نعلم أن المعركة فى مواجهة الإرهاب ستستمر فترة من الوقت حتى يتم اجتثاث جذوره، ومن يقل بأنه سيتم القضاء بالكامل على الإرهاب خلال فترة وجيزة إما غير مدرك لحقيقة المعركة أو يتعامل باستخفاف مع الرأى العام. نحن ندفع ثمن المتغيرات التى شهدتها منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ونواجه مخططات ليست فقط نتاج أفكار متطرفة ومجموعات مسلحة إنما مصنوعة بدعم كامل من أجهزة مخابرات وقوى إقليمية ودولية، إلى جانب اختراق الإخوان لمؤسسات الدولة عبر سنوات طويلة، دعمها وصولهم للحكم قبل أن يتخلص الشعب منهم. ولذلك فإننا بحاجة إلى مواجهة شاملة، وهو ما تحدث عنه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى 24 أغسطس الماضى، امام الاجتماع الأول للمجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف، والذى عقد بكامل هيئته التى تضم كلا من رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، وشيخ الأزهر الشريف، وبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المُرقصية، ووزراء الدفاع، والأوقاف، والشباب والرياضة، والتضامن الاجتماعى، والخارجية، والداخلية، والاتصالات، والعدل، والتربية والتعليم، والتعليم العالى، بالإضافة إلى رئيسى جهاز المخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية.. ووجه الرئيس بقيام المجلس بصياغة وإقرار استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة الإرهاب والتطرف داخلياً وخارجياً، بحيث تشمل مختلف المحاور الأمنية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، فضلاً عن تعزيز التنسيق بين جميع أجهزة الدولة بالنسبة لتنفيذ هذه الاستراتيجية. وأكد أهمية أن يسهم المجلس فى جهود نشر الخطاب الدينى المعتدل والمفاهيم الصحيحة، بالإضافة إلى وضع خطط لحماية الشباب من التطرف، ودعم جهود توفير فرص العمل لهم. كما وجه أيضاً بالاستمرار فى تطوير المفاهيم الدراسية لمختلف المراحل التعليمية بما يرسخ مبادئ المواطنة وقبول الآخر ونبذ العنف والتطرف. وأشار إلى أهمية مراجعة التشريعات المتعلقة بمواجهة الإرهاب على الصعيدين الوطنى والدولي، واقتراح تعديلها لمواجهة أوجه القصور فى الإجراءات، وكذا الارتقاء بمنظومة التنسيق والتعاون فى مكافحة الإرهاب مع المجتمع الدولي، وخاصة دول الجوار. ووجه بضرورة إعطاء المحور الإعلامى الاهتمام اللازم، بحيث يسهم عمل المجلس فى زيادة الوعى المجتمعى بسبل التعامل مع ظاهرة الإرهاب والتطرف والتصدى لها. هذه تكليفات وخطة عمل محددة وواضحة طلبها رئيس الجمهورية من المجلس القومى لمواجهة الإرهاب والتطرف، بحضور كبار المسئولين المعنيين منذ شهرين، فماذا فعل المجلس لتنفيذ هذه التكليفات؟ سؤال مهم يحتاج إلى إجابة تفصيلية واضحة. إن أى مصرى وطنى أصيل يجب ألا يستسلم للإحباط أو الروح الانهزامية عندما يقع أى حادث إرهابى، ونفقد بعضا من خيرة شبابنا الذين نحتسبهم شهداء فى جنة الخلد ينعمون، فهذا أمر وارد فى كل الحروب، فمابالك ونحن نحارب عدوا جبانا يتستر برداء الدين وهو لا يعرف أى قيم أخلاقية، ولا يضمر سوى الشر والعنف والارهاب. والقراءة المنصفة لواقع الإرهاب خاصة خارج سيناء يوضح أن جهاز الشرطة قام بمجهود ضخم ومميز خلال الفترة الأخيرة فى الكشف عن عديد من الخلايا الإرهابية وإحباط كثير من المخططات التخريبية، مما ساهم فى حالة الاستقرار التى نعيشها الآن، لكن الأمر بلا شك يحتاج إلى مزيد من تطوير القدرات الأمنية ، وهو ما طالب به وزير الداخلية نفسه اللواء مجدى عبد الغفار خلال إجتماعه بالقيادات الأمنية فى الإسكندرية منذ عدة أيام، حيث شدد على أهمية مواصلة تطوير الخطط الأمنية الشاملة على كافة المستويات والأصعدة بما تفرضه الساحة الأمنية من تحديات متلاحقة تستلزم وضع إستراتيجيات وخطط أمنية تمكن رجال الشرطة بالأخذ بزمام المبادرة فى توجيه ضربات أمنية استباقية خلال معركته الحاسمة والفاصلة ضد الإرهاب لحماية المجتمع من شروره، مؤكداً أن خطر الإرهاب لا يزال مستمرا، وأن محاولات الجماعات الإرهابية للنيل من أمن الوطن متواصلة، وأن الصراعات التى تشهدها العديد من دول المنطقة تؤثر بصورة مباشرة على أمننا القومي. وأضاف أن الجماعات الإرهابية طورت من إمكانياتها خلال الفترات الأخيرة وهو ما يشكل تحدياً جديداً، معرباً عن ثقته فى قدرة رجال الشرطة فى التصدى لخطر الإرهاب، وأنه بتضافر الجهود نستطيع تحقيق طموحات الشعب. لكن النقطة الأخطر فى تصورى وتستحق الانتباه هى وجود الإخوان فى معظم مؤسسات الدولة وسعيها لاختراقها بما فى ذلك الشرطة، وهو ما كشف عنه بصراحة تامة القيادى الإخوانى السابق ثروت الخرباوى فى مقاله الخطير المنشور بصحيفة الوطن يوم الجمعة الماضى مما قاله:(وللتاريخ سأحكى لكم بعض حكايات غريبة، ولكنها الآن بعد أن أصبح اختراق الإخوان لمؤسسات فى الدولة معروفاً أصبحت حكاية عادية، كانوا يقولون فى زمن مضى: إن الشرطة استطاعت اختراق جماعة الإخوان، ولكن أحداً لم يفكر فى أن الإخوان اخترقوا جهاز الشرطة من أعلاه إلى أدناه، وحينما كنت فى الإخوان، وكان خيرت الشاطر قد صدر ضده حكم بالسجن خمس سنوات، كنت أراه يحضر إلى بيته ثلاث مرات فى الأسبوع من الصباح الباكر وحتى قبل المغرب، ثم ينصرف مع أحد الضباط المصاحبين له إلى سجن ملحق طرة، ظل خيرت على هذا الحال طوال خمس سنوات، وكان حضوره أفراح أنجاله شيئاً عادياً، وكانت وزارة الداخلية تعلن عن ذلك بشكل طبيعى، وكان الرأى العام المضلل يستقبل هذه الزيارات باعتبارها عملاً إنسانياً، فى حين أن النخب السياسية الموقرة لم تكن تعلم شيئاً عن الزيارات الأسبوعية! وفى هذه الزيارات كان الشاطر يعقد اللقاءات مع قيادات الجماعة ويدير أعماله وكأن حكماً لم يصدر ضده!). والحديث عن اختراق الإخوان لبعض المؤسسات يطول، وعلينا أن نأخذ الأمر بجدية، والمصلحة العامة تقتضى مراجعة المعلومات المتعلقة بهذا الموضوع بشكل دورى خاصة فى المؤسسات المهمة، والتخلص بحسم من أى عنصر مشتبه به، فمصر فوق الجميع. كلمات: لا تجعل أحداً يعرف سرّ دمعتك لأنّه سوف يعرف كيف يبكيك لمزيد من مقالات فتحى محمود;