منذ أكثر من نصف قرن أصدر «عباس محمود العقاد» كتابه الشهير «اللغة الشاعرة» حذر فيه من مخاطر تحيق باللغة العربية، مؤكدا أن أى ضربة لها ستكون موجهة لقلب الأمة، وليس لسانها! لكن يبدو أن صيحة العقاد ذرتها الرياح، وسط استخفاف عام لا يليق بجلال لغتنا. لكن إذا كان ثمة استخفاف ظاهر. فثمة اهتمام بالمقابل فى العالم بلغة الضاد، يدلل عليها كثرة الإقبال على تعلمها فى أنحاء المعمورة . وفى السطور التالية نتعرف على مجموعة من الشباب أسسوا «بيت الضاد»، ورفعوا راية اللغة العربية عاليا للتعريف بها مجددا، والدفاع عنها. يقول أولهم «محمد الغليط»: بحثت فى اللغات الأكثر انتشارا فى العالم مثل الصينية، والألمانية، والإنجليزية، والروسية، بشكل أكاديمي، وبحثت عن الحروف العربية التى يجد الدارسون من غير الناطقين بالعربية صعوبة فى نطقها مثل «الضاد» أو «الظاء» لأن مخارج الحروف فى لغاتهم الأم مختلفة عن نطق حروفنا، فقام الزميل «محمد سلام» بتسجيل الحروف الصعبة بالفصحي، وقام زميل آخر بعمل تطبيق الكترونى على تلك الحروف، بحيث يضغط الطالب على صوت الحرف الذى يجد صعوبة فى نطقه فيسمعه من أزهرى مخارج الحروف لديه سليمة، ويسمع أمثلة له فى كلمات نستخدمها فى حياتنا اليومية، مثل كلمة «مغرب» التى تمثل صعوبة كبيرة فى نطقها لدى الدارسين الألمان بسبب وجود حرفى الغين والراء. وأضاف الغليط إن الدارسين استفادوا، وسيتم رفع التطبيق على الانترنت هذا الأسبوع احتفالا باليوم العالمى للغة العربية، ليتسنى لغير الناطقين بالعربية الاستفادة منه. وأشار «محمد سلام» إلى أنه ليس هناك فرق كبير بين تلقى الإنسان العربى للعربية وتلقى غير الناطقين بها. وتم تصميم دورات تدريبية لتساعد على تجاوز صعوبات تعلم العربية وتلقيها بشكل سليم شائق، بإعطاء أمثلة حيوية، والتعامل مع الدارس غير الناطق بالعربية كباحث متخصص. وأكد «أبو القاسم سعد» ضرورة ربط اللغة عند تدريسها بالمخزون الثقافى الخاص بها، مشيرا الى أن كل كلمة فى العربية لها تاريخ خاص بها، مثل كلمة «الكرم» بسياقها الثقافى القديم، فربط الكلمة العربية بمخزونها التراثى يولد عند الطالب حبا للغة. وحول النصوص التى درّسها، يقول أبو القاسم:«بدأت بالعصر الجاهلي، واخترت شعر عنترة بن شداد وامرؤ القيس، وكان التجاوب كبيرا فى نطق الحرف العربي، والاستجابة للنصوص كبيرة». وأكدت «رحاب الخولي» إحدى الباحثات المؤسسات ل «بيت الضاد» أن فكرة الأكاديمية بدأت بدورة «مهارات التحدث بالفصحي»، واستندت على عشرة محاور، للدارس العربى والأجنبي، تقوم على اختيار نص عربى سهل، يحتوى على معلومات شائقة، نطلب من الطالب ضبطه، فى بدايته وهو لا يعرف شيئا، ليلتقط المعلم المشكلات، ويبدأ التعريف بقواعد النحو، مثل أن أى اسم يأتى بعد حرف جر يكون مكسورا، ويعطى أمثلة على هذه القاعدة، ويطلب من كل طالب مثالا من عنده، ألى أن يتقن القاعدة النحوية تماما بعيدا عن القواعد النظرية الجافة. والمحور الثانى فى التعليم تعبير الطالب عن نفسه بمقالة يجيب فيها عن أسئلة مثل لماذا تدرس اللغة؟ وانطباعاته عن الجامعة التى يدرس فيها؟ ويتم تصحيح المقال وتقييمه، وبيان المشكلات التى وقع فيها، وعند نهاية الدورة، نطلب من الدارس عمل نشاط بالفصحي، ومنهم من قام بتجسيد أحد الأمثال العربية فى عمل فني، المثل الشهير «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟» باستحضار قصة المثل. وحول دوافع الدارسين للإقبال على تعلم العربية، أضافت رحاب:« أثناء زيارتى لنيجيريا سألت طلبة مسلمين ومسيحيين عن دوافعهم، فقال المسلمون لفهم الدين والقرآن، وقالت إحدى المسيحيات إنها تعمل فى مكتب ترجمة ولا تستطيع الترقى فى وظيفتها بسبب عجزها عن ترجمة اللغة العربية. وأكد الباحثون اهتمام «بيت الضاد» بوسائل التواصل الاجتماعي، فتم إنشاء صفحة بعنوان «لسانى فصيح» يتم فيها التعريف بالأخطاء الشائعة والهنّات التى يقع فيها الطلاب. وأوصوا فى النهاية بضرورة اضطلاع الإعلام بدوره فى حماية ونشر الفصحي، واعتماد الجامعات مادة محادثة فى أقسام اللغة العربية، وتفعيل مناهج تدريس اللغة، واعتماد اختبار كفاءة للغة العربية مشابه لاختبارات «التويفل» فى الإنجليزية.