روت دماء شهدائنا أرض سيناء مجدداً، ولا غرابة فى أن هذه الأرض الطاهرة وفوق رمالها سقط لنا فيها شهداء عبر التاريخ، فهى تُعد بوابة مصر الشرقية التى يأتى منها أعداء الوطن، ودائماً تنكسر شوكتهم على أراضيها، ومعركتنا اليوم أشد وأقسى فالعدو خفى متربص يلتاذ بالكهوف والجبال، وداعمه ومؤيدوه خلف الستار وفى عواصم بعيدة، ولكن السؤال لماذا الآن هذا الحدث الجلل وجريمة بهذا الحجم؟! من الواضح بأن مصر تتعرض لضغوط سياسية واقتصادية بل وسياحية وحتى مائية، لتحديد وتحجيم بوصلة هذا الوطن الأهم فى محيطه العربى وفى جغرافية الشرق الأوسط شديدة الحساسية، وفى مرحلة بدأت مصر تخرج أكثر استقراراً وأكثر قدرة على مواجهة الإرهاب واستعادة زمام الأمن، وانتقلت لمرحلة المبادرة الإقليمية، فبدا تأثيرها واضح فى الملف الليبى ضد الإرهاب وجماعته ومع ليبيا الدولة وليبيا المؤسسات وليبيا الجيش وليبيا البرلمان والحكومة الوطنية، لا ليبيا الميليشيات المسلحة والمتناحرة التابعة لعواصم والمؤتمرة بأوامرها، ليبيا الاستقلال الوطنى والقرار الحر الذى يخدم شعب ليبيا ومنطقتنا العربية، وعلى الجانب الأخر تتحرك مصر شرقاً باتجاه فلسطين فخلال الأسابيع الماضية وبعد جهد مستمر تم استعادة اللحمة بين جغرافية الوطن الفلسطينى بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبين الديمغرافية الفلسطينية المنقسمة بين هذين الحيزين المكانيين وتدعيم أواصر الوحدة الوطنية بين فتح وحماس وكل الفصائل، وشمالاً تعزز مصر نطاقاً استراتيجياً للتعاون مع دول شرق المتوسط فى بناء الخير والنماء والاستفادة من طاقات غاز هائلة مكتشفة تؤهل مصر بفضل بنيتها التحتية لتصبح مركز توزيع الطاقة فى المنطقة، ويتواكب مع كل ذلك حركة نشطة واعية باتجاه أفريقيا، ومكانة دولية وإقليمية مكتسبة تؤهل مصر بالفعل لتصبح أحد أهم القوى الإقليمية الرائدة فى السنوات القادمة والمرشحة للعب دور محورى فى تحديد مسار العلاقات الإقليمية والدولية. ولذا فإن تحجيم هذا الدور وإرباكه يصب فى مصلحة أعداء الوطن ومن هنا يمكن فهم جزء مما حدث فى مسجد الروضة بدير العبد تلك المأساة الإنسانية والعمل اللأخلاقى الذى سيضع حتماً نهاية لما قبله، وسيطلق طاقات غضب مصر وشعبها والعالم من ورائها لوئدالإرهاب من جذوره. والرد البليغ لن يكون فقط بواجب الثأر وتتبع أثر هؤلاء القتلة أعداء الدين، ولكن الاهم كشف ساتر من ورائهم مع إظهار الأدلة عمن مول ودعم ونقل وساهم فى هذا العمل المقيت، وتصعيد المواجهة والضغط على دول وأجهزة صارت الأدلة على تورطها تفوق الشبهات ومتوافرة لدينا ولدى اخرين. وكلمة أخيرة حول النصب التذكاري، وأنشئت مع توجيه الرئيس قاعدة تخطيط وإعمار منطقة بئر العبد، فآمل أن يأتى فى صورة قرية نموذجية تؤسس قرب مكان سقوط الشهداء، قرية زراعية خضراء حديثة فى قلب الصحراء وتشرف على انشائها قواتنا المسلحة وجهاز المشروعات وعلى أعلى مستوى تكون موطناً لأهلينا من ذوى الشهداء أو أبنائهم ويطلق اسم كل شهيد على شارع بها أو منزل، والهدف هو أنه لو كان المقصود خلخلة وتفريغ سيناء من غير المتطرفين ليرتع فيها أصحاب الأفكار التكفيرية الهدامة، فلنضربهم فى مقتل ونعزز وجود قبائلنا وأبنائنا من أهل سيناء فنتشبث بالأرض ونعمرها، وتبقى قرية الشهداء بئر العبد نصبنا الدائم للشهداء تروى زراعتها وحقولها الجديدة الوافرة بذكريات أهل المنطقة حول ذويهم الذين سقطوا شهداء بين يدى الله وفى داره. لمزيد من مقالات سفير د. محمد حجازى