تسلم الرئيس أنور السادات السلطة بعد رحيل الزعيم جمال عبد الناصر.. دون أن يمتلك شيئا علي الإطلاق.. فالرجل جاء بعد زعامة تاريخية استثنائية.. كان التنظيم السياسي الوحيد آنذاك كله ضده من الألف إلي الياء.. كان البرلمان ضده من الألف إلي الياء.. وكان مجلس الوزراء بأكمله يرفضه تماما.. بل أن أجهزة الإعلام في معظمها, كانت تعبر عن رفضها لأن يكون خليفة للزعيم.. والأسوأ من ذلك أن الرجل تسلم البلاد, تعاني من نكسة غير مسبوقة علي هذا الوطن.. كما كانت مصر تعاني من أزمة اقتصادية خانقة. في هذا المناخ.. تحمل أنور السادات المسئولية بأكملها.. كان يظهر مبتسما علي الشعب مؤكدا أن الوطن قادر علي عبور أزماته.. لم يتحدث عما كان يتعرض له في الكواليس.. فالرئيس في ذلك الوقت كان يخوض صراعا سياسيا رهيبا, لكنه كان سياسيا داهية.. ورجل دولة من طراز فريد.. إلتزم الصمت وبحث عن المتاح له من مخارج ضيقة.. أخذ يستجمع الأوراق القليلة المتاحة له, واحدة تلو الأخري.. وكان الأقسي علي نفسه يتمثل في نفور الرأي العام والشعب منه.. وبعد شهور قليلة تمكن من كسر هذا الحصار وفتح أبواب واسعة.. خرج علي الأمة وحكي الحكاية.. هنا التف الشعب حوله إلا قليلا وشرع في الاستعداد لأكبر وأخطر المعارك في تاريخ مصر.. وتحمل علي هذا الطريق ما يصعب أن يتحمله قائد عادي.. لكنه مضي مؤمنا بوطنه وشعبه, حتي كانت ضربته في السادس من أكتوبر لعام..1973 هنا تحول الرئيس الذي انتصر علي أعدائه في الداخل والخارج, إلي زعيم وطني كبير تطال قامته كل من حكموا هذا الوطن من الكبار. كان أنور السادات بتاريخه يؤمن بأن السياسة ليست رفاهية.. مشواره جعله يراكم التجرية فوق التجرية, حتي وصل إلي قناعة بأن عبء المسئولية لا يقوي علي حمله غير أشخاص يحملون صفات استثنائية.. لذلك بدأ عهده بغلق السجون.. لم يكن حوله من يدفعونه إلي الحفاظ عليها أو فتحها.. فتح كل الأبواب للحرية والديمقراطية.. كانت صحف ومجلات الحائط في الجامعات, فضلا عن المظاهرات في الشوارع, تناله بالهتاف ضده.. بل حتي بالسباب.. لكنه كشخصية نادرة تدرك خطورة المنصب وقيمة الوطن ومعني كلمة المسئولية.. كان يتحمل, بل يضيف أبوابا مفتوحة جديدة للتعبير عن الرأي.. تمكن من بناء رجال يؤمنون به ويثقون في قدراته خلال ما يقرب من عامين.. الأخطر من ذلك أنه نجح في مواصلة مشوار إعادة بناء القوات المسلحة.. لم يتسرع يوما.. كان يحسب كل شيء بدقة.. احتفظ بسرية صراعاته في الداخل.. اعتبر عدم تمتعه بتأييد التنظيم السياسي الوحيد, نقطة إيجابية.. لأنها جعلته يفكر في التعددية بعد تحقيق الانتصار.. وهذا ما فعله بالضبط.. بل إن الرئيس أنور السادات أعاد ما يسمي بجماعة الإخوان المسلمين إلي المسرح السياسي من جديد.. وسمح لكافة التيارات بأن تعمل وفق ما تري.. ولعله فعل ذلك مستندا إلي تاريخ طويل, وقدرات خاصة تكونت عبر سنوات.. فهو رجل دفعته الأقدار لأن يتحمل تلك المسئوليات والتحديات الرهيبة.. لكنه لا يمكن القول عنه بأنه إبن الصدفة!!.. وذلك يميزه عن غيره من الحكام خلال الأربعين عاما الماضية.. فهو لم يسع لأن يكون جمال عبد الناصر ليقينه بأن ناصر زعامة استثنائية.. لكنه عمل من أجل أن يكون أنور السادات فحفر تاريخا علي جدران الوطن وفي ذاكرة الدنيا.. وربما كانت تلك القدرات التي ميزته, هي سبب إغتياله بأياد خسيسة!! أتناول حكاية الرئيس أنور السادات.. وقد بدأ مشواره مجرد ربع رئيس فقط.. وهنا أتذكر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة حين تم انتخابه عند منتصف عام1999 من القرن الماضي.. كان دائما يخرج علي الشعب ليقول: لن أكون نصف رئيس أو ثلاثة أرباع رئيس!!.. وكان دائم التحدث عن صراعه مع المؤسسة العسكرية.. شغل شعبه بتلك المسألة لما يقرب من عامين.. ثم اكتشف الجميع أن ذلك الصراع الوهمي, لا أساس له علي الأرض إطلاقا.. بل أن المؤسسة العسكرية ساعدته في تعديل الدستور, ليصبح رئيسا لدورة ثالثة.. رغم أنه كان محظورا عليه أكثر من دورتين.. لكن المؤسسة العسكرية في الجزائر استطاعت أن تقرب الرئيس منها, وتقترب منه.. بعد أن أدركت قدرته علي جعل الشعب يلتف حوله.. فالرئيس بوتفليقة سياسي داهية وصاحب خبرات نادرة.. إستدعاها جميعها ومضي مقاتلا من أجل المصالحة الوطنية.. سعي للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية.. سمح للإعلام خاصة الصحافة أن تعيش عصرها الذهبي.. والمثير أن الأغلبية الساحقة من تلك الصحف كانت ضده.. للحد الذي جعله عقب نجاحه في الدورة الثانية يفاخر بأن أربع صحف قليلة التوزيع, كانت تدعمه.. في مقابل أربعين صحيفة يتراوح توزيعها ما بين الكثيف والمتوسط, كانت تهاجمه وتسخر منه وتسبه.. لكن الشعب بإنجازات الرئيس التف حوله وانتخبه للمرة الثانية.. ووافق علي تعديل الدستور لدورة ثالثة.. أي أنه رئيس استثنائي نجح في أن يفرض علي الجميع احترامه وتقديره عسكر ومواطنين ولعلي حين أذكر تلك النماذج.. أكون قد نجحت في مساعدتكم علي استهلاك الوقت.. أقصد إعتبروني مساهما في تسلية صيامكم!! [email protected] المزيد من مقالات نصر القفاص