كل صورة تزين جدرانها لها حكاية، وكل رسمة لها تاريخ، وكل ركن من أركانها يمثل مشاهد وأحداثا من الإنجيل المقدس، وكل عمود من أعمدتها شاهد على تاريخها الملىء بالشخصيات والأحداث. على مدار نحو مائة وخمسة أعوام، شهد الأثر المقدس أفراحا جمة، تخللتها أتراح شديدة التأثير مما جعل جدرانها تتألم، ولوحات «الفسيسفاء» التى تزينت بها حوائطها تحزن. بعد عامين اثنين من اغتيال بطرس باشا غالى - رئيس وزراء مصر (1908 – 1910م)، تولت عائلته بناء « الكنيسة البطرسية» على نفقتها الخاصة فوق ضريحه تخليداً لذكراه، وافتتحها البابا كيرلس الخامس «البطريرك 112» فى 21 فبراير 1912، وتحمل الكنيسة التى تقع بشارع رمسيس بمنطقة العباسية - ملاصقة للكاتدرائية المرقسية- اسم القديسين بطرس وبولس. ولمعرفة المزيد عن تاريخ الكنيسة البطرسية تم الرجوع إلى المؤرخ الدكتور إسحاق إبراهيم عجبان رئيس قسم التاريخ والأمين العام لمعهد الدراسات القبطية، وقد أمدنا بمعلومات وفيرة عن وصف وتاريخ الكنيسة، حيث إن تصميم مبنى الكنيسة قد وضعه المهندس المعمارى الإيطالى الجنسية «أنطوان لاشاك» بك (1856-1946م) كبير مهندسى السرايات الخديوية فى عصر الخديو عباس حلمى الثانى (خديو مصر من 1892 – 1914). وقد بُنِيت الكنيسة من الحجر المنحوت على الطراز البازيليكى، ويبلغ طولها 28 مترًا وعرضها 17 مترًا، وهى مستطيلة الشكل قُسِّمت إلى ثلاثة أروقة، وبها صفّان من الأعمدة الرخامية (10 أعمدة) يقسمانها إلى ثلاثة أقسام، وغُطيت بأسقف جمالونية من الخشب المُغطّى بالقراميد.وقد قام البروفيسور پريمو پانشيرولى بأعمال زخرفة وتزيين الكنيسة، بإشراف مرقس باشا سميكة مؤسس المتحف القبطى، ويوسف غالى بك ناظر الكنيسة وقتذاك. وأشار الدكتور عجبان إلى أن الكنيسة تضم مدفن العائلة البطرسية تحت هيكل الكنيسة، ويوجد أمام باب الهيكل سلم له إحدى وعشرون درجة، ينتهى بباب يؤدى إلى ضريح بطرس باشا غالى (1846 – 1910م)، وضريح نجله نجيب بطرس غالى (1873 – 1933م) الذى كان وزيراً للزراعة فى وزارة عدلى يكن الأولى، وضريح الدكتور بطرس بطرس غالى (1922 – 2016م)الأمين العام السادس لهيئة الأممالمتحدة خلال الفترة (1992 – 1996م). وكتب فوق باب الضريح بالعربية والفرنسيّة تاريخ ميلاد ووفاة بطرس باشا غالى. وبداخل المدفن تابوت من الجرانيت المصقول يحوى رفاته، على قاعدة من الرخام الأسود، وقد نُقِش على الجدارين القبلى والبحرى بالعربية والفرنسية آخر كلمات تلفّظ بها بطرس باشا غالى قبل وفاته: «يعلم الله أنى ما أتيت أمرًا يضرّ بلادى». وأوضح أنه فى عام 1934م بدأ نشاط خدمة مدارس الأحد بها، وفى نفس العام تأسست جمعية الآثار القبطية وكان اسمها عند التأسيس جمعية محبى الفن القبطى وتغير اسمها سنة 1938م إلى الاسم الحالى، واشتهرت بمطبوعاتها القيمة، وبالدورية العلمية التى تصدرها سنوياً. وأفادت وثيقة باللغة الفرنسية من وثائق عابدين سنة 1942 أنه كان يدير الجمعية مجلس إدارة مكون من 15 عضواً تحت حماية الأمير عمر طوسون (1872 – 1944م) حفيد والى مصر سعيد باشا ابن محمد على باشا.وفى عام 1961م قام المهندس واصف بطرس غالى (الرئيس الحالى للجمعية) بإجراء إضافات وإنشاءات لامتداد الكنيسة، شملت إنشاء مقر لجمعية الآثار القبطية، يضم مكتبتها الثمينة التى تحتوى على أكثر من 18000كتاب من الكتب المتخصصة فى الدراسات القبطية وغيرها. وإنشاء قاعة الصفا التذكارية على اسم السيدة صفا زوجة بطرس باشا غالى. وبين أن جدران الكنيسة مزينة من الداخل بصور تمثل مشاهد وأحداثا من الإنجيل المقدس ومن تاريخ الكنيسة، كما زُيِّنت جدران هياكلها بصور من الفسيفساء، وأُسنِد العمل لشركة من البندقية (فينيسيا) وهى شركة الكاڤاليرى أنجيلو چيانيزى. وأكمل حديثه قائلا: تعرضت الكنيسة لحادث إرهابى بواسطة انتحارى، أثناء صلاة القداس صباح 11 ديسمبر 2016، وأسفر عن استشهاد29 شهيدًا ونحو30 جريحًا، بالإضافة إلى أضرار جسيمة فى مبنى الكنيسة، وقد شيعت مصر شهداءها فى جنازة عسكرية مهيبة بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى وقداسة البابا تواضروس الثانى وكبار رجال الدولة، وبتوجيهات السيد الرئيس تم تكليف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بترميم وتجديد الكنيسة فى أسرع وقت ممكن، وبدأت أعمال الترميم والتجديد بالكنيسة فى 15 ديسمبر2016، وانتهت المرحلة الأولى من أعمال الترميم فى 29 ديسمبر 2016، أى أنه تم ترميم وتجديد مبنى الكنيسة خلال مدة خمسة عشر يوماً فقط، وكان ذلك قبل حلول عام 2017 بيومين، لإتاحة الفرصة لإقامة صلوات رأس السنة الميلادية وعيد الميلاد المجيد بها، وبالفعل قام قداسة البابا تواضروس بصلاة أول قداس بها بعد ترميمها، وكان ذلك فى أول أيام شهر يناير 2017.