عاجل- بورصة الدواجن: 89 جنيها سعر كيلو الفراخ اليوم الخميس    عضو الأهلي السابق: طفشت أمونيكي من الزمالك بعرض خارجي كان بيعكنن على الأهلاوية    وزارة الحج والعمرة تطالب ضيوف الرحمن بضرورة حمل بطاقة نسك في كل خطوات رحلة الحج    طيران الاحتلال يقصف مناطق عسكرية ل«حزب الله» (فيديو)    حريق هائل يلتهم مصفاة نفط على طريق أربيل بالعراق    انخفاض أسعار النفط بعد مفاجأة المركزي الأمريكي بشأن الفائدة    موعد مباراة الأهلي المقبلة أمام فاركو في الدوري المصري والقناة الناقلة    طائرات مسيرة تطلق النار على المنازل في حي الشجاعية والزيتون بمدينة غزة    توقعات المركز الوطني للأرصاد السعودي: هذه حالة طقس مكة المكرمة والمشاعر المقدسة اليوم الخميس    ضربات أمريكية بريطانية على مجمع حكومي وإذاعة للحوثيين قرب صنعاء، ووقوع إصابات    قرار عاجل من فيفا في قضية «الشيبي».. مفاجأة لاتحاد الكرة    يورو 2024| أغلى لاعب في كل منتخب ببطولة الأمم الأوروبية    بريطانيا تقدم حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا بقيمة 309 ملايين دولار    انتعاش تجارة الأضاحي في مصر ينعش ركود الأسوق    نشرة «المصري اليوم» الصباحية.. تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم: جحيم تحت الشمس ودرجة الحرارة «استثنائية».. مفاجأة في حيثيات رفع اسم «أبو تريكة» وآخرين من قوائم الإرهاب (مستندات)    متى موعد عيد الأضحى 2024/1445 وكم عدد أيام الإجازة في الدول العربية؟    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    لأول مرة.. هشام عاشور يكشف سبب انفصاله عن نيللي كريم: «هتفضل حبيبتي»    محمد ياسين يكتب: شرخ الهضبة    حامد عز الدين يكتب: لا عذاب ولا ثواب بلا حساب!    عقوبات صارمة.. ما مصير أصحاب تأشيرات الحج غير النظامية؟    الوكيل: تركيب مصيدة قلب مفاعل الوحدة النووية ال3 و4 بالضبعة في 6 أكتوبر و19 نوفمبر    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    تصل ل«9 أيام متتابعة» مدفوعة الأجر.. موعد إجازة عيد الأضحى 2024    مفاجأة مدوية.. دواء لإعادة نمو أسنان الإنسان من جديد    في موسم الامتحانات| 7 وصايا لتغذية طلاب الثانوية العامة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل اللحم المُبهر بالأرز    محمد عبد الجليل: أتمنى أن يتعاقد الأهلي مع هذا اللاعب    المجازر تفتح أبوابها مجانا للأضاحي.. تحذيرات من الذبح في الشوارع وأمام البيوت    هل يقبل حج محتكرى السلع؟ عالمة أزهرية تفجر مفاجأة    التليفزيون هذا المساء.. الأرصاد تحذر: الخميس والجمعة والسبت ذروة الموجة الحارة    شاهد مهرجان «القاضية» من فيلم «ولاد رزق 3» (فيديو)    حزب الله ينفذ 19 عملية نوعية ضد إسرائيل ومئات الصواريخ تسقط على شمالها    أبرزها المكملات.. 4 أشياء تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يواصل اجتماعته لليوم الثاني    24 صورة من عقد قران الفنانة سلمى أبو ضيف وعريسها    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة وفقاً للمعايير الدولية    بنك "بريكس" فى مصر    لماذا امتنعت مصر عن شراء القمح الروسي في مناقصتين متتاليتين؟    صدمة قطار.. إصابة شخص أثناء عبور شريط السكة الحديد فى أسوان    .. وشهد شاهد من أهلها «الشيخ الغزالي»    التعليم العالى المصرى.. بين الإتاحة والازدواجية (2)    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    محمد الباز ل«كل الزوايا»: هناك خلل في متابعة بالتغيير الحكومي بالذهنية العامة وليس الإعلام فقط    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    سعر السبيكة الذهب الآن وعيار 21 اليوم الخميس 13 يونيو 2024    مدحت صالح يمتع حضور حفل صوت السينما بمجموعة من أغانى الأفلام الكلاسيكية    أستاذ تراث: "العيد فى مصر حاجة تانية وتراثنا ظاهر فى عاداتنا وتقاليدنا"    الأهلي يكشف حقيقة مكافآت كأس العالم للأندية 2025    الداخلية تكشف حقيقة تعدي جزار على شخص في الهرم وإصابته    اليوم.. النطق بالحكم على 16 متهمًا لاتهامهم بتهريب المهاجرين إلى أمريكا    انتشال جثمان طفل غرق في ترعة بالمنيا    مهيب عبد الهادي: أزمة إيقاف رمضان صبحي «هتعدي على خير» واللاعب جدد عقده    «الأهلي» يزف نبأ سارًا قبل مباراة الزمالك المقبلة في الدوري المصري    بعد ارتفاعه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 13 يونيو 2024    «رئيس الأركان» يشهد المرحلة الرئيسية ل«مشروع مراكز القيادة»    فلسطين تعرب عن تعازيها ومواساتها لدولة الكويت الشقيقة في ضحايا حريق المنقف    قبل عيد الأضحى.. طريقة تحضير وجبة اقتصادية ولذيذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مائة عام بعد بلفور
نشر في الأهرام اليومي يوم 02 - 11 - 2017

قبل مائة عام بالتمام والكمال أصدر أرثر جيمس بلفور - وزير خارجية بريطانيا - تصريحا يعلن فيه تعاطف حكومته مع تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، ويتعهد بتسهيل تحقيق هذا الهدف، دون إضرار بالحقوق الدينية والمدنية لسكان فلسطين من غير اليهود. تأسست إسرائيل وتوسعت وازدهرت، فيما وقع ضرر بالغ على الفلسطينيين فخسروا الأرض، وتشتتوا فى المنافى وبلاد اللجوء، وخضعوا لاحتلال أجنبى مسلح، وحرموا من ممارسة أبسط الحقوق. نجحت الحركة الصهيونية فى تحقيق أهدافها كاملة، فيما خسر الفلسطينيون كل شيء، ومازلنا فى عالمنا العربى نجتهد لفهم ما حدث.
لا شيء أبعد عن المنطق من هذه النتيجة. نجحت الحركة الصهيونية فى إعادة تجميع اليهود الذين تشتتوا فى العالم لألفى عام، واستخدمت فى سبيل ذلك مزيجا من الأساطير الدينية ونتف الوقائع التاريخية، وقامت بإحلال اليهود محل أصحاب الأرض الذين عاشوا فيها قرونا طويلة. حدث كل هذا فى القرن العشرين، الذى تعرض فيه الدين وأساطيره للتهميش فى بلاد الغرب، وفيما كان العالم يجمع لأول مرة على حق الشعوب فى تقرير المصير.
رغم مجافاته لمنطق العقل، فما حدث فى فلسطين يتوافق مع منطق التاريخ. الحركة الصهيونية هى نتاج للعالم وللعصر الذى ظهرت وازدهرت فيه، والأرجح أنها ما كانت لتنجح لو أنها تأخرت فى الظهور لعقدين من الزمان. بالمقابل فقد خسر الفلسطينيون كل شيء لأن الظروف وضعتهم فى موقف مضاد لمنطق التطور التاريخى فى الشرق الأوسط فى النصف الأول من القرن العشرين.
نشأت الحركة الصهيونية وتبلورت فى الغرب، فالصهيونية ظاهرة أوروبية رغم أن تداعياتها وآثارها ظهرت عندنا فى الشرق الأوسط. الصهيونية هى انعكاس لثلاث ظواهر كبرى عرفتها أوروبا فى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. كراهية اليهود، أو ما سمى بعد ذلك معاداة السامية؛ والقومية؛ والاستعمار هى الظواهر الثلاث التى صنعت العصر الذى ظهرت فيه الصهيونية وازدهرت.
كراهية اليهود قديمة قدم المسيحية فى أوروبا، فقد فرض على الأجيال المتعاقبة من اليهود دفع فاتورة الخيانة التى انتهت بتسليم السيد المسيح لسلطات الإمبراطورية الرومانية لوضعه على الصليب. قتل الرومان السيد المسيح، أو هكذا ظنوا، ومع هذا فإن المسيحيين فى أوروبا صبوا غضبهم ليس على أحفاد الرومان، ولكن على الأجيال التالية من اليهود.
كراهية اليهود هى عقيدة وممارسة قديمة فى أوروبا المسيحية، لكنها وصلت إلى ذروة عالية فى القرنين التاسع عشر والعشرين. المفارقة التاريخية هى أنه بينما كانت أوروبا توغل فى العلمانية وعقلانية العلم والثورة الصناعية، كانت كراهية اليهود فيها، خاصة فى وسطها وشرقها، تتعمق. انتشرت القومية العلمانية فى أوروبا القرن التاسع عشر، ومعها انتشرت معاداة السامية التى حولت كراهية اليهود من قضية تتعلق بالدين إلى قضية تتعلق بالعرق. تحولت الوعود الإنسانية والعقلانية لعصر التنوير إلى عصبية قومية ترفض الآخر المختلف، خاصة لو كان يهوديا.
رفضت القوميات الأوروبية الصاعدة استيعاب اليهود الأغراب، فاخترع اليهود العقيدة الصهيونية تعبيرا عن قوميتهم اليهودية الخاصة. دولة الأمة هى ذروة تبلور الأمة وتحققها، وهى النموذج الأمثل للدولة، هكذا فكر القوميون فى أوروبا، وهكذا فكر مثلهم القوميون اليهود، المعروفون بالصهاينة، فنشأت فكرة الدولة اليهودية ذ إسرائيل ذ باعتبارها الخلاص النهائى للشعب اليهودى من الاضطهاد الذى أصبح قوميا بعد أن كان دينيا.
نقل آلاف اليهود إلى فلسطين، والاستيلاء عليها، بعد طرد شعبها، يبدو مهمة صعبة. لكن ممارسات مماثلة كانت شديدة الشيوع فى عصر الاستعمار الأوروبى للعالم. ألم يحل ملايين المهاجرين الأوربيين محل السكان الأصليين فى أمريكا الشمالية وجنوب إفريقيا؟ ألم يسيطر بضعة آلاف من المستعمرين البريطانيين على شبة القارة الهندية كلها؟ ألم تصل الظاهرة الاستعمارية إلى ذروتها فى القرن التاسع عشر، عندما سيطر الأوروبيين على أفريقيا والشرق الأوسط وما بقى من آسيا؟ إذا كان الاستعماريون الأوربيون نجحوا فى هذا، فلماذا لا ينجح الاستعماريون الصهاينة أيضا؟
الصهيونية - رغم شذوذها - هى وليد شرعى لأوروبا فى القرنين التاسع عشر والعشرين. وظف الصهاينة المال والإعلام والسياسة وقوة العلم وترسانات السلاح لتحقيق أهدافهم، وهى نفس الأدوات التى ابتدعها الغرب للسيطرة على العالم. حدث هذا فيما كان الفلسطينيون مجبرين على السباحة عكس تيار التاريخ. ففيما كانت فكرة الدولة الوطنية الحديثة ومؤسساتها تعرف طريقها للشرق الأوسط، وفيما كان كل شعب من شعوب المنطقة يتولى تحرير وبناء وطنه بنفسه، كان الفلسطينيون أسرى أوهام الأخوة العربية والإسلامية. ظهرت الدولة الوطنية الحديثة فى مصر وشمال إفريقيا على يد الحكام، الإصلاحيين، وظهرت الدولة الوطنية الحديثة فى المشرق العربى تطبيقا لاتفاقات سايكس - بيكو الاستعمارية، التى طالما لعناها، فيما نكافح الآن من أجل الحفاظ عليها. أنشأت سايكس - بيكو دولا مصطنعة وتابعة، لكن كان لهذه الدول من القوة ما يكفى لحفظ الكيانات، ولنا فيما يجرى الآن فى سوريا والعراق دليل. وحدهم الفلسطينيون حرموا من امتلاك دولة من اصطناع الاستعمار، عندما كان الاستعمار يصنع دولا، فحرموا إلى اليوم من كل دولة.
غياب مؤسسات الدولة الوطنية تسبب فى تأخر الفلسطينيين فى إدراك أنفسهم كشعب له هويته الخاصة، وفى إدراكهم لفلسطين كوطن للشعب الفلسطيني، وليس كمجرد أرض عربية يمتلكها ويعيش عليها بعض العرب. هيمنت فصائل القوميين العرب المختلفة على السياسة العربية فى تلك الفترة، وبالنسبة لهؤلاء فإن فلسطين لم تكن وطنا لشعبها، وإنما مجرد جنوب سوريا العربية. وطن الفلسطينيين يحميه الفلسطينيون، حتى لو تلقوا مساعدة من أشقاء. حماية الأرض العربية هى مسئولية العرب كلهم، فتضيع المسئولية، بالضبط كما حدث عندما دخلت جيوش العرب فلسطين لحمايتها عام 1948.
نجت الضفة الغربية من السقوط تحت الاحتلال الصهيونى فى حرب 1948، لكن أهلها اختاروا الانضمام للأردن، ولم يمكنوا من بناء دولتهم الخاصة، فيما أصبح الأردن أكبر مساحة وسكانا واقتصادا. سقطت الضفة الغربية تحت الاحتلال الإسرائيلى فى حرب 1967، فضاع ما بقى من فلسطين، وعاد الأردن صغيرا، لكنه ظل باقيا بفضل دولته الوطنية، رغم أنها فى الأصل صناعة استعمارية.
لمزيد من مقالات د.جمال عبدالجواد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.