(تطييب الخواطر) شعارٌ استهلاكى سائد، فى معالجات أزمات الفتن الطائفية المفتعلة الأسباب، والموجهَةْ التدبير، والمتفاعلة بعِلَلٍ متراكمة، طالت الوعى والعقائد والنفوس، وفى صلب الوجع يكمن الداء، متجسداً عبر تاريخ، تتابعت فيه أيادى الفُرْقَة والاستثمار، تشَيِّد جدراناً تفصل اللحمة الإنسانية والواطنية، أحجاراً من استهداف تكدست فى وجه مقصد الدين الأصيل أى دين- لتوارى عنوانه (الله محبة)، ولتعلو رايات الكُرْه والشك والارتياب والاستعلاء وصولاً إلى احتكار صكوك الإيمان والكفر، مناخٌ عام صَنَعه الاستعمار الجديد عبر عقود، وتقبلناه بسلبية صنعها الاستبداد، وارتضيناه بضمير الخاشع لأوامر العدو، ومنذ دخل العالم عصر (الفضائيات) ومن بعده (الإنترنت) باتت وسائل إعلامنا الجديدة حاضنات توزع صكوك نفى الآخر، يستوى فى ذلك المسلم القادم من قرون وَلَّتْ، مع المسيحى الساعى للثأر من استهداف القرون التى ولت، وكلاهما أدوات فى يد مشروع لا ينشد إلا مصالحه، وبين الأدوات وأمانى المستعمر الجديد تدور رحى الفتن طاحنة شعوباً وأوطاناً وأدياناً. عفواً يا سادة إنها ليست (فوبيا) المؤامرة الكونية ضد أوطاننا وشعوبها، ولكنه الواقع الذى يجمع مقار وإقامات كل المنظمات والتنظيمات والشخصيات التى تستثمر الإسلام والمسيحية على أرض دولة واحدة بنموذج متكرر لتكون الإدارة تحت راية الحريات فى الغرب أمريكا أو بريطانيا مثلا-، وإدارة العمليات فى ساحات مفتوحة هى أوطاننا، وهو نفس الواقع الذى يدافع عن تنظيمات الإرهاب الدينية عبر بيانات منظمات حقوقية ويدين الأنظمة، وفى نفس الوقت يروج لدعاوى اضطهاد المسيحيين فى الشرق وعدم أمانهم فى مواجهة تنظيمات الإرهاب وأيضاً يدين الأنظمة. والحقيقة أننا جميعاً مدانون أنظمة وشعوباً أمام ضمير أمتنا وتاريخها، إذ إننا قررنا ان نخوض حرب البقاء فى مواجهة عواصف فناء تُسميها الإدارة الأمريكية (عالم جديد)، دونما مواجهة حقيقية لذاتنا الوطنية المصرية، تلك الروح التى انطلقت من فطرة سوية آمنت بالخالق إلهاً ووحدته على جدران معابدها اجتهاداً، ثم تعاقبت عليها الرسالات وتتابعت على ثراها آثار الأنبياء والرسل، لتُصبح مهداً لرسالات التوحيد المتتالية ومنبراً يخاطب روح الدنيا والإنسانية كلها بلسان السماء، ولتستحيل مصر أيقونة دينية تتردد أصداؤها فى وعى اليهودى والمسيحى والمسلم، ونموذجاً للتعايش بأنجم علمه الثلاثة يجسد المواطنة عنواناً والمحبة راية تظلل (حسن ومرقص وكوهين). إن هكذا مواجهة تمثل المدخل اللازم للحديث المستهدف، بينما الوطن على أعتاب الاحتفال بميلاد المسيح عليه وعلى محمد الصلاة والسلام، وكان المقصد هو أن نطرح سؤال الفرض على ضمير الوطن وناسه، (كيف لمصر التى شهدت رحلة العائلة المقدسة للسيد المسيح وأمه العذراء أن تُقدم للدنيا تاريخها المعبر عن إيمانها وحضارتها؟)، وفى ظل محاولات التناول كتابة، كانت أيادى الفتنة تنشب مخالبها فى قطعة من البدن المصرى (أطفيح)، والسبب (تحرك الأهالى المسلمين بعد صلاة الجمعة لاشتباههم فى تجمع لصلاة بعض الأهالى المسيحيين وعقدهم النية على تحويل المكان لكنيسة)! وهنا يطفح الوجع من (أطفيح) ليطلق أناته فى وجوهنا جميعاً طارحاً سؤالا (ما هو موقع الصلاة من الإعراب فى جملة الفتن المنصوبة؟)، ويزيدنا الوجع إدهاشاً بتساؤل (هل الساعى للصلة بالله صلاة، يعنيه كيف يصلى له غيره، أو أين؟)، و أخيراً (كيف صار هدف المصلى مكان الصلاة لا الصلاة نفسها؟)، إن تتابع أسئلة الأوجاع تحيلنا إلى البحث عن إيمان المصرى بوطنه القادر على استيعاب الآخر داخل مكوناته والآخر اللاجئ إليه، وتؤكد لنا واقع الاستهداف الذى حول مكامن قوتنا العقدية الداعمة لخصوصيتنا الإنسانية إلى عوامل ضعف تشكل ثغرات تنفذ منها سهام الفتن. وحتى يكون للحديث قدرة على فتح آفاق الحل عبر الفعل، دعونا نتخذ مما حدث فى 4 أكتوبر الماضي، منصة قفز لاستعادة وعى المصري، ففى هذا التاريخ (شارك يحيى راشد وزير السياحة، مع وفد مصرى رسمى رفيع المستوى فى القداس الذى أقامه البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، والذى بارك خلاله أيقونة رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر). إن مصر بمباركة بابا الفاتيكان ل (أيقونة رحلة العائلة المقدسة)، تحصل على مكانتها الطبيعية فى مسارات الحج المسيحى العالمي، وتأخذ من فرص الحضور فى مشهد متجاوز لحظر الاستهداف السياحى ما يمكنها من خطاب الإنسانية مباشرة بتنوع جنسياتها، وإن كان هذا العام قد سبقتنا الحوادث وحال ضيق الوقت دون أن نستعد فلتكن 2018 موعدنا، ولتتحول احتفالات الميلاد والرحلة التى تشمل 25 محطة من سيناء إلى الصعيد، إلى احتفالات وطن بتراثه، وليبدأ الاحتفال بالرحلة بأن تتبنى الدولة خطة شاملة تتضافر فيها جهود الإعلام والثقافة والدين والتعليم مع باقى مكونات الوطن، لتحمل عقول المواطنين إلى رحلة مقدسة صوب الوطن المنشود والمواطن المأمول، رحلة واجب أن يكون زادها إيمانا خالصا، وعدتها عقولا تستهدف البناء، وأرواحا تنشد المحبة. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى