودة والاستقلال والحرية أسوة ببقية شعوب الأرض، وما مسيرات العودة الأسبوعية والمستمرة خلال شهر رمضان إلا نموذج على شجاعته وابتكاره الخلّاق واللامحدود للوسائل السلمية والأدوات التى يعلن فيها رسالته للعالم بتمسكه بحقوقه غير القابلة للتصرف فى تقرير المصير والحرية والاستقلال فى دولته ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدسالشرقية، وحقه فى العودة وفقاً للقرار 194، إلا أن مايؤخذ عليها محاولات بعض الفصائل الفلسطينية لدفع الجماهير للاقتراب من السلك واختراقه ميدانياً خصوصاً مع الحشود الضخمة يوم 14/5/ 2018، وكان يجب الحذر الشديد والسعى لإبقاء المسيرة سلمية وجماهيرية، والامتناع عن الإقدام على خطوات ضارة مثل حرق وتدمير معبر كرم أبوسالم خدمة لأغراض فصائلية، والحرص على تقليل الضحايا والخسائر قدر الإمكان. ولاشك فإن تجاهل الولاياتالمتحدة لمشاعر الملايين من العرب والمسلمين والمسيحيين يعكس مدى الانحياز الأمريكى لإسرائيل، وبما يفرض على الأممالمتحدة وكل المنظمات الدولية، أن تقف إلى جانب القانون الدولى وقرارات الشرعية الدولية، وأن تنتصر بالتالى للحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى لتمكينه من الحصول على حقوقه المشروعة وفى مقدمتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، والوقوف بجدية أمام مسؤليته السياسية والقانونية والأخلاقية، وعدم الكيل بمكيالين، وتصحيح هذا الخطأ التاريخى من خلال تصويب العملية السياسية ونقلها إلى رعاية دولية وبمرجعية تستند الى القانون الدولى بسقف زمنى محدد، يُنهى فيها الاحتلال ويعترف بدولة فلسطين كاملة العضوية إنقاذاً لحل الدولتين، بالتوازى مع التوجه الفلسطينى الجاد للانضمام إلى المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة، وإحالة كل الملفات والبلاغات التى تثبت تورط إسرائيل بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتها وتقديم مسئوليها للعدالة من أجل الانتصار لحقوق وضحايا فلسطين. لا يمكن تحميل مسيرة العودة أو قطاع غزة أعباء التحرير والعودة وحده، ولكن المسيرة استطاعت فتح طريق العودة التى بحاجة إلى سنوات طويلة، فى هذا السياق ينبغى السعى لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، فالذى يمكن أن تحققه مسيرة العودة خطوات ملموسة على طريق تحقيق الأهداف الكبيرة، وما يمكن تحقيقه يدور ضمن سقف خطوات محددة على طريق تحقيق العودة، مثل التراجع عن تقليص موازنة الأونروا وعن تصفيتها، وخطوات أكبر على طريق كسر الحصار الإسرائيلي، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإفشال صفقة القرن، مع أهمية الحذر من الوقوع فى خطأ التقدير الذى يمكن أن يؤدى إلى تصور أن القوى والفصائل الفلسطينية يمكن أن يلعبوا فى الصراعات الإقليمية والدولية دوراً عسكرياً، وبالتالى الحذر من المبادرة إلى الدخول فى العمليات إذا اندلعت على الجبهة الشمالية، التى يمكن أن يدفع ثمنها الفلسطينيون غالياً، خاصة فى ظل سيطرة حكومة يمينية متطرفة تتبنى توجهات تدفع نحو تهجير الفلسطينيين، كما أن سلاح المقاومة لايحدث فرقاً كبيراً فى حرب إقليمية بين إسرائيل وإيران، وبالتالى فقد يكون من المفيد تغليب الحكمة فى التعامل مع معطيات الأوضاع السائدة بالمناطق المحتلة لإحداث اختراق فى ملف الوحدة الوطنية بإبداء «حماس» استعدادها للتخلى عن سلطتها الانفرادية فى قطاع غزة، ووضع سلاح المقاومة تحت مظلة وطنية وفقًا لما جاء فى وثيقة الأسرى (وثيقة الوفاق الوطني)، مقابل إعلان الرئيس الفلسطينى وحركة «فتح» استعدادهما لقبول «حماس» كشريك كامل، على أن تقوم سلطة تمثل مختلف الأطياف الفلسطينية، للحيلولة دون إضاعة فرصة استثمار التطورات الراهنة وتحقيق أقصى عائد سياسى واقتصادى وأمنى مقابل التضحيات التى قدمها الشعب الفلسطينى خلال مسيرات العودة. لمزيد من مقالات ◀ لواء . محمد عبد المقصود