البابا تواضروس الثانى يصلى الجمعة العظيمة فى الكاتدرائية بالعباسية..صور    إسكان النواب: مدة التصالح فى مخالفات البناء 6 أشهر وتبدأ من الثلاثاء القادم    أحمد التايب لبرنامج "أنباء وآراء": موقف مصر سد منيع أمام مخطط تصفية القضية الفلسطينية    أمين اتحاد القبائل العربية: نهدف لتوحيد الصف ودعم مؤسسات الدولة    نشرة الحصاد الأسبوعي لرصد أنشطة التنمية المحلية.. إنفوجراف    الشكاوى الحكومية: التعامُل مع 2679 شكوى تضرر من وزن الخبز وارتفاع الأسعار    وزارة الصحة توضح خطة التأمين الطبي لاحتفالات المصريين بعيد القيامة وشم النسيم    برواتب تصل ل7 آلاف جنيه.. «العمل» تُعلن توافر 3408 فرص وظائف خالية ب16 محافظة    أبرزها فريد خميس.. الأوقاف تفتتح 19 مسجدا في الجمعة الأخيرة من شوال    الذهب يرتفع 15 جنيها في نهاية تعاملات اليوم الجمعة    محافظ المنوفية: مستمرون في دعم المشروعات المستهدفة بالخطة الاستثمارية    حركة تداول السفن والحاويات والبضائع العامة في ميناء دمياط    عضو «ابدأ»: المبادرة ساهمت باستثمارات 28% من إجمالي الصناعات خلال آخر 3 سنوات    الاستعدادات النهائية لتشغيل محطة جامعة الدول بالخط الثالث للمترو    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    نعم سيادة الرئيس    السفارة الروسية بالقاهرة تتهم بايدن بالتحريض على إنهاء حياة الفلسطينيين في غزة    المحكمة الجنائية الدولية تفجر مفاجأة: موظفونا يتعرضون للتهديد بسبب إسرائيل    حاكم فيينا: النمسا تتبع سياسة أوروبية نشطة    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    سموحة يستأنف تدريباته استعدادًا للزمالك في الدوري    بواسطة إبراهيم سعيد.. أفشة يكشف لأول مرة تفاصيل أزمته مع كولر    الغندور: حد يلعب في الزمالك ويندم إنه ما لعبش للأهلي؟    مؤتمر أنشيلوتي: عودة كورتوا للتشكيل الأساسي.. وسنحدث تغييرات ضد بايرن ميونيخ    تشافي: نريد الانتقام.. واللعب ل جيرونا أسهل من برشلونة    «فعلنا مثل الأهلي».. متحدث الترجي التونسي يكشف سبب البيان الآخير بشأن الإعلام    "لم يحدث من قبل".. باير ليفركوزن قريبا من تحقيق إنجاز تاريخي    بسبب ركنة سيارة.. مشاجرة خلفت 5 مصابين في الهرم    مراقبة الأغذية تكثف حملاتها استعدادا لشم النسيم    كشف ملابسات واقعة مقتل أحد الأشخاص خلال مشاجرة بالقاهرة.. وضبط مرتكبيها    إعدام 158 كيلو من الأسماك والأغذية الفاسدة في الدقهلية    خلعوها الفستان ولبسوها الكفن.. تشييع جنازة العروس ضحية حادث الزفاف بكفر الشيخ - صور    تعرف على توصيات مؤتمر مجمع اللغة العربية في دورته ال90    لأول مرة.. فريدة سيف النصر تغني على الهواء    فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" يتراجع ويحتل المركز الثالث    الليلة.. آمال ماهر فى حفل إستثنائي في حضرة الجمهور السعودي    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    عمر الشناوي ل"مصراوي": "الوصفة السحرية" مسلي وقصتي تتناول مشاكل أول سنة جواز    مواعيد وقنوات عرض فيلم الحب بتفاصيله لأول مرة على الشاشة الصغيرة    دعاء يوم الجمعة المستجاب مكتوب.. ميزها عن باقي أيام الأسبوع    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة.. فيديو    خطيب المسجد الحرام: العبادة لا تسقط عن أحد من العبيد في دار التكليف مهما بلغت منزلته    مديرية أمن بورسعيد تنظم حملة للتبرع بالدم بالتنسيق مع قطاع الخدمات الطبية    بعد واقعة حسام موافي.. بسمة وهبة: "كنت بجري ورا الشيخ بتاعي وابوس طرف جلابيته"    خطبة الجمعة اليوم.. الدكتور محمد إبراهيم حامد يؤكد: الأنبياء والصالحين تخلقوا بالأمانة لعظم شرفها ومكانتها.. وهذه مظاهرها في المجتمع المسلم    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    قوات أمريكية وروسية في قاعدة عسكرية بالنيجر .. ماذا يحدث ؟    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    محافظ المنوفية: 47 مليون جنيه جملة الاستثمارات بمركز بركة السبع    إصابة 6 سيدات في حادث انقلاب "تروسيكل" بالطريق الزراعي ب بني سويف    وزير الصحة: تقديم 10.6 آلاف جلسة دعم نفسي ل927 مصابا فلسطينيا منذ بداية أحداث غزة    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهارات اللغوية عنده لا تكفى للترجمة دون ثقافة عامة
صالح علمانى: لست موهوبا فى الترجمة لكنى ألتقط جوهر العمل وروح الكاتب

* تمنيت ترجمة أعمال «إبراهيم عبد المجيد» لكنى أفضل أن يترجمها متخصص بالإسبانية
* لا يوجد التزام بالنص الحرفى بل بتوصيل وجهة نظر المؤلف حسب فهم المترجم للعمل
* ليست هناك تحيزات سياسية فى اختيارى للأعمال التى قمت بترجمتها أبدا
* مشروع «بيت المترجم» قيد التنفيذ ويقوم على دعوة مترجمين أجانب لترجمة أعمال عربية
* سأوفر الإقامة المجانية لهم من ثلاثة أشهر إلى سنة وأوصيت أسرتى بتكملة المشروع فى حال وفاتى وتسليمه لوزارة الثقافة

استوقفنى خبر تكريم المركز القومى للترجمة للمترجم العربى الكبير «صالح علماني»، وكان له وقع جميل. أولا لاستحقاقه هذا التكريم عن جدارة ومن سنوات بعيدة، عن كل الأعمال الرائعة التى قام بترجمتها عبر عشرات السنين، وثانيا لأننا يمكننا رؤيته واستضافته فى الأهرام ومحاورته. وبادرت أ.«إنجى الأنور» من فورها بإبلاغ دكتور «أنور مغيث» رئيس المركز، الذى وافق على الفور، وصحب المترجم العربى الكبير هى الأهرام. واكتشفنا أن زيارة الأستاذ علمانى الأولى إلى مبنى الأهرام، وسعدنا باصطحابه فى جولة حول صالة التحرير ليتآلف مع المكان، ويتعرف على تاريخه، قبل أن ندخل إلى قاعة الحوار.
وعلمانى هو شيخ المترجمين العرب، وصاحب أعذب ترجمات لأدب أمريكا اللاتينية، وإسبانيا، وقدم للثقافة العربية حتى الآن أكثر من مائة كتاب من عيون الأدب اللاتيني، حتى بات اسمه علامة مميزة للكتاب، مثل أصحاب الأعمال أنفسهم، ويكفى أن يراه أى قارئ ليشترى الكتاب بلا تردد. ما دفع بعض الناس للقول إن: «هذا الرجل ثروة وطنية ينبغى تأميمها»، ونسب آخرون هذه المقولة إلى الشاعر الفلسطينى الكبير «محمود درويش»، ودفع القراء للقول: «نبحث عن ترجماته بصرف النظر عن محتوى الكتاب أو مؤلفه». وقال هو: «عشت لأترجم» محاكاة للسيرة الذاتية ل « جارسيا ماركيز» «عشت لأروي» التى ترجمها بنفسه.
ولمن لايعرف، هو فلسطيني، خرج والده إلى سوريا فى نكبة 1948، وولد «صالح» بعدها بعام واحد، لينشأ وسط أسرته فى دمشق، حيث أكمل دراسته، وفى 1970 سافر إلى برشلونة لدراسة الطب، لكن نكسة يونيو 1967 تسببت بقطع الحوالات المالية التى كان يرسلها أهله إليه شهريا، فاضطر لترك دراسة الطب، وحاول بعدها دراسة الصحافة، لكنه لم يصمد فيها إلا لعام واحد، وعمل بعدها فى الميناء، وبينما كان يجلس على أحد المقاهى ذات ليلة أعطاه صديق له كتاب ونصحه بقراءته. كان الكتاب «مائة عام من العزلة» للأديب الكولومبى المعروف «جابرييل جارسيا ماركيز»، وحين قرأها بهرته لغتها، فقرر ترجمتها إلى العربية، وبالفعل ترجم فصلين منها، ثم انشغل عنها، وحين عاد إلى دمشق ظلت الروايات تناديه، وترجم عدة قصص قصيرة لماركيز نُشرت فى صحف محلية، إلى أن ترجم رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» فى 1979، فقال أحد النقاد إن شاباً فلسطينياً يترجم أدبا مجهولا للعربية.
واليوم. حاولنا هنا أن نطل على «عالم صالح علماني»، ليس فى سياق الترجمة فقط، بل علاقته بفلسطين، وحلم العودة الذى أكد أنه قرين كل فلسطيني، وحياته، ومشروع «بيت المترجم» الذى أقامه فى سوريا، لاستقبال المترجمين من جميع الأنحاء، من أجل ترجمة الأدب العربى إلى لغات العالم، واكتشفنا أنه يؤمن بمقولة «خير الكلام ما قل ودل»، لأنه بطبعه مقل فى الكلام، لكن إجاباته كانت دقيقة ومرضية، ومشاعر كانت فياضة تجاه مصر بدورها التاريخي، وثقلها الثقافي، وآدابها، وأبدى سعادته بزيارة الأهرام. وحضر الحوار الأديب «حسين عبد العليم»، وأعضاء القسم الثقافي.
جانب من الحوار
هجرت الطب إلى الترجمة.. فهل ثمة مشتركات بينهما من حيث التشخيص، والتشريح، والمعالجة.. فكل من يقرأ ترجماتك يحس أنك تغوص بعمق وسهولة فى عالم الأديب وشخوصه؟
لا أظن أن هناك علاقة بين الطب والترجمة، لكن مادفعنى فعلا لترك الطب سوء معاملة وقسوة أستاذ التشريح بجامعة «ساراجوسا» (سرقسطة) لي، خاصة عندما تأخرت قليلا عن موعد الامتحان، ورفض دخولى اللجنة، ما دفع زميلاً لى لأن يقترح تقديم شهادة مرضية حتى يتسنى لى تأدية الامتحان فى وقت لاحق، وبالفعل ذهبت لطبيب تعاطف معى وأعطانى شهادة مرضية لتقديمها وبالفعل قدمتها لأستاذ التشريح ما اضطره لقبولها رغم تأكده من حضورى متأخرا للجنة الامتحان، وقام بمعاملتى بمنتهى القسوة وقمت بتأدية الامتحان وأثبت تفوقي، لكن انقطاع المدد المادى فى أثناء هزيمة 67 اضطرنى إلى العمل، وكان من الصعب التوفيق بين الدراسة والعمل.
هل كتابتك الأدب فى البدايات كانت السبب فى تذوقك الأعمال، والميل إلى ترجمتها، أم أن هناك أسبابا أخرى لشغفك بالترجمة فى البدايات؟، وعطفا على تمزيقك روايتك الخاصة بعد نجاح ترجمتك لرواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه».. هل صحيح أن المترجم روائى فاشل؟
مبدئياً، بالنسبة لي، أرى المترجم روائيا فاشلا، لكن ليس بالضرورة أن يصدق هذا على الآخرين، وبالتأكيد كانت كتاباتى الأدبية بسبب حبى وتأثرى بقراءتى للأدب المصرى والعربى وتأثرى من الصغر بقراءة مجلة سندباد وسمير ما جعلنى مدمنا للقراءة والكتابة، أما ترجمتى لرواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» فجاءت بعد إعجابى بالكاتب ذاته.
وهل تحتاج الترجمة لموهبة، أو حس خاص، أم مهارات لغوية، والاستعانة بالقواميس كمساعد؟
بالنسبة لى شخصياً، لست موهوباً فى الترجمة، ولكن يبدو أن عندى القدرة على التقاط جوهر العمل وروح الكاتب ونقلهما إلى القارئ، وما سوى ذلك لا يوجد ما أتميز به، فالقواميس جميع المترجمين يلجأون لها كما أيضاً يتميزون بحس نقدي.
وهل تكفى الموهبة والمهارات اللغوية، بدون ثقافة عامة، ومتخصصة فى مجال الترجمة الرئيسي، كما درست أنت تاريخ أمريكا اللاتينية لتفهم سياقات الأدب اللاتيني؟
الثقافة العامة هى محصلة ما يقرأه الإنسان، وبالتأكيد الموهبة والمهارات اللغوية لا تكفى فى الترجمة بدون ثقافة عامة، أما بالنسبة لدراستى تاريخ أمريكا اللاتينية فهو يعتبر جزءا من أدوات المهنة، وهو ما يجب أن يفعله كل مترجم متخصص، أى دراسة كل ما يقوم بنقله جيداً.
يردد البعض أن الترجمة خيانة للنص الأصلي، لكنى أشعر معك أنها إخلاص زائد للنص الأصلي؟ بصراحة هل تشعر أحياناً أنك أضفت على النص من روحك وثقافتك؟
بالتأكيد أن الترجمة تعد خيانة للنص الأصلي، وفى الحقيقة إذا أضفت على النص شيئا من روحى أو ثقافتى فهو بالتأكيد حدث من غير قصد منى بذلك، فأنا دائماً أحاول أن أكون محايدا ومخلصا تماماً فى الترجمة، كما أننى على ثقة أننى لا أقدم للكتاب الذين ترجمت أعمالهم ما يستحقونه.
ألا تظن أن الالتزام بحرفية النص الأصلى خيانة لمقاصد المبدع فى ايصال أعماله إلى جميع الثقافات؟
المشكلة أنه لا يوجد التزام بالنص الحرفي، فالالتزام يكون بتوصيل وجهة نظر المؤلف، وحسب فهم المترجم للعمل الذى يقوم بترجمته، فلكل قارئ فهمه الخاص للعمل، وبالنسبة لى أقوم بترجمة ما فهمت.
لديك حس نقدى مدهش، فقد قلت سابقاً، أن ماركيز يكتب الرواية وكأنه يكتب شعرا، ويوسا يكتبها كأنه يصمم بناء معماريا، ومن يريد فهم البناء الروائى فليقرأ يوسا...هل يجب أن يمتلك المترجم رؤية نقدية أيضاً ضمن ثقافته العامة؟
هذه الرؤية النقدية ليست لي، لكنى قرأتها، والآن أقوم بترجمة كتاب «من جابو إلى ماريو» للناقد صاحب هذا الكلام وهو دراسة نقدية لناقد إسباني، لكن ذلك لا يمنع وجود رؤى نقدية خاصة بي، ولكن هذا الكلام تحديداً لست أنا قائله.
هل التحيزات السياسية لها دخل فى اختياراتك للاعمال التى تترجمها؟
ليست هناك تحيزات سياسية فى اختيارى للاعمال التى قمت بترجمتها أبدا.
ترجماتك الناجحة جعلتك من الشخصيات العامة، وأى إشارة أو تعليق منك تحدث ردود فعل فورية، فمجرد «لايك» منك على بوست فى «فيس بوك» أشعل معركة بينك وبين صاحب دار نشر، وتطور الأمر إلى حرمانك من جائزة فلسطينية كنت جديرا بها، ألا يجعلك هذا تتحسس أو تتردد فى أى تعليق أو كتابات لاحقا؟
صراحة يجب الابتعاد عن مواقع التواصل الإجتماعي، لكننى مازلت أقول رأيى وأصرح به بكل وضوح.
أقمت بيتا جميلاً للترجمة فى سوريا (بيت المترجم)، وستدعو المترجمين للإقامة المجانية فيه ليترجموا أعمالهم فى جوهادئ، وتنوى التنازل عنه لمصلحة الثقافة والترجمة بعد عمر طويل، هل هذا امتداد طبيعى لدورك من مترجم إلى مسئولية تجاه الثقافة العربية؟
هذا المشروع ليس فكرتي، لكنه موجود بالفعل فى العديد من البلدان مثل إسبانيا، وقمت باقتباس الفكرة، وبدأت إقامة مشروع «بيت المترجم» الذى لايزال تحت التنفيذ، وفكرته تقوم على دعوة مترجمين أجانب لترجمة أعمال لكتاب عرب، وسأقوم بتوفير الإقامة المجانية لهم من ثلاثة أشهر إلى سنة، وقمت بتوصية أسرتى بتكملة المشروع فى حال وفاتي، وتسليمه لوزارة الثقافة لتقوم بالإشراف عليه وتسميته «بيت المترجم صالح علماني» لحماية المشروع من التوقف.
صالح علمانى
فى حياة كل مبدع كبير قصة شقاء. قلت إنك اشتغلت فى أعمال ومهن بسيطة مختلفة.. لدرجة أنك تركت الطب لعجزك عن سداد المصروفات بعد انقطاع المنحة.. فهل يمثل الشقاء حافزا ويزيد المبدع صلابة ويقظة تجاه الحياة برأيك؟
هذا رأى عام، حيث يمثل الشقاء حافزا، ويزيد من صلابة المبدع، لكن لا يمكن اعتباره قاعدة عامة.
ألم تجد فى الأدب العربى ما يشبه الأدب اللاتيني، ويحفزك على ترجمته إلى الإسبانية، ليقرأه جمهور الأدب فى أمريكا اللاتينية؟ وما أقرب الأعمال إليك التى قمت بترجمتها؟
بالتأكيد توجد فى الأدب العربى أعمال تمنيت ترجمتها، مثل أعمال الأديب «إبراهيم عبد المجيد»، وكتاب آخرين أتمنى أن أقوم بترجمة أعمالهم، لكنى أفضل أن يترجمها متخصص فى اللغة الإسبانية. أما أقرب عمل لى قمت بترجمته فهو «الحب فى زمن الكوليرا».
حدثنا عن فلسطين داخل «صالح علماني».. هل تفكر فيها عادة..هل تحلم بالعودة..هل تأتيك فى المنام..هل وهل وهل؟
الحلم بالعودة لا يفارق أى فلسطيني، وأنا واثق أنه لن يطول أكثر مما طال، فالأمر أصبح ناضجا جداً رغم جبروت إسرائيل.
لكل مؤلف أسلوبه، فقد تطول العبارة مثلاً فيهرب المعني، وبالمقابل يكون الإيجاز والحذف، فكيف تواجه تلك المشكلات الخاصة عند قيامك الترجمة؟
بالطبع نواجه دائماً هذه المشكلات، وهذا يتطلب صبرا كبيرا، وأحياناً تتلاعب على المعني، وربما تخطئ وربما تصيب، فقد أكتشف بعد مدة أن ما ترجمته ليس كان هو المعنى المقصود وذلك بسبب وجود لبس فى المعني، وأحياناً يكون هناك خطأ واضح فى النص الأصلي، فمثلاً عند ترجمتى لكتاب للروائى «برجاس يوسا» كان يتكلم فى جزء من الرواية على الرئيس الليبى معمر القذافى فى فترة بداية الستينيات، ولم يكن القذافى فى تلك الفترة قد أصبح رئيساً بعد، فقمت بترجمة النص كما هو لكننى لفت نظر «يوسا» إلى هذا الخطأ.
لماذا لا يقوم المبدعون المصريون والعرب من وجهة نظرك بترجمة أعمالهم، فقد يؤدى هذا إلى ترجمة أفضل؟
من الصعب أن يترجم الأديب لنفسه، فهدفه وعمله الأساسى الكتابة فقط، والترجمة من اختصاص شخص آخر، فمثلاً لو كان الأديب الكبير «نجيب محفوظ» من قام بترجمة أعماله لفشلت فشلاً ذريعاً، لكن من وجهة نظرى بالنسبة لأدب محفوظ بالذات أرى أنه قد هُضم حقه كثيراً فى الترجمة، حيث إن ترجمة أعماله على يد مترجمين إسبانيين لم تنجح كثيراً.
لماذا نواجه فشلا كبيرا فى الترجمة العكسية من اللغة العربية إلى اللغات الأخري، خاصة أننا نقع بين اختيارين كلاهما أسوأ من الآخر، الأول أن نقوم فيه بالترجمة لأنفسنا، وهذا قد تشوبه المجاملة الواضحة لبعض الجهات التى تقوم هى باختيار الأعمال التى ستتم ترجمتها، والاختيار الثانى أن تقوم دور النشر الغربية باختيار أعمال تخدم توجهاتهم وسياستهم؟
أنا مهمتى الترجمة من الإسبانية إلى العربية، لكننى ترجمت بعض أشعار أصدقائى العرب إلى الإسبانية، لكن لكى يقرأها أصدقاء آخرون إسبانيون، فالشعر العربى أسهل فى الترجمة من الرواية العربية التى تحتاج إلى وقت طويل.
وهنا تدخل الدكتور «أنور مغيث» ليبدى رأيه فى الترجمة العكسية بقوله: «..الكتب المترجمة يتم تحديدها من قبل الثقافة المستقبلة، وليست الثقافة المنتجة، ونحن كعرب لايستطيع أحد أن يملى علينا ترجمة كتب بعينها، لأننا نحدد الكتب التى تناسب ثقافتنا ورؤيتنا، وكذلك الأمر بالنسبة للدول الأجنبية، لكن المشكلة تكمن بعد اختيار الكتب وترجمتها وطبعها فى التوزيع، فمن سيقبل مثلاً على شراء مجموعة قصص قصيرة للأديب الكبير «يوسف إدريس» باللغة الألمانية فى مصر، ولو تركنا الدول الغربية تختار هى الأعمال الأدبية، تظهر مشكلة الرؤية الاستشراقية للإنتاج الأدبي، فكيف يمكننا كسر هذه الدائرة المغلقة، لكن هناك بعض الدول التى تنفذ فكرة الترجمة العكسية بهدف دعم الترجمة، فتختار مجموعة أعمال وتطلب من بعض دور النشر فى الدول العربية الترجمة مع تقديم الدعم لها فى إصدار الكتاب.
ووافقه «صالح علماني» الرأي، وأشار كذلك إلى أن المترجم فى إسبانيا يعتبر شريكا للكاتب فى العمل، لدرجة أن الهيئات القانونية هناك تعتبر المترجم مؤلفاً للترجمة، لكن فى بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا الاعتراف. وبعد المداخلة استكملنا الأسئلة:
ما سر ارتباطك بالكاتب الكولومبى الكبير «جابرييل جارسيا ماركيز»؟
«ماركيز» كاتب متميز وينال حب وإعجاب العالم أجمع، ولا أعرف كيف تأثرت به، لكننى أحب أعماله وحاولت أن أترجمها بأفضل صورة ممكنة.
مارأيك فى ترجمة الأديب الكبير «بهاء طاهر» لرواية «ساحر الصحراء»؟
«بهاء طاهر» روائى مهم، واستمتعت بترجمته، لكننى أرى أن الرواية نفسها لا تستحق الترجمة وأن يهدر وقته ومجهوده فيها.
ترجمت أدب أمريكا اللاتينية بصفة عامة، وإسبانيا بصفة خاصة، فى وقت كانت إسبانيا مصابة بقضية الاستبداد، فكيف كان الوضع والصورة بالنسبة للأدب؟، وما دور الأدباء والمثقفين فى حل هذه القضية؟
جميع الدول وفى كل الأزمنة تعيش الديكتاتورية والإستبداد، لكن فى إسبانيا كانت الصورة سيئة للغاية، لأن السياسة كانت قمعية لأبعد حد وصل لوجود مانستطيع أن نطلق عليهم «مصاص دماء». والأديب ليس من دوره وضع حلول للمشكلات، إنما فقط طرح المشكلة.
ما المؤثرات العربية على الأدب الإسبانى حسب خبرتك؟
الجالية العربية موجودة فى أمريكا اللاتينية، خاصة السوريين واللبنانيين فى البرازيل، وبالتالى لا توجد رواية تخلو من شخصيات عربية، مثل رواية «كيف اكتشف العرب أمريكا» وهى رواية خفيفة وجميلة.
ما رأيك بالترجمة الإلكترونية؟
مهما وصلت الترجمة الإلكترونية من تقدم فلن تصل إلى مستوى العقل البشرى ولن تضاهى قوة تأثير الترجمة البشرية.
ما طقوس صالح علمانى فى الترجمة؟
عندما أبدأ فى ترجمة عمل أتفرغ له تماماً ولا أقوم بأى عمل آخر، وبعد قراءة العمل أبدأ فى ترجمة خمس أو ست صفحات، وفى اليوم التالى أقوم بقراءة الصفحات السابقة التى قمت بترجمتها مع إضافة عدد جديد من الصفحات، وهكذا حتى أصل لنهاية الترجمة، وعبر هذه الرحلة أكون قد قرأت الكتاب أكثر من عشر مرات.
الترجمة باب من أبواب صراع الحضارات بصفة عامة، ألم تتخوف من نقل مفهوم أو عادة أو مشهد للقارئ العربى قد يكون متعارضا مع ثقافاتنا؟
من وجهة نظرى لا يوجد فى الثقافة شيء اسمه تعارض بين المثقف العربى والأجنبي، فالرواية تقدم مشهدا إنسانيا من الحياة فى مختلف البلاد والثقافات.
ألم تفكر فى ترجمة أعمال أدبية فلسطينية إلى الأدب الإسباني؟
امريكا اللاتينية ليست داعمة للقضية الفلسطينية، وهم يخشون أن يكون هناك روائى فلسطينى لامع أو أعمال أدبية فلسطينية منتشرة ومتميزة.
دكتور «محمد عناني» شيخ المترجمين المصريين عرّف المترجم فى أحد كتبه بأنه «كاتب آخر» وليس مجرد مرآة للنص الأصلي، فإلى أى مدى تتفق أو تختلف معه؟
لا نستطيع أن نقول أنه مستقل استقلالا تاما، فيوجد دائماً خط عام يوجه المترجم بالعمل، لكنى أتفق مع دكتور «عناني» تماماً بأن المترجم مستقل، ولا يمكن أن يتقمص شخصية الكاتب، فيجب أن يكون للمترجم أثر فى العمل، حتى لو دون أن يشعر.
البعض من متتبعى ترجماتك ربما يشعرون بوجود ورشة عمل متكاملة، فهل يوجد بالفعل مشروع ثقافى خاص بك قمت بتحديده منذ بداياتك وتم تنفيذه؟
لم يكن فى نيتى أى مشروع، لكن محبة الناس هى التى جعلتنى أواصل وأواصل ضمن نفس السياق، ولم تكن هناك أى ورشة عمل فى حياتي.
ما أهم مميزات الأدب الإسبانى من واقع معرفتك العميقة به؟
نجد بشكل كبير انعكاسات الحياة الاجتماعية والسياسية والواقع المرير الذى عاشته أمريكا اللاتينية وبدأت تخرج منه الآن على الرواية بشكل خاص أكثر من الشعر، والأدب الإسبانى مثل أى أدب فى العالم يهتم بالهموم الإنسانية والإجتماعية والسياسية.
الأدب يزدهر دائماً فى المجتمعات التى تعانى من القمع والديكتاتورية، فهل الأدب هنا يصبح هو الوسيلة الوحيدة لمقاومة هذا القمع؟
قد يكون الأدب وسيلة القوية لمحاربة الاستبداد بالفعل، لكن هناك أدبا ازدهر فى مجتمعات ديمقراطية مثل فرنسا على سبيل المثال، فهى لم تعرف يوماً الديكتاتورية، وبالرغم من ذلك نجد الأدب الفرنسى دائماً مزدهرا، وكذلك الأدب الإسبانى فى مراحل ازدهاره لم تكن مراحل قمع، بل بالعكس ففى مراحل القمع أصيب الادب الإسبانى بالنكسة.
بعد ترجمتك لأكثر من مائة كتاب، وتحققك، واكتسابك شعبية كبرى فى أنحاء الوطن العربي، ألم تشعر ولو مرة بأنك عظيم؟
هذا غرور يا رجل.. أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.