يفارق العَالِمُ الدنيا بجسده ويبقى علمه شاهدًا على صفاء ونقاء روحه. لم يلبث جثمانه أن وُرى الثرى حتى ماجت الذكريات بالقلب والعقل معًا، رأيته منذ دخلت قسم اللغة العربية طالبًا للعلم، فإذ به خير معلم؛ يمتاز بنشاط رغم تقدم العمر به لم ينعم به شباب جيلنا، حيث كنا ندخل المدرج فى الثامنة صباحًا فنجده جالسًا بانتظار طلابه، مرتديًا، رغم برودة الجو، ملبسًا صيفيًّا يليق بوقاره المعهود. وفى المحاضرة يعطر أسماعنا بكلامه عن إعجاز القرآن الكريم، بهدوء لم نره فى كثير ممن قابلنا، ورصانة لغوية تعلق بالأذهان حين الاستماع إليها. وحين يصعد إلى غرفة بقسم اللغة العربية يصبح حكيم القسم، والكلية، ويشار إليه بالبنان، ويعهد الجميع إليه بحل ما استعصى من إشكاليات؛ فيدلى فيها بما منحه الله من حكمة وعقل ورزانة العلماء. وكان ديمقراطيًّا صاحب قدرة على التعامل مع القوانين وتغير الأجيال معًا، دون الإخلال بحق طرف منهما؛ فقد تأخرت أوراق تعيينى معيدا بالقسم لتحديد اسم تخصصى، فإذا به يخيرنى فى التخصصات المتاحة، دون أن يقيدنى بما لا أحب، ويتعطل تعيينى فى درجة مدرس لتسمية تخصصى الدقيق فى درجة الدكتوراه، فإذا به يقرأ الرسالة، دون أن يكون مشرفًا عليها، ليعبر بما أتاه الله من علم وفطنة ورجاحة عقل، ليمنحنى حقى، وحق العلم. أما كتاباته فتشهد له بالتنوع وعشق العربية، وخاصة التراث؛ فلا تقرأ له دراسة، إلا وجدته شيخًا للمحققين، وموسوعيًّا بكل ما تحمله الكلمة من دلالات. ولا تنتهى خواطر المرء مع أستاذ الأجيال، ولكن لا نقول إلا «إنَّا لله وإنَّا إليه راجِعُون». ورحم الله أستاذنا دكتور «حسين نصار».