فرض الله تبارك وتعالى الصوم، مبينا حكمته بقوله: “كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” البقرة/ 183، فالتقوى هى الحكمة المنشودة من الصوم والتي تشمل اتقاء النار والنجاة منها بالصوم، وهي الغاية نفسها والثواب الأكمل المتحقق للحج المقبول كما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه” أي رجع بمنجاة من النار متقيًا إياها بعيدًا عنها، لأنه عاد نقيًا من ذنوبه تمامًا كميلاده نقيًا من ذنوبه، مما يفتح بابًا للمقابلة بين الصوم والحج من جهة الأجر والثواب، ومن جهة الآداب والأخلاق، ومن جهة الأحكام. فالأجر في الحج المقبول كما أخبر النبي- صلى الله عليه وسلم- هو مغفرة الذنوب السابقة، وعودة سجل السيئات صفريًا خاليًا من كل شائبة؛ مما يقرب الإنسان من الجنة ويبعده عن النار؛ لأن ميزان الحسنات سيكون الغالب والأرجح- وإن قل- نظرًا لعدم وجود سيئات. وأجر الصوم كذلك قد يصل إلى هذا القدر من مغفرة الذنوب، لأن الله تعالى قد جعل ثواب الصوم ليس خاضعًا لتقدير الحسنات في سائر الأعمال بأن الحسنة بعشر أمثالها ويضاعف لمن يشاء حتى سبعمائة حسنة، فأخبر الله فيما يرويه النبي عنه: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”. مما يجعل الصيام ذا رتبة ودرجة وثواب أعلى من سائر العبادات، فإن كان الحج المقبول (من سائر العبادات) ثوابه محو كل الذنوب، فإن الله أكرم الأكرمين سيجازي الصائم بما يفوق جزاء الحج لأنه خص نفسه بالصوم فقال (إنه لى) وخص نفسه بتقدير الثواب والجزاء، والثواب والجزاء يأتي على قدر صاحبه كما قال أبو الطيب المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم.. وتأتي على قدر الكرام المكارم وبهذا بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، ولهذا هناك اشتراك بين الحج والصيام في الشروط والجوانب الأخلاقية والسلوكية التي يجب مراعاتها لاستباق الأجر والثواب، ففي الصوم يشترط اجتناب مساوئ الأخلاق والأعمال لأجل قبول الصوم. كما روى عن النبي- صلى الله عليه وسلم، انه قال:”من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”. وكذلك هناك اشتراك في نسك الدخول والخروج للصوم إذ يبدأ الصوم زمنيا بظهور هلال رمضان وينتهي به، كما يبدأ الحج بأشهر شوال وذى القعدة والعشر من ذي الحجة وينتهي بها.ويشترك الصوم والحج في بعض الموانع التي تحول بين المرء وبين الأجر والثواب العظيم في كل منهما. فالحاج قد يعود بعد أداء المناسك غير مستجاب له فقد ذكر النبي- صلى الله عليه وسلم-: الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام ومشربه حرام وغذى بالحرام. فأنى يُستجاب له؟ وكذلك الصوم قد يصوم الإنسان ظاهريًا بالامتناع عن الطعام والشراب لكنه يأتي مفلسًا يوم القيامة، كما روى أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “أتدرون من المفلس؟ قالوا المفلس فينا يا رسول الله من لا درهم له ولا متاع. قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاته وصيامه وزكاته وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيقتص هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقتص منه ما عليه من الخطايا أخذ من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار”.