السحر كلمة مأخوذة من السَحَر. مادة السين والحاء والراء، والسَحَر هو آخر الليل وأول النهار. فيه ظلمة الليل وإشعاعات ضوء النهار، فلا نستطيع أن نقول عليه نهاراً، بمعنى النهار والضوء. أو أن نقول عنه ليلاً بمعنى الظُلمة، وعلى ذلك فللسحر واقعان وليس واقعاً واحداً. فالسحر تأثيره على العين، فالعين هى التى تُسحَر لترى أشياء غير واقعية، إذن فهو خداع للنظر، فالعين تُسحَر والنظر يُخدع والمادة لا تتغير. ................................... وكلمة سحر فى القواميس العربية بمعان مختلفة، حيث نجدها بمعنى الخديعة أو إظهار الشىء على غير حقيقته، وكان السحر إخراج الباطل فى صورة الحق، أو صرف الشىء عن حقيقته إلى غيره، أى سحر الشىء عن وجهه. وسمى سحراً لأنه يزيل الصحة إلى المرض، و يقال سحره أى أزاله عن البغض إلى الحب، وهو فعل يقوم على خداع الحس، ويُقال فى اللغة سحره بكذا، أى خدعه وسلب لبه وسحر عينيه بمعنى خيَّل إليه ما ليس فى الواقع، وكذلك سحره بمعنى استماله أو أفسده. والسحر قديم قدم النفس الإنسانية، ومن الخطأ الظن بأن الإيمان به نشأ فى ذهن الإنسان نتيجة الصدفة، فالمعتقد السحرى مع الإنسان من آلاف السنين، ومازال يسيطر على نواح كثيرة من سلوكه اليومى، واستمد أصوله من إملاء قلوب الأجيال السابقة استجابة لحاجاتهم إلى المعرفة ليتغلبوا على القلق الأزلى الذى كان ينتابهم فى خضم الكون ومخاطره. ولعل الإنسان فى مراحل وعيه الأولى لم يميز نفسه ومحيطه فتخيل أنه مجرد عضو فى جسم عالمى يضم كل محتويات الكون، وهو كالجسم الآدمى متضامن الأعضاء يعين بعضها بعضاً، حتى أنه بحكم هذا التضامن الكامل مع العالم يمكنه تحريكه وفق إرادته إذا ما عرف سر تلك الروابط، ففكرة أن الإنسان يملك سلطاناً على القوى الخارجية يعرف كيف يديرها على نحو ما هى أساس السحر. والسحر من الأمور الغامضة المتعلقة بما وراء الطبيعة التى تستعصى على الفهم، وظهر فى مرحلة سابقة على الدين ومنه نشأت الأديان البدائية، ويمكن القول بأنه «أى علاقة سببية بين ظاهرتين أو شيئين يقوم الساحر بافتراضها»، وحياتنا اليومية الآن تزخر بكثير من الممارسات السحرية، ويبدو السحر صارخاً عندما يُقيم علاقة بين طرفين محكومين بسببية واضحة أو عندما يتغلب على هذه السببية ويخترقها. فإذا سلمنا بأن السحر هو التأثير النفسى بواسطة أشخاص متمرسين بفنون سحرية معينة، لديهم القدرة على الاستعانة ببعض القوى الروحية فى التأثير فى نفسيات وعقول وتصرفات بعض الناس، فهو عزائم ورُقى وعُقد تؤثر فى الجسم الإنسانى فيمرض، فالسحر عبارة عن أمور دقيقة موغلة فى الخفاء يمكن اكتسابها بالتعليم تجرى مجرى التمويه والخداع تصدر من نفس شريرة، وهو الفن الذى يمكن من خلاله إخضاع ما فوق الطبيعى، كما يمكنه التحكم فى الطبيعة بوسائل فوق طبيعية من خلال التحكم فى قوى وموجودات ومخلوقات روحية. إذن فهو القدرة على التحكم فى العلاقات الإنسانية، لكونه الوسائل الطقوسية الهادفة إلى السيطرة على الطبيعة والعلاقات الإنسانية، والسحر بصفة عامة يكون إيجابياً أو سلبياً. وللسحر قسمان أساسيان: الأول، الاحترافى الذى يمارسه السحرة المحترفون، الذين يحرصون دائما على خصوصيتهم، وألا يذيعوا سر مهنتهم، ويعتقد الساحر المحترف أن هناك علاقة بين السحر وعلم الأسماء وعلم التنجيم. والثانى، السحر الشعبى الذى يمارسة الأفراد فى حياتهم اليومية، ويدور حول الممارسات العملية والمعتقدات المحفوظة فى صدورهم، والخبرات المكتسبة التى توارثوها عبر الزمن مثل الحسد وما يدور حوله من ممارسات، والحرص على عدم ذكر بعض الأشياء السيئة كأسماء الأمراض الخطيرة، لوجود اعتقاد بأن ذكر الاسم يستحضر المرض، وحال فشل السحر الشعبى فى تحقيق أهدافه يلجأ الأفراد إلى السحر الاحترافى. ويندرج تحت هذين القسمين عدد من الأنواع، منها السحر الدفاعى والسحر العداونى ويرتبط هذان النوعان بالغرض المرجو منهما، وموقع القمر الذى يلعب دوراً مهماً فى نجاح العملية السحرية أو فشلها، حيث ينجح السحر الدفاعى فى النصف الأول من الشهر القمرى، بينما يختص النصف الثانى من الشهر بالسحر العدوانى. نضيف إلى ذلك نوعين آخرين، هما السحر الأسود والأبيض، والتقسيم تبعاً للألوان من أشهر تقسيمات السحر، حيث يرمز اللون هنا إلى الغرض المرجو تحقيقه من خلال السحر، فالأبيض يهدف لتحقيق منفعة عملائه دون إضرار بالآخرين، ويختص عادة بالتنبوء بالمستقبل، والعلاج للتداوى، أما الأسود فيهدف لإلحاق أذى بالآخرين وتحقيق مصلحة شخصية، وينتشر اعتقاد لدى الكثيرين بأن هذا التقسيم يأتى تبعاً للأدوات التى يستخدمها الساحر لأداء ممارساته السحرية المختلفة. ويجب الانتباه إلى أن تحديد النفع والضرر يكون من وجهة نظر طالب السحر، لذا فهو يرى النفع فيما يتوافق مع تحقيق ما يسعى إليه من أهداف، دون الانتباه إلى أن هذه الأهداف قد تتعارض مع مصالح الغير، لذا لا يمكننا القول بأن هناك سحرا يهدف إلى الخير بشكل مطلق. ويلجأ الأفراد إلى السحر الشعبى الذى توارثوه عبر الأجيال كمرحلة أولى لتحقيق أهدافهم المختلفة، فإذا فشلت فى تحقيق الغرض منه، لجأوا إلى السحر الاحترافى. ويرتكن أى عمل سحرى وإلى ثلاثة أركان: التعويذة: وهى صيغة لفظية يتلوها الساحر عند القيام بعمله، تتصف بالجمود لأنها غير قابلة للتحول، وتعد أهم أركان العمل السحرى ورمز القوة الفاعلة فيه، تلك القوة التى تنحصر فى صيغتها اللفظية وتنطلق معها من فم المتكلم غير مبالية بشخصيته ولا بمن تُتلى من أجله سالكة طريقاً ذاتياً لا عودة منه، ويشير مدلول التعويذة دائماً إلى الغاية المطلوبة إما بالتشبيه أو بالاستعارة أو بتوافق الأصوات، وفى بعض الأحيان تخضع تلاوة التعاويذ لتقاليد مستمدة من خواص الأرقام السحرية (3، 4، 7)، وتقترن تلاوتها بالتسبيح على العقد المربوطة على الحبال أو الأقمشة أو باستعمال الزيوت أو الماء أو بطقوس أخرى. الطقوس: تتمثل هذه الطقوس فى حركات معينة يقوم بها الساحر أثناء عمله، عادة ما تصحب تلاوة التعاويذ وتعززها وإن كانت فى بعض الأحيان تشكل ركنا أساسيا فى السحر، تُبنى هذه الطقوس على القياس، أى على الاعتقاد بأن قوة الساحر تحول الشبه إلى حقيقة، كما أنها منوعة فإما أن تستخدم الحركة وسيلة لنقلها لمن تُتلى من أجله، ويقوم الساحر بلون من التمثيل يتناول فيه الأمر المطلوب لضمان حدوثه، مع الاستعانة ببعض المواد لما تتمتع به من خواص طبيعية، ومنها عقاقير تُحدث انفعالات فى نفس مستخدمها كالوسوسة والتخيلات البصرية وتهيجات وتغيرات فى الشخصية تشبة الهستيريا، يفسرها العميل بأنها نتيجة لحلول القوى أو الأرواح بالساحر، والتعامل مع هذه المواد وكيفية تحضيرها محاط بالسرية التامة. الساحر: ركن أساسى من أركان السحر الاحترافى، إذ يمثل رمزاً لتلبية مجموعة من حاجات ورغبات عملائه، فإذا فشل فى تحقيق هذه الحاجات فلن يكون لوجوده معنى، فهو العامل الأهم والأكبر لترسيخ الاعتقاد فى السحر والعمل على بقائه واستمراره، هذا ويُطلق الأفراد لقب «الشيخ» للإشارة إلى الساحر، كونه يمتلك قدرات تمكنه من حل بعض مشكلاتهم التى لم يجدوا وسيلة لحلها، ويعكس هذا اللقب اللبس الذى يعترى ذهن عملاء السحر، والناتج عن الخلط بين المهام التى يقوم بها الساحر، وقد يرجع هذا الخلط لعدم قدرة الأفراد على التفرقة بين الشيخ والساحر، لتداخل أفعال الساحر وممارساته فى بعض الأحيان مع ما يقوم به الشيخ، من حيث قدرته على توظيف القرآن واستخدامه فى بعض أغراضه، هذا ويشترك الذكور والإناث فى ممارسة السحر، ويختلف السحرة فى درجات تعليمهم فنجد منهم الأمى والملم بالقراءة والكتابة كما ظهر مؤخراً الساحر الحاصل على بعض الدرجات العلمية، ويلجأ الأفراد إلى امتهان السحر وممارسته عددا من الدوافع أهمها اكتساب مكانة خاصة داخل مجتمعهم، ورغبتهم فى السيطرة على الأفراد، إلا أن الوراثة من أكبر العوامل التى تدفع إلى مزاولة السحر، بجانب العامل الاقتصادى الذى يعد دافعاً أساسياً للكثير من ممارسى السحر، وما من شك فى أن الساحر يشعر دائماً بأنه مميز عن غيره من الأفراد لما يتمتع به من قوة شخصية وقدرة على التأثير فى عملائه وإقناعهم بأنه متصل بقوى غيبية عليا تساعده فى تحقيق أهدافهم. والآن نجد بعض ممارسى السحر وعملائه يغلفونه بغلاف الدين، للتهرب من النقد الاجتماعى والاتهام بالجهل. من هنا نتبين أن ثمة علاقة تربط بين السحر والدين، وتتبلور العلاقة فى كون الدين يُشكل منظومة العقائد النظرية والشعائر العملية التى تتلازم فيما بينها وتتصل بعمق، ونكاد نلمح فى شكلى الدين العملى والنظرى كافة الأشكال العقائدية والروحية التى سبقت الدين مثل العبادات البدائية والسحر والأساطير خصوصاً فى الأديان الوثنية، أما الأديان التوحيدية فتعبر عن شكل روحى أرقى وأعظم، أما السحر فهو علم الرجل البدائى الذى يتحدد بمدى معرفته بأسرار الكون وظواهر الطبيعة بينما ينشأ الدين من أصول مختلفة عن الأصول التى يقوم عليها السحر، فالدين يشترط الاعتقاد فى الكائنات الروحية أو الالهيه والأرباب، بينما يتألف السحر من الأعمال والممارسات والشعائر التى تتصل بالكائنات الأخرى. والواقع أن الدين والسحر كانا مختلطين أشد الاختلاط فى ممارسات القبائل البدائية، إلا أن الأمر يختلف إزاء الأديان الناضجة التى استطاعت أن تٌفرق بين مملكة الله ومملكة الشيطان، وبين ما يتعلق بالدين وما يتعلق بالسحر، بيد أن الكثير من الممارسات الدينية لدى بعض الأفراد التابعين للأديان الناضجة يمارسون بها السحر بغير وعى من جانبهم. والعلاقة بين السحر والدين تتميز بحالة من الصراع الدائم والمستمر، لرغبة كل منهما فى السيطرة على العقل البشرى وتنحية الآخر، غير أن الاعتقاد فى السحر والإيمان به جاء نتيجة طبيعية لقدرته على حل بعض المشكلات والإجابة على بعض التساؤلات التى لم يقدم الدين إجابات لها، وتمكن السحر من تحقيق رغبات الأفراد التى فشلت الأديان فى تحقيقها وتتمحور فى السحر العلاجى والحصول على الحماية، كمحاولة لتهدئة المخاوف من اضطرابات الزمن الراهن، ويمكن اعتبار السحر مطمئناً للإنسان لمنحه الاعتقاد بأنه تعرف على أسباب معاناته وأن بإمكانه معالجتها.