سعدت لحظة أن ركز اللواء أبو بكر الجندى رئيس جهاز التعبئة والإحصاء على الأرقام الخاصة بقضية توافر الخدمات المنزلية فى مصر. خدمات مثل الكهرباء والمياه النقية والصرف الصحي. لحظتها صرح بأن نسبة 40% من الأسر المصرية تمتلك دورات مياه فى حين نحتاج إلى تغطية احتياج 60% من الأسر الأخرى التى تمثل النسبة الأكبر. سعدت لأنى من البشر الذى اهتم بهذه القضية منذ فترة، خاصة من الجانب الحقوقى للمرأة. وقد اهتممت بها تحديدا منذ العقد التسعينى من القرن الماضي. والذى شدنى إلى هذه القضية ذلك الحديث الذى دار بينى وبين الدكتورة ليلى اسكندر (كانت حينذاك ناشطة فى المجتمع المدنى ولم تكن قد دخلت الوزارة)، كانت قد انتهت من تعميم دورات المياه فى كل منازل قريتها المنياوية، شرموخ حيث تمتلك أسرتها أرضا زراعية. يومها زرت القرية بمفردى ودخلت المنازل وتحدثت مع النساء وسألتهن، عندكم دورات مياه؟ وكانت غالبية الإجابات، (الحمد لله، والبركة فى الدكتورة ليلي، ربنا يستر عرضها). انتبهت لعبارة (ربنا يستر عرضها) بالرغم من أنى لم أفهم حينذاك مدلولها جيدا وبدقة. ثم استوعبتها بعد حديث جرى فى المجلس القومى للمرأة عندما روى الأستاذ الدكتور محمود شريف، وزير التنمية المحلية الأسبق، واقعة جرت فى أثناء تنفيذه مشروع شروق لتنمية القرية المصرية. ففى إحدى جولاته فى صعيد مصر لاحظ مرور كابلات الكهرباء على قرية دون أن تدخلها، فسأل المسئولين المحليين عن السبب فعرف أن هذه رغبة سكانها، فطلب مقابلتهم ليعرف السبب. فدخول الكهرباء كان مطلبا عاما، فلماذا ترفضه هذه القرية؟. واجتمع الوزير بالأهالى الذكور الذين قالوا له إن منازلهم لا يوجد بها دورات مياه مما يضطر النساء إلى الخروج جماعيا بعد مغيب الشمس لقضاء حاجاتهن فى الحقول أو فى الظهير الصحراوى إن وجد. وهن يفضلن الخروج فى الظلام حتى لا ينكشفن على ذكور القرية. فسألهم الوزير، هل إذا تعاونوا مع الوزارة فى توفير الدورات فى المنازل (تدفع الوزارة نصف التكاليف ويدفع الأهالى النصف الثاني) هل يقبلون دخول الكهرباء؟ وافقوا جميعا. وقامت الوزارة بدورها وأصبح للقرية دورات المياه ودخلتها الكهرباء. وأتذكر أن الدكتور إبراهيم ريحان، الأستاذ الجامعى الذى استمر لفترة مسئولا لإدارة تنمية القرية فى وزارة التنمية صرح فى اجتماع فى إحدى لجان المجلس القومى للمرأة بأن الوزارة تتلقى مئات الآلاف من الطلبات الريفية لإدخال دورات المياه فى منازل الريف. وقال إنها مسألة حقوقية للمرأة. منذ فترة ومشكلة تعميم الصرف الصحى فى الريف المصرى مشكلة لبعض المسئولين، كما أنها للبعض الآخر ليس مشكلة. تصبح مشكلة إذا تعاملنا معها على أن نظام حلها يتطابق مع نظام حلها فى الحضر، وبذلك يحتاج إلى مليارات ومليارات من الجنيهات. وينظر البعض الآخر على أن حل مشكلة الصرف الصحى فى الريف يكون له أنظمته الخاصة التى تتماشى مع عناصر كثيرة منها حجم القرية وقربها أو بعدها عن العمران المدني، وبذلك تنخفض تكاليفه مع استمراره حاميا لصحة أهل الريف، ثم يصدق دعاء القروية المنياوية «ربنا يستر عرضها». ووضح من إحصائيات التعداد أن قضايا تعميم الصرف الصحى ليست قضايا ريفية فحسب، وإنما أوضحت البيانات أنه حتى فى المراكز الحضرية المعروفة، القاهرة والإسكندرية وبور سعيد والسويس لا تتمتع كل الأسر بوجود دورات مياه داخل جدران منازلها. لذلك لابد للعودة للمناقشات التى دارت قبلا حول المدخل لحل هذه المشكلة. لذلك سوف تختلف برامج تنفيذ الصرف الصحى حتى من قرية إلى أخري. لدينا قرى يصل تعدادها إلى عشرات الآلاف وأخرى يصل إلى مئات الآلاف. بجانب أن الريف المصري، كما خضع للتغيير خلال العقود الماضية، فهو لا يزال يخضع للتغيير الآن. أتذكر أن فى إحصاء عام 1966 كان عدد القرى المصرية 4020 قرية وقد ارتفع هذا العدد الآن إلى ما يزيد على ال4700 قرية. هذا بجانب 23 ألف نجع وكفر وعزبة. حدث ما يسميه الخبراء بالانشطار. معنى ذلك أننا أمام مشروع أو برنامج يحتاج إلى عقليات تخطيطية واقتصادية ملمة بأوضاع الريف والحضر معا تستطيع أن «تستر عرض النساء» بكل تنوع فى الأفكار والحلول بجانب الشفافية وتمكن اقتصادى وقادر على التعاون مع المجتمع المدنى ومع السكان. كما أنها ليست قضية جديدة يسهل حلها إنما هى قضية قديمة عاشت فى مصر منذ ما قبل ثورة 1952. وقد استمرت حكومات ما قبل وما بعد 1952 تدخل المياه النقية إلى القرى «بغض النظر عن انتظامها وجودتها» دون أن تفكر ذات الحكومات فى طرح سؤال مهم «اين يصرف القرويون المياه بعد استخدامها؟». يصرفونها إما فى «ترانش» المعروف كنظام صرف منزلى فى الريف أو بإلقائها فى الشوارع والحارات. فى الحالة الأولى تحتاج الأسرة الريفية إلى تفريغ ال «الترانش» بعد امتلائه مما يكلفها الكثير لأنها تستعين بملاك عربات الشفط الذين عادة لا يفرغون «الترانش» بالكامل، بحيث تتكرر العملية التى يتكسبون منها. ثم وفى غياب الإدارة المحلية يعود مالك السيارة ليفرغ المحتويات فى المصارف وفى أحيان فى الترع. وفى الحالتين سواء وجدت «الترانشات» أو تم القاء المياه فى خارج المنازل، فقد تسربت المياه إلى جوف الأرض. ويعرف جميع الخبراء أن الريف المصرى يعوم على المياه الجوفية. لقد حدد الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء حجم المشكلة وعلينا التخطيط لحلها واضعين التخطيط السليم الذى يراعى أبعاد المشكلة واختلافات الحلول، ومحاولين الاستفادة من كل تلك التجارب التى قامت بها منظمات المجتمع المدني «وما أكثرها» وما أحوجنا إليها. وبالتجربة لا نريد أن يصرح مسئول بأنها تتكلف المليارات، فهذا غير صحيح. لمزيد من مقالات أمينة شفيق