ومن جديد عاد شهر مارس ليعود معه موسم التهانى بيوم المرأة العالمى ويوم المرأة المصرية وعيد الأم ولتصبح المرأة المحور الرئيسى الذى يتصدر وسائل الاعلام والإعلانات. فالجميع يعدد مآثرها ويحث الدوائر المحيطة بها على تكريمها ويذكرهم بهدايا، الغريب أنها فى معظم الاحيان لا تكون شخصية ولكن يستفيد بها أفراد الاسرة الكرام بدءا من اطقم الطهو وصولا لسخانات الحمامات!. وبغض النظر عن الملاحظات العابرة التى تؤكد اختزال كيان المرأة فى مجموعة صور لتوظيفها فى الترويج للسلع، أثبتت عدة دراسات أن كثيرا من البرامج والمسلسلات والأفلام المحلية والإقليمية تشوّه صورة المرأة وتسخّف ادوارها مجتمعياً وتكرس صورة المرأة الجاهلة. فأغلب الصور التى تعكسها وسائل الإعلام للمرأة تقتصر على ربة منزل مستهلكة جاهلة أو امرأة عاملة فاشلة اسريا أو المرأة المنحرفة والقاتلة. كما أظهرت بعض الدراسات أن وسائل الإعلام تركّز على جوانب من حياة المرأة وتسكت عن جوانب أخرى وترسخ الدونية فى علاقتها بالرجل وأن نسبة قليلة منها تطابق واقع المرأة أو تعرض للدور الإيجابى الذى تقوم به المرأة فى تنمية المجتمع. المثير أن القوالب النمطية التى تحاصر بها المرأة ولا نتخلى عنها إلا أياما معدودات وفى مواسم بعينها حالة لا تقتصر على عالمنا العربي، فالعديد من التقارير الصادرة عن جهات ومنظمات معنية بمراقبة وتقييم وسائل الإعلام العالمية والإقليمية فى تناولها لقضايا المرأة ومشاكلها بشكل منصف وواقعى تؤكد أن الصورة النمطية عن المرأة فى الإعلام العربى ما هى إلا امتداد لصورة نمطية للمرأة فى العالم وإن تفاوتت حدتها. فمجمل التقارير الصادرة عن الجهات المعنية برصد صورة المرأة والرجل فى الإعلام من خلال مراقبة المحتوى الاعلامى المنشور تليفزيونيا وإذاعيا وصحفيا أومن خلال تغريدات على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر» تؤكد استمرارية الصور النمطية التى تكرس صور التمييز بين الرجل والمرأة . فتحت عنوان «من يصنع الخبر» ودراسة وسائل الاعلام فى 114 دولة أشار تقرير صدر قبل عامين إلى أن ظهور الرجل أو استخدامه كمصدر للخبر فى المواد الإعلامية على المستوى العالمى يأتى بقدر يفوق ثلاثة أضعاف المرأة؛ حيث تبلغ نسبة تناول المرأة أو استخدامها كمصدر للأخبار 24% فقط، مقابل 76% للرجال، وهى النسبة نفسها التى حصلت عليها فى التقرير السابق المعد عام 2010، فى حين وصلت نسبة تناول المرأة واستخدامها كمصدر للأخبار فى التقرير الصادر عام 2005 إلى 17%، الأمر الذى يشير إلى استمرار الفجوة بين الطرفين فى تناول وسائل الإعلام حول العالم . على صعيد مواز ظهرت عدة دراسات أكدت أن صناعة الإعلان لا تقتصر على الترويج لسلعة أو منتج وإنما تغرس أفكارا وقيما تكرس للثقافة الاستهلاكية ولصورة نمطية للمرأة تحد من دورها وتلقى بظلالها على البنية الفكرية للمجتمع. فمعظم الإعلانات تحمل مضامين مهينة للمرأة وتتعامل معها كجسد بلا عقل أو روح وتستخدم «الجمال» الجسدى كأداة لتسويق المنتجات، مما يؤدى إلى تشييء المرأة وخلق نماذج غير سوية وقيم تركز على المرأة كسلعة متجاهلة كيانها انسانيا مما يعرقل قيام المرأة بدورها فى المجتمع . وفى سياق ما سبق أظننى لا أبالغ إذا ما ادعيت أن أحد أخطر الاشكاليات التى تواجه المرأة المصرية والعربية هو تأثير الاعلام والإعلان على واقعها. فكلاهما أصبح أداة أساسية لتشكيل فكر المجتمع واتجاهات وسلوكيات الافراد. وبالتالى فإن استمرار وسائل الاعلام التقليدية والإعلان ومواقع التواصل الاجتماعى فى الدوران فى فلك التكريس للتمييز بين نصفى المجتمع وخلق حالة من العداء بينهما وتصدير صور نمطية للمجتمع تعتمد على تحريك الغرائز والتغريب وفرض ثقافة استهلاكية وقيم لا تمت بصلة لمجتمعاتنا ولا تخدم قضايا المرأة سعيا وراء الربح أو نسب مشاهدة، قضايا لابد من التوقف أمامها ليكون احتفاؤنا وتقديرنا للمرأة المصرية «ايقونة الوطن» ممتدا وليس مجرد يوم أو شهر فى السنة. لمزيد من مقالات سناء صليحة