هذا القانون آثار الجدل منذ اللحظات الأولي للاعلان عنه كفكرة ثم كمشروع قانون. وأول أمس حدثت مواجهة تحت قبة مجلس الشعب بين الدكتور زكريا عزمي والدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية بخصوص قانون مشاركة القطاع الخاص في مشروعات البنية الاساسية حيث طالبه عزمي بإيضاح ما تردد عن توقيع عقود مع القطاع الخاص لإنشاء مشروعات البنية الأساسية في حين أن القانون لم يتم إصداره حتي الآن... محذرا من خطورة حدوث احتكارات في قطاع الخدمات. مواجهة الدكتور زكريا عزمي لم تكن الأولي حول هذا القانون, بل سبقته مداخلات ومواجهات في مجلس الشوري, وأيضا من الرأي العام. تحقيقات الأهرام تفتح ملف هذا القانون المثير للجدل. في البداية يقول الدكتور رشاد عبده أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة من حيث المبدأ لا يمكن إحداث تنمية في أي مكان في العالم بدون بنية أساسية جيدة. فالقانون المقترح يتيح الفرصة لمضاعفة المشروعات في مجالات إنشاء محطات الكهرباء والصرف الصحي والمياه والطرق والمدارس والمستشفيات, كما يوفر وسائل النقل الجيدة, وغيرها من القاعدة الاساسية التي تبني عليها التنمية, ومن ثم يتيح فرصا حقيقية للتنمية. ويري الدكتور رشاد عبده أن هذا القانون جاء ليس بهدف أن الحكومة غير قادرة علي اقامة مشروعات البنية الاساسية أو أنها تتخلص من المسئولية أمام الشعب, ولكن الدولة أرادت أن تكون أكثر طموحا في تنفيذ بيئة أكثر استقرارا, وأكثر تطورا وانطلاقا لتحقيق معدلات نمو مرتفعة, وتوافر المياه والكهرباء والصرف الصحي والطرق, وجميع مشروعات البنية الأساسية اللازمة للصناعة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة. ويؤكد أن هذا القانون سوف يعمل علي حل مشكلة البطالة نتيجة لتنفيذ حزمة من المشروعات الضخمة في وقت واحد, وأن أسعار الخدمة لن ترتفع, وذلك لأن الأمر في يد الحكومة بالنسبة للسلعة أو الخدمة, كما يحد هذا القانون من اقتراض الدولة, وبالتالي يخدم الأجيال المقبلة في عدم ترك مديونية كبيرة عليهم, ويرفع من كفاءة الخدمات العامة المقدمة للناس, ويعمل علي جذب المزيد من الاستثمارات المباشرة لمصر وتدوير عجلة الاقتصاد بها. الموازنة لا تكفي أما الدكتور حمدي عبد العظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية السابق, فيري أن الحكومة لجأت لهذا القانون للتغلب علي نقص الإيرادات الاستثمارية اللازمة لتمويل مشروعات البنية الأساسية, وما يرتبط بها من العجز في الموازنة العامة الذي ارتفعت قيمته إلي نحو80 مليار جنيه في عام2008 2009, واتجهت الحكومة إلي التمويل بالديون من البنوك, ومن صناديق المعاشات, وتوفير البريد وشهادات استثمار البنك الأهلي مما أدي إلي ارتفاع الدين المحلي إلي715 مليار جنيه ومن ثم لم تعد هناك موارد كافية لتمويل المشروعات الجديدة من البنية الاساسية, اعتمادا علي موازنة الدولة, ولذلك لجأت الحكومة إلي القطاع الخاص لكي يتولي انشاء مشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة علي أن تحصل الحكومة علي المنتجات أو الخدمات من هذا القطاع الخاص عن طريق الشراء المباشر ثم تعيد بيعها إلي المواطن بالاسعار التي تحددها علي سبيل المثال يقوم القطاع الخاص بالاستثمار في مجال انتاج وتوليد الكهرباء ثم تقوم الحكومة بشراء هذه المنتجات لتتولي توزيعها من خلال شركات التوزيع الحكومية, وبالأسعار التي تحددها الحكومة وفقا للسياسة المعلنة للدولة, وينطبق هذا علي مياه الشرب, حيث يمكن للقطاع الخاص الاستثمار في إنشاء محطات تنقية وتحلية المياه ثم تقوم الحكومة بشرائها من القطاع الخاص بأسعار معينة, ولكنها تتولي بيعها للمواطن بأسعار أقل إذا ما رأت تقديم الدعم للاستهلاك المنزلي, وكذلك الحال في مجال إنشاء المدارس يتولي القطاع الخاص إنشاء المباني والتجهيزات اللازمة للعملية التعليمية, وتقوم وزارة المالية بدفع قيمة ايجارية للمستثمر الخاص, وهذه القيمة تمثل عائدا استثماريا مجزيا ومناسبا للمستثمر, وتتولي الحكومة إدارة المدارس, وكل ما يتعلق بالمناهج والعملية التعليمية بجميع أبعادها دون أي تدخل من القطاع الخاص, وبالتالي تكون الحكومة هي الحريصة علي تحديد الأسعار المناسبة لدخل المواطن في إطار سياسة الدعم المعلنة, وكذلك تكون هي المسئولة عن جميع الضوابط لمنع أي خلل في المواصفات القياسية واستمرار المشروعات في العمل بكفاءة والتزام المستثمر القيام بأعمال الصيانة الدورية والموسمية والتأمين علي المرافق العامة ضد مخاطر التوقف عن النشاط والحصول علي ضمانات من المستثمر في حالة انسحابه من النشاط أو توقفه في المشروع أو توقفه عن استكمال إنشاء المشروع لأي سبب من الأسباب. وهذا النوع من الاستثمار يحتاج إلي حماية للأمن القومي في حالة الاستثمار الاجنبي لأن المرافق العامة تعتبر من الاسرار الاقتصادية للدولة, وتنطوي علي أسرار ومعلومات يجب ألا تكون معلومة للأجانب خاصة في ظل ظاهرة التجسس الاقتصادي ولذلك مطلوب حزمة من الضوابط المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والإدارية والاجتماعية أو الأمنية. ويري الدكتور حمدي عبدالعظيم أن هذا النظام في التعامل بين الحكومة والقطاع الخاص يخفف العبء علي الموازنة العامة للدولة, كما يخفف نسبة العجز والمديونية المحلية. ويقول المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس إدارة شركة المقاولون العرب الدولة هي المشرفة والمنظمة علي تنفيذ قانون الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص, وهذا في حد ذاته ضمانة للشعب, كما أن هناك وحدة خاصة بوزارة المالية تسمي بوحدة الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص تمثل الجهة الرسمية للدولة وتضع الشروط التي تضمن الشفافية والحوكمة وسيطرة الدولة حالة قيام القطاع الخاص المصري أو الأجنبي بالمشروع, كما أن هذه اللجنة تقدم تقريرا دوريا بأعمالها للسلطة المختصة, كما أن القانون يدخل الدولة في الاشراف علي التنفيذ, ومن حق الدولة التفتيش علي المنتج, وفي حالة عدم قيام المستثمر بتنفيذ الشروط المنصوص عليها في العقد تتدخل الدولة وتدير المشروع. ويري أن هذا القانون يفتح مجالات كثيرة أمام تقديم خدمة أفضل واعطاء فرص لتشغيل الأيدي العاملة, وكما أن مصر ليست الدولة الأولي التي تطعن هذا القانون, فهناك إنجلترا التي وصل الأمر بها إلي أن القطاع الخاص يدير السجون بها. ويؤكد إبراهيم محلب أن القطاع الخاص المصري قادر علي المنافسة لما له من خبرات وقدرة تمويلية لأكبر المشروعات, كما أن القانون يسمح بالمشاركة للقطاعين العام والخاص المصري مع القطاع الخاص الأجنبي. ويمكن للمال العام أن يدخل في هذه المشروعات بنسبة20% وهذا يتيح لجميع شركات قطاع الأعمال العام والبنوك العامة أن يكون لها دور في هذه المشروعات. قانون لمحدودي الدخل ويري الدكتور محمود سلطان رئيس جمعية رجال الأعمال بمصر الجديدة أن هذا القانون يستهدف محدودي الدخل ذلك لأنه يتيح تحسين مستوي خدمة البنية الاساسية في مجال المياه والصرف الصحي, وهما سلعتان يترتب عليهما الوضع الصحي بالنسبة لمحدودي الدخل, حيث سيتم تقديم الخدمة بصورة أفضل مما هي عليه الآن, وهو الأمر الذي يترتب عليه تقليل نسبة الفيروسات والأمراض, كما أنه بمقتضي هذا القانون سيتيح توافر وسائل نقل جماعية جيدة. ويطالب بنزول الحد الادني للمشروعات من100 مليون جنيه إلي50 مليونا, وذلك بهدف اتاحة الفرصة أمام نسبة كبيرة من القطاع الخاص المصري للمشاركة في مشروعات البنية الأساسية. وأن ينص القانون علي حوافز للقطاع الخاص المصري تتمثل في ألا يقل حجم المكون المصري في المشروع عن60% فيما يتعلق بالمعدات. ويري الفقية القانوني الكبير المستشار محمود خليل نائب رئيس محكمة النقض رئيس الدائرة التجارية وعضو لجنة تشريعات التجارة بوزارة العدل السابق, أن تجربة الخصخصة فشلت فشلا ذريعا يسئ إلي قصدها سواء كانت هذه الإساءة لها نصيب من الصحة أم لا, لأن الواضح من الخصخصة التي تمت أنها كانت لمصلحة من استولوا علي المصانع والشركات التي تمت خصخصتها, وأن الشعب مازال يعاني من الآثار السيئة لتلك الخصخصة التي أضرت بالاقتصاد القومي, وبمصلحة العاملين حتي هذه الشركات والمؤسسات وأضرت أكثر بالمستهلكين, وتجربة الاسمنت أبرز هذه الخصخصات, وكذلك تجربة عمر أفندي لأنه تبين أن عقود هذه الخصخصة تضمنت نصوصا وشروطا, خبئت ولم يفصح عنها للجمهور ثم عند التطبيق ظهرت مخلفة آثارا رهيبة, مازالت الاوضاع الاقتصادية والمصلحة الوطنية وحماية المستهلك تتضرر منها فضلا عما جري من التجاء إلي تحكيم خارج مصر دفعت فيه مصر من أموال الشعب ملايين متعددة لحفنة من المستثمرين.