رواية «فك شفرة» للأديبة «د.عفاف طبالة» حلقة جديدة ومتميزة فى مشروعها الإبداعى، بعد روايتها «البيت والنخلة» الفائزة ب «جائزة الشيخ زايد». وأدب «طبالة» فى إجماله يحفز اليافعين على إعمال العقل فى التعاطى مع تجليات الحياة، والحفاظ على الحلم والخيال. ومن بداياتها حرصت على تحويل القارئ من طرف سلبى يكتفى بالقراءة من أجل التسلية، إلى طرف إيجابى يُفعِّل القدرات العقلية فى تتبع أحداث الرواية، فى وقت تتيح له مساحة لمزج الخيال بالواقع، والخروج بعلاقات جديدة بمحيطه. باسلوب شائق يمزج الصورة بالصوت والحركة، مستفيدة من خبرتها الطويلة فى الإخراج وكتابة السيناريو. ومعمار رواية «فك شفرة» كبناء هندسى، قسمته «طبالة» إلى سبعة أقسام بعدد أيام الإسبوع، وتشيد البناء بالتدريج من اليوم الأول، ليرتفع رويدا مع كل كلمة، ومعلومة عن أيِّ من شخوص الرواية، وأحداثها، إلى أن يكتمل البناء فى اليوم السابع، وتظهر جليا للقارئ التفاصيل الدقيقة المميزة لكل شخصية. وتدور الرواية فى «المنزل ذو القبة» الذى يقع فى قرية تمتاز بمساحات خضراء، وقريبة للصحراء والجبال، وتجاورها بعض أطلال لآثار قديمة. ويحل ثلاثة أطفال ضيوفا على الأستاذة تماضر صاحبة المنزل، لسفر والدتهم صديقة تماضر إلى مؤتمر علمى فى الخارج. وفى هذا البيت يتعرفون على «أمينة» ذات الوجه الأسمر البشوش، وتربيها السيدة تماضر التى تمثل حلقة وصل جيدة بين الماضى والحاضر. وعبر شخوص الرواية، تطرح الأديبة «عفاف طبالة» مشكلات مثل التسرب من التعليم، والزواج المبكر للفتيات، وسرقة الآثار، وتبوير وتجريف الأراضى، وصراع الأجيال، والتجسس عن طريق شبكة الانترنت، والتعاطى مع وسائل الاتصال الحديثة، وخطر ترك المعلومات الشخصية المتاحة للغرباء على تلك الوسائل. لكنها أيضا تطرح أفكارا بسيطة يقوم بها الأولاد بأنفسهم، بعيدا عن الجهات الرسمية، تُسهِّل تعاطيهم مع الأزمات، وتساهم فى حلها. وتربى تماضر «أمينة» بأسلوب عرضها للتحقيق معها، واتهامها بالإهمال والتقصير فى العمل، ذلك «الأسلوب الذى يُعْلى قيمة تربية العقل وإعمال الفكر على تحصيل الدرجات فى الامتحانات»، وبثّت فى تعاملها مع ضيوفها الصغار فترة إقامتهم عندها، روح التعاون، وحب العمل الجماعى، وعدم نبذ العمل اليدوى. وتقف تماضر كنموذج للماضى الذى لا يرفض الحاضر الذى يمثله أبطال الرواية الصغار. وتبادلت معهم دور القائد بسلاسة، ليقف الماضى والحاضر جنبا لجنب وتناوبا القيادة بسلاسة. وأعطت تماضر الفرصة لشهاب لينشئ لها حسابا على الفيس بوك، ويعلمها التعامل معه. وبالمقابل يبدو «صالح عم أمينة»، لتؤكد الكاتبة أن الأمر ليس ورديا فى كل ما يتعلق بالماضى والحاضر. فصالح صورة مغايرة تماما لنموذج تماضر. فالماضى هنا يرفض الحاضر وينكر حقه فى الوجود وتلقى التعليم وحرية الاختيار، كنموذج مدعوم بتقاليد وأفكار بالية عفا عليها الزمن، تمارسها الأجيال القديمة على الأجيال الجديدة التى تدفع ثمنها من مستقبلها». وكما تُعلى الكاتبة شأن استخدام العقل، تحرص على مدار الرواية، على طرح القيم الروحية التى تؤكد إنسانية الفرد. «فك شفرة» الصادرة حديثا عن دار نهضة مصر، تؤكد أن لكل فرد مدخلاً ومفتاحًا لشخصيته، وإن أحسنا قراءة الشخصية التى نتعامل معها، سنصل إلى التعاون والمحبة والتقدير بين الجميع. ومهما تعددت القراءات للرواية، تظل على طزاجتها، ففى كل قراءة، عين جديدة ومنظار جديد يعيد اكتشاف شفرات الرواية.