شارك الراحل مكاوى سعيد فى الحياة الأدبية منذ كان طالبًا بجامعة القاهرة فى نهاية السبعينيات، حيث لقب «بشاعر الجامعة» عام 1979، حيث كتب شعر العامية والفصحي، فهو من أشهر الكتاب المصريين وله الكثير من الأعمال الروائية والقصصية منها «الركض وراء الضوء»، و«فئران السفينة»، و«مقتنيات وسط البلد»، و«عن الميدان وتجلياته»، و«أن تحبك جيهان»، وتم ترشيحه لجائزة البوكر عن رواية «تغريدة البجعة». وكان الراحل قريبًا من معظم الأدباء والكتاب. ويتمتع بحبهم وتقديرهم، وهذه الأبيات مهداة لروحه من أصدقائه، نبدأها بقصيدة من الشاعر رجب الصاوى يقول فيها: مكاوى سعيد.. بافتكره دايما فى ليالى العيد ليه ابتسامة بسيطة تسابق المواعيد ع القهوة دايما بالتقيه قاعد سرحان.. وشارد وعيونه بتسافر بعيد بيزور مدن كانت جميلة يبعت لها جوابات والرد مابيوصلشى صندوق البريد لكنه مش يائس دايما بيكتب لها ويقول لها.. عن كل أحلامه ............ وف آخر الرحلة كان الجواب الأخير مفتوح ومرمى ع الطريق وف قلبه كلمة صغيرة أو كلمتين ياقاهرة أنا عايش وحيد حزين ويكمل الصاوى كلامه: «مكاوى سعيد» إنسان جميل وروائى كبير.. إنسان جميل لأنه محب لوطنه وللناس وللإنسانية بشكل عام، وروائى كبير وبخاصة فى روايته «تغريدة البجعة» التى يرصد فيها حركة التحولات التى حدثت فى الواقع المصرى فى النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضي، فهى تعد موازاة فنية رائعة لما حدث فى واقعنا فى تلك الفترة من تاريخ مصر، وهو واحد من أعمدة مقاهى القاهرة العامرة بالكتاب والفنانين والمثقفين، وكثيرا ما كتب عن هذه الأماكن وأحداثها وروادها فى كتابه «مقتنيات وسط البلد»، وأخيرا أقول إن خسارتنا فى مكاوى سعيد، رحمه الله، كبيرة لأنه أحد عشاق مصرنا المحروسة. رسالة حب ويرسل الشاعر «عبد المنعم رمضان» رسالة إلى مكاوي:«عزيزى مكاوي، لم أكن أنوى أن أجذبك من قميصك، ولا أن أصرخ فى وجهك ثم أشتمك، لأنك ستفارقنا، طبعا من السيئ أن تغادر الدنيا، لكن ليس هناك مكان آخر سواها يمكن أن نحرره، الآخرة بعيدة، بعيدة جدا، بما يسمح لى الآن أن أزعم أن قامتى صارت أقصر من الحياة، صحيح أنك على الضفة الأخري، لكن قلبى الذى لا يغشني، يقول لى أنك أقرب من ذى قبل، وأصدقاؤك يكذّبون موتك، كأنهم يعرفون أين أنت، وكأننى أنا وحدى الذى لا يعرف، مع أننى أعرف الكثير من الأشياء التى تعلقتَ بها، لم يكن الموت بينها، فللأمكنة، كل الأمكنة، وللأزمنة، كل الأزمنة، روائح، وأنا أميز رائحة الموت فى ثيابك، شيء واحد مازلت لا أعرفه حتى الآن، لماذا لم تنادنى باسمى ولو لمرة واحدة، هل هناك مكان أقرب إلينا من أسمائنا، «تغريدة البجعة» كانت أول أسمائك التى أحببتها، لأنها استطاعت الهروب من الموت، أظنك مازلت تذكر عندما سألتك عما تفعله طوال الوقت، قلت: أهرب من الموت، سألتك: طوال الوقت! قلتَ: نعم، فهذا هو عملى الوحيد. لكننى يا صديقى أتذكر ما كتبته «أولجا» إلى تشيكوف بعد وفاته، قالت له: وبينما أنا أكتب إليك، أشعر أنك على قيد الحياة، هناك فى مكان ما، تنتظر تلك الرسالة، تنتظر أن أخبرك بأننى بدأت قراءتى الجديدة لأعمالك، أولجا تقرأ تشيكوف وأنا أقرأ تغريدة البجعة. عزيزى مكاوي.. مع السلامة» رمزا للعطاء ويقول الناشر «محمد رشاد»:«لقد آلمتنا جميعًا وفاة الكاتب الكبير مكاوى سعيد.. فقد مرَّت على ذكريات بدء علاقتنا معه كروائى متميز فى الساحة الأدبية.. يتمتع برهافة الحس والمستوى الرفيع، والثقة الهادئة، والبعد الإنسانى العميق، وكلها من لزومياته التى اتسم بها، وخلقت له هذه الصفات مع أسرة الدار المصرية اللبنانية علاقة آسرة، سواء فى متابعة أعماله أو فى إشرافه على ورشة «كتابة القصة»، التى قادها بجدارة واستحقاق، كفل لها هذا النجاح الكبير على جميع الأصعدة. لقد كان مكاوى سعيد- رحمه الله- صاحب فلسفة خاصة فى الحياة، يستمتع فيها بالعطاء، ويستمع للجميع بكل جوارحه أكثر مما يتكلم، متأملًا فى النفس البشرية، يسبر أغوارها ويميط اللثام عن أعماقها..كان رمزًا للعطاء فى كل مفردات حياته.. حتى فى كتاباته عن أبطال رواياته، لا يكتفى بأن يرسمها فى سطور رواياته.. بل يعطيهم من وجدانه وكيانه ما يجعلك تستشعر بقوة وعمق أنهم حقيقيون يقاسمون قراءة حياتهم. ونحن بصدد نشر آخر أعماله «القاهرة وما فيها» كتأريخ ثرى ومهم فى حياتنا الثقافية عن شخصيات وأماكن إنما نسأل العلى القدير،سبحانه وتعالي، أن يجزيه خير الجزاء بقدر ما أعطى وقدر ما أضاف إلى حياتنا وثقافتنا وإبداعاتنا. وقال د.شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق إن رحيل مكاوى خسارة كبيرة للوسط الثقافي، فهو أحد عشاق القاهرة وصاحب أسلوب خاص وخيال متميز، وله أعمال عظيمة فى الأدب العربى منها «فئران السفينة»، و«ان تحبك جيهان»التى حضرت حفل توقيعها وكتبت عنها فى جريدة القاهرة،فهى رواية بها حالة من التداخل بين الأشخاص حيث تناول فيها صورة الروح التى تعبر عن المرأة التى يبحث عنها الرجل فى خياله حتى يجدها ولكنها فى حقيقة الأمر لا تشبه تلك المرأة، وشخصيات هذه الرواية تشبه شخصيات روايته الرائعة «تغريدة البجعة»، لذا مثلت لنا وفاته صدمةلأننا كنا ننتظر منه كثير من الأعمال العظيمة، لكنها مشيئة الله.